art291016

هذا السؤال تأخر بعض الناس عن طرحه، حتى الذين ثاروا، لكن هناك من أجاب عليه منذ أكثر من نصف قرن، وهم المخلصون المدركون من أين تؤكل الكتف، لكن هناك حركات إما قصر نظرها، أو قل إخلاصها، أو ملأ الكسل والملل طريقها، فلا تعرف.

ماذا ينقص الثورات حتى تنجح؟ في الماضي كان القتال هو خيار الثائرين، فلم يكونوا يعملون عن إدراك للواقع وكيفية تغييره، حتى فشلت ثورتهم المسلحة، وأخرجت أنظمة ركبت التيار وتحايلت عليه ووجهته لخدمة مصالحها الدنيوية، فأصبحت لدينا أنظمة قمعية ظالمة متغطرسة. وما إن أفاقت الأمة وأدركت مدى استحكام الكافر المستعمر في بلادها وسيطرته على مقدراتها، بعد سبات عميق دام ما يقارب قرنًا، حتى أصبحت تريد استرجاع ماضيها ومقدراتها، فكان أول ما فكرت فيه الحركات لاسترجاع ماضي الأمة هو القيام بالأعمال المادية التي لا تفرق بين الحق والباطل وبين العدو والصديق، ففشلت وخمدت وأيقنت أن عملها لن يوصلها إلى ما ترجوه، وبعد مدة أرادت أن تجرب عملًا آخر، فخرجت إلى الشوارع ونادت بأعلى صوتها بأنها تريد تغيير النظام وإزالة الحكام، وبهذا كان عملهم سليمًا، لسبب بسيط، هو إدراكهم أس الداء وهو النظام الحاكم، فصدع الناس بأصواتهم لكن الصورة بقيت غير مكتملة كتلك الكلمات التي صدعوا بها. الجميع كان يسأل نفسه ماذا بعد إسقاط النظام وإزالة الحكام، ماذا سيحدث بعدها، ومن سيقود بعد الثورة؟؟؟

سارعت أصوات خبيثة تجيب عن هذه الأسئلة، لتوجه الثورة لمصالحها، فتحايلت على الثوار بشعاراتها وركبت مركبهم ونصّبت نفسها عليهم لفقر الوعي عندهم وعدم إدراكهم لخبثها، فبقي السؤال من غير إجابة شافية واضحة تشفي الصدور وتعزّز الهمم وتنجح العمل. لكن المخلصين في هذه الأمة يعرفون الجواب، وقد خرجوا للثائرين ناصحين وموجهين ومرشدين، أجابوهم عن الأسئلة، وكان جوابهم نابعًا من فكر مستنير دقيق، فكانت إجابتهم إن كانت الثورة صحيحة أم لا: نعم؛ لأنها تستهدف تغيير الأنظمة والحكام الذين هم أس البلاء والداء، وكانت إجابتهم على ما الذي تحتاجه الثورة: أنها تحتاج أخيارًا يقودونها إلى بر الأمان، ويستبدلون بالنظام نظامًا يرضي الله سبحانه وتعالى ويرضي الناس ويطمئنون لهم بأنهم المناسبون لهذه المهمة الربانية، وعلى رأس هؤلاء الأخيار حاكم مسلم يحكم بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه المصطفى عليه الصلاة والسلام، هو خليفة عادل راشد ينصر هذه الأمة.

عرف الناس هذه الأجوبة، فتلكأ من تلكأ وهادن من هادن، ولكن الحقيقة تبقى ثابتة، وعندما سارت الثورات غير متبنية لهذه الأجوبة تخبطت يمنة ويسرة، ولم تفلح حتى هذه اللحظة أية ثورة في الوصول إلى مبتغاها، فإلى متى تظل هذه الثورات تتخبط ولا تجد المخرج؟

إن هذا الزمان لا يصلح إلا بما صلح به أوله، عندما خرج رسول الله ﷺ على كفار قريش صادعًا بأوامر الله، وأخبرهم أن يعبدوا الله تعالى ويحكّموا شرعه سبحانه، وهذا حزب التحرير أخبر الناس بهذا منذ أول يوم تأسس فيه.

إن مهمة المسلم في هذه الأرض هي إعمارها ونشر رسالة الهداية والعدل بين شعوبها، والمسلمون هم ورثة الأنبياء في تبليغ الرسالة وحملها إلى العالم حتى قيام الساعة، وهذا لا يتحقق إلا بأن تجتمع الأمة على فكرة وتسير عليها وتنشرها بين الأمة، هذه الفكرة هي أن الأمة الإسلامية صاحبة السلطان في الأرض تحكم بكتاب الله وسنة نبيه المصطفى عليه الصلاة والسلام، فكرة خالصة لا يشوبها شيء ولا تدنسها حضارة الغرب، وهذا الهدف يتحقق بالعمل المخلص لله ورسوله عليه الصلاة والسلام لوضع الإسلام في سدة الحكم وجعله المصدر الوحيد للتشريع، ثم حمله للناس بالدعوة والجهاد بعد قيام دولة الإسلام.

فلا يعقل أن نترك الطريق الذي سلكه خير البشر المصطفى عليه الصلاة والسلام، ونسلك طريقًا من صنع البشر. علينا أن نسير على خُطا رسول الله ﷺ ونحرص كل الحرص على ذلك، حتى نحقق النصر الذي حققه عليه الصلاة والسلام، وإلا بقينا على حالنا، بل وساء أمرنا.

إن هذا الدين له رجال ووجنود، رجال اختاروا حمل رسالة الإسلام، مخلصين لا يهدفون في هذا العمل لمغنم أو شيء من الدنيا، بل إلى مرضاة الله عز وجل ونوال رحمته وجنته التي أعدّها للمخلصين، وجنود كثيرة تحتاج هؤلاء الرجال المخلصين لقيادتها.

إن هذه الثورات كلها لن تنتصر إلا إذا أراد الله ذلك، وما يريده الله نعلمه كلنا ولا يخفى على أحد، وهو أن نكون على ما يرضاه عز وجل من السعي لتحكيم شرعه عز وجل، حتى يسدّد الله خُطانا وينزل علينا نصره، ولهذا يعمل حزب التحرير وسيبقى يعمل ويدعو حتى يُستجاب له أو تنفرد سالفته، فإما الموت في سبيل الدعوة وإما تحقيق النصر والتمكين لهذا الدين.


كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. ماهر صالح – أمريكا

المصدر: http://www.hizb-ut-tahrir.info/ar/index.php/sporadic-sections/articles/political/40188