art270216

مؤتمرات جنيف بكل أرقامها و مؤتمر ميونخ وما أفرزه من اتفاق أمريكي روسي على فرض الاستسلام المذل على الثوار باسم الهدنة ووقف الأعمال القتالية، ليتسنى لقوات الاحتلال الروسية والأسدية والإيرانية والأمريكية والأوروبية وأحذيتهم من الدول تركيز جهودهم العسكرية ضد المجاهدين المخلصين الذين أفشلوا كل مشاريع العدو الكافر وأدواته عربا وعجما، فاستمروا أيها المخلصون في رفضكم لكل الهدن ولا توقفوا قتالكم؛ فقد علمتنا أحداث فلسطين أن العدو لا يصبر على استمرار المعركة وأنه يصيح ألما ويستعدي دول الكفر والطغيان ليفرضوا الصلح والهدن على المجاهدين المسلمين حتى يتمكن العدو من استجماع قوته وإعطاء جنوده فترة من الراحة يستعيدون فيها حقدهم ويعيدون الكرة من جديد بقوة أكبر حتى يحققوا النصر على المسلمين.

كما علمنا التاريخ أن العدو غالبا ما يفشل في تحقيق انتصار عسكري؛ ولهذا يلجأ إلى الهدن والمفاوصات وشراء النفوس المريضة بالمال والمناصب فيحقق في الساحة السياسية الانتصار الذي لم يستطع تحقيقه في الساحة العسكرية.

حصل ذلك في ثورات أهل فلسطين من سنة 1936 إلى 1939؛ فقد كان الثوار كلما سجلوا انتصارا على العصابات اليهودية قامت تصرخ وتنادي مطالبة الثوار بالهدنة، ولما كان الثوار يعتمدون في تمويلهم على البلاد العربية، وكان الحكام وظيفتهم حماية يهود،كان قرار الثوار مسلوبا فكانوا ينهون المعركة وهم في حالة النصر ليأخذ اليهود فرصة للراحة وتجديد النشاط والحقد والتآمر وتجميع القوى ثم يقوموا بشن هجوم آخر حتى كللوا انتصارهم بإعلان دولتهم عام 1948 ومنها إلى معركة 1967 التي أخذوا فيها ما تبقى من فلسطين، وحتى تصبح دولة يهود أمرا واقعا يقبل به الجميع كان لا بد من إيجاد ثورة شعبية يقودها قادة عملاء، يسيطر على قراراتهم الممولون من دول المنطقة فيجيرون دماء الشهداء لصالح الاعتراف بكيان يهود، وكان لهم ما أرادوا، وها هم قادة الثورة يدخلون فلسطين ووظيفتهم حماية أمن يهود من الداخل، تماما كما تحمي دول الطوق أمنهم من الخارج.

علمنا التاريخ أيضا أن القادة العملاء يستثمرون الانتصار العسكري للمسلمين في الساحة السياسية لصالح العدو، حصل ذلك في معركة رمضان/ أكتوبر عام 1973م إذ انتصر الجيش المصري على دولة يهود واقتحم خط بارليف أقوى الخطوط العسكرية، فأوقف السادات المعارك في عز الانتصار وأصدر أوامره للجيش بوقف القتال فانقلب النصر إلى هزيمة وقتل عدد كبير منهم، ولم يقف عند هذا الحد بل استثمر المعركة على المستوى السياسي بعقد معاهدة كامب ديفيد المشؤومة التي أخرجت الجيش المصري من المعركة وحولت الجيش من الولاء لله ورسوله والمؤمنين إلى الولاء لأمريكا الكافرة وأصبح الحارس الشرس لحماية يهود.

أما انتفاضة أهل فلسطين التي سرعان ما وضع الخونة والعملاء أيديهم عليها حتى أسفرت عن اتفاقيات وارسو و أوسلو ووادي عربة.

فهل يرضى الثوار في سوريا أن يصل بهم الحال إلى ما وصل إليه إخوانهم في فلسطين؟ وهل يرضى الثوار في سوريا أن يسلموا قيادتهم لخونة وعملاء كما أسلم إخوانهم في فلسطين قيادتهم لقادة خونة يسومونهم سوء العذاب في فلسطين؟

كما علمنا التاريخ أن القيادة السياسية المخلصة تحقق الانتصارات على الساحة العسكرية والسياسية وأن حجم الانتصار السياسي يعطي من النتائج ما هو أعظم أثرا من الانتصار العسكري عندما تعمل هذه القيادة لصالح الإسلام والمسلمين وليس كما يفعل زعماء المسلمين اليوم.

عندما ذهب رسول الله ﷺ لفتح مكة سار معه 10 آلاف جندي، استثمر الرسول ﷺ هذا الانتصار الساحق على مكة فسار إلى حنين وانتصر عليهم ثم وزع الغنائم على المؤلفة قلوبهم، وأرسل الرسائل إلى الملوك والرؤساء يدعوهم إلى الإسلام، فكان نتيجة ذلك أن انتشر الإسلام في ربوع الجزيرة وأرسلت القبائل وفودها إلى المدينة معلنة إسلامها، وبعدها بسنتين وقف رسول الله ﷺ على عرفات ووقف معه 100 ألف مسلم، هذا ما تحققه القيادة المخلصة في تحويلها الانتصارات العسكرية إلى انتصارات سياسية عظيمة.

من هنا يجب أن ندرك أهمية القيادة السياسية المخلصة في استثمار الانتصار العسكري وتوجيهه نحو تحقيق الانتصار السياسي الساحق على العدو.

وفي تاريخنا المعاصر يوجد حركات إسلامية مخلصة لكن قادتها غير مخلصين مما أدى إلى ضياع تضحياتهم ودمائهم على عتبات المصالح الشخصية للقادة غير المخلصين،وهناك حركات اسلامية مخلصة ولكن ينقصها الوعي السياسي مما جعلها ألعوبة في يد الغرب وعملائهم من الحكام في تحقيق مصالح الغرب الكافر، واذا ما اكتشفوا ذلك متأخرين أوصلهم ذلك إلى اليأس والقنوط فيخرجون من المعركة لعدم جدواها، وهذا ما حصل مع بعض الفصائل المخلصة أنها توقفت عن القتال لأنها كلما حررت منطقة دخلها العلمانيون وسيطروا عليها وطبقوا علمانيتهم عليها ظلما وعدوانا وفسادا ونهبا وسلبا.

وقد أثبتت الأيام أن حزب التحرير عنده من الوعي والإخلاص ما يكفي لاستثمار النصر العسكري لتحقيق انتصار سياسي ساحق على كل دول الإجرام التي سببت المذابح في سوريا، فإذا أردتم أيها الثوار في سوريا استثمار انتصاراتكم وعدم ضياع تضحياتكم ودماء شهدائكم فأسلموا قيادتكم لحزب التحرير، فإن القتال من دون قيادة سياسية يضيع الجهود ويبعثرها ويطيل أمد المعركة ويزيد من معاناة المسلمين جميعا، ويحقق ما يرغب فيه الغرب الكافر من تحطيم سوريا وتفتيتها.

لعل الذي يمنع الفصائل من إعطاء القيادة للحزب هو حب السلطة فقائد الفصيل الذي وجد نفسه قائدا لأتباع يأمرهم وينهاهم ويعطيهم ويمنع عنهم، هل تريد لهذا أن يتنازل عن إمرته وقيادته؟ فالمال السياسي الذي ملأ جيوب القادة وأتباعهم حول ولاءهم للممول وصار قتاله في سبيل الممول ولم يعد قتاله في سبيل الله مهما حاول التظاهر بذلك، وهذا سبب عظيم في حصول الهزيمة وعدم تحقيق النصر الساحق، إن هذين الأمرين حب السيادة وحب المال هما من ضمن الوهن الذي أصاب المسلمين فأضعفهم، قال رسول الله ﷺ «يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَتَدَاعَى الأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا»، قُلْنَا: مِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: «لا، أَنْتُم يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، يَنْزَعُ اللَّهُ الْمَهَابَةَ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ وَيَجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهَنَ»، قِيلَ: وَمَا الْوَهَنُ؟ قَالَ: «حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ».


كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
نجاح السباتين - الأردن

18 جمادى الأولى 1437هـ
2716م

المصدر: http://www.hizb-ut-tahrir.info/ar/index.php/sporadic-sections/articles/political/35713