arbaoun211117

الحديث:



قال ابن إسحاق "وحدثني الزهري أنه أتى بني عامر بن صعصعة، فدعاهم إلى الله وعرض عليهم نفسه فقال له رجل منهم يقال له بيحرة بن فراس: والله لو أني أخذت هذا الفتى من قريش لأكلت به العرب. ثم قال له: أرأيت إن نحن تابعناك في أمرك ثم أظهرك الله على من يخالفك أيكون لنا الأمر من بعدك؟ قال: (الأَمْرُ للهِ يَضَعُهُ حَيْثُ يَشَاءُ). قال: فقال له: أفنهدف نحورنا للعرب دونك فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا! لا حاجة لنا بأمرك فأبوا عليه". ابن كثير في البداية والنهاية، الجزء الثالث، فصل في عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه الكريمة على أحياء العرب.

 

الشرح:



هذا الحديث يتناول الفترة التي عرض فيها النبي صلى الله عليه وسلم نفسه على القبائل الوافدة منها إلى مكة أو القبائل التي كانت خارج مكة، وكان هدف النبي صلى الله عليه وسلم من تحركاته هو أن تدخل تلك القبائل في دين الله وأن تنصر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إن كانت أهلاً للنصرة والمنعة فتحتضن الدعوة التي لاقت أبواباً موصدة في مكة المكرمة.

وحديث الباب يتحدّث عن زيارة النبي صلى الله عليه وسلم لقبيلة بني عامر بن صعصعة والحوار الذي دار بين قادة هذه القبيلة والرسول الأكرم عليه أفضل الصلاة والسلام.
بعد أن عرض النبي صلى الله عليه وسلم عليهم دعوة الإسلام قبلوا ذلك ولكن كان عندهم تحفُّظ فيما يخص البيعة على الحكم والتزام طاعة النبي صلى الله عليه وسلم كحاكم وأن يكونوا جنداً في جيش دولته الناشئة، فما المقابل الدنيوي لتلك التضحيات الجسام التي ستُقدمها القبيلة فتحارب الأسود والأحمر والعالم كلّه لأجل الدفاع عن دولة النبي صلى الله عليه وسلم؟.. لذلك قالوا: (أرأيت إن نحن تابعناك في أمرك ثم أظهرك الله على من يخالفك أيكون لنا الأمر من بعدك؟)، أي بعد أن نبايعك على الحكم وانتصارك على كل أعدائك ونحن نشاركك هذه الانتصارات فإذا توفاك الله أيكون لنا الخلافة من بعدك؟ .. فكان جواب النبي صلى الله عليه وسلم واضحاً صريحاً وهو الذي لا ينطق عن الهوى: (الأمر إلى الله يضعه حيث شاء) أي لا، فمسألة الحكم ليست بالتعيين أو العهد أو الوراثة بل الأمر شورى بين المسلمين وانتخاب من عامة الأمة ضمن مشيئة الله وإرادته وحكمه الذي أوحى به إلى نبيه.

كان بإمكان النبي صلى الله عليه وسلم أن يقبل إن كان تفكيره مبنياً على فقه المصلحة والمفسدة الذي يجعله البعض الآن هو فقه المرحلة والفقه الذي يتماشى مع الواقع وصعوباته! فالنبي صلى الله عليه وسلم مُطارد ومضطهد من قريش ووضع المسلمين صعب للغاية بعد سبع سنين من الدعوة العلنية التي لاقى المسلمون بسببها التضييق والحصار والتعذيب على أيدي جلاوزة قريش، أفلا تكون هذه فرصة ذهبية يجب على النبي صلى الله عليه وسلم أن يغتنمها، فبني عامر سيُؤمنون به ويُنصِّبونه حاكماً عليهم يحكمهم بالإسلام وليس بالكفر وهم مُستعدون للجهاد تحت رايته ولنصرته وأصحابه ولحرب الأسود والأحمر ... كل ذلك لكن مع شرط صغير تافه وهو أن يكون لهم الحكم من بعده!! ثم أليس باستطاعة النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن يتمكن وتتوسع رقعة دولته وبعد أن يقوى إيمان بني عامر أن يُقنعهم بالتخلي عن هذا الشرط وأنّه مُخالف لمُراد الله أو أن يخبرهم بأن هناك نسخ لهذا الحكم مثلاً.

كل ذلك لم يكن، كيف والنبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى وفعله وقوله تشريع وليس اجتهاد كما يظن البعض، نعم إن شرط بني عامر يدلّ على عدم صدقهم في النصرة فعيونهم إلى الدنيا وكرسي الحكم وميزاته ولم تكن نيتهم خالصة لله وحده ولنصرة هذا الدين بحق.

ويدل على ذلك جوابهم القبيح حيث قالوا: (أنهدف نحورنا للعرب دونك، فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا، لا حاجة لنا بأمرك) أي سنُقتل من أجلك ونضحي من أجل أن يُظهرك الله وتتمكن في الأرض ثم تكون الخلافة لمن لم يُضحِّ مثلنا؟! فأبوا عليه وأبى النبي صلى الله عليه وسلم أن يلتزم بشرطهم المُخالف للوحي.

فالمسألة ليست بمقدار التضحية لتولي مناصب الحكم بل هي توفر شروط معينة دلّ عليها الوحي لتولي الحكم والخلافة وليس فيها شرطٌ يتعلق بقضية التضحية بل الشروط تركز على قدرة وجدارة وكفاءة الشخص لتولي المنصب، وشروط انعقاد الخلافة على الصحيح هي سبعة: أن يكون الخليفة مسلماً. ذكراً. بالغاً، عاقلاً، عدلاً، حراً، قادراً من أهل الكفاية.

 

للمكتب الإعلامي لحزب التحرير ولاية سوريا
أحمد الصوراني

للاستماع إلى التسجيل: