maqal230418

لقد قامت حركات عديدة بمحاولة إنهاض المسلمين، بعد أن هدم الكافر المستعر دولتهم، ومزق كيانهم الى دويلات صغيرة، واستعمرها حينا من الزمن؛ ثم نصّب عليها حكاما نواطير لنظامه العفن ، وحراسا لمصالحه ، مهمتها المحافظة على عبودية الأمة للكافر المستعمر ، والقضاء على كل محاولات الأمة للتغيير، وذلك من خلال البطش والقمع . ولكن هذه الحركات التي قامت بمحاولات النهضة ، كانت تفتقد الى مقومات النجاح ، وتحمل بذور فشلها في داخلها بمعزل عن ممارسات الحكام القمعية وتسلط أجهزتها البوليسية والمخابراتية التي نشرت الرعب وكممت الأفواه .
فهذه الحركات السابقة ، و التي نشهدها اليوم ونعايشها أيضا ، لم تكن حركات وأحزاب مبدئية تتبنى مشروعا محددا ، وأفكارا مبلورة ، وتتخذ لنفسها طريقة مستقيمة من جنس فكرتها ، بل قامت على أفكار عامة وشعارات غير واضحة ، واتخذت طريقة ارتجالية ملتوية حسبما يسمح لها الواقع بذلك .
ولم تكن تهدف لتغيير الواقع تغييرا جذريا انقلابيا ، بل لجأت الى محاولات الإصلاح و الترقيع ، وعمدت الى مشاركة الأنظمة الحاكمة ، والدخول بلعبتها الديمقراطية ، وطرح ما يمكن أن يكون مقبولا من هذه الأنظمة ، أو ما هو تحت السقف الذي تسمح به هي وأسيادها من دول الغرب الكافر .
فمن هذه الحركات والأحزاب من اتخذ المشاركة في الحكومات الفاسدة العميلة أسلوبا للتغيير حسب زعمه، و منها من ظنَّ أن الدخول في البرلمانات أسلوبا للتغيير ، ومنهم من جعل الفرد هو الأساس ، وركز جهده على إصلاحه وفق مقولة " أصلح الفرد يصلح المجتمع " متجاهلا طبيعة تغيير المجتمعات ، وأنها تختلف عن طبيعة تغيير الفرد ، ومنهم " كحزب النور السلفي " جعل المداهنة للحاكم سبيلا للتغيير والإصلاح كما يزعمون .
ومنها من اتخذ العمل المسلح والتغيير المادي أسلوبا لتغيير الواقع ، وأراد فرض رؤيته الجزئية – إن كان يمتلك رؤية – بالقوة والتغلب . متغافلا عن الطريقة الصحيحة التي بينها لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم وهو يسعى لإقامة دولة الإسلام التي أقامها في المدينة المنورة .
فكان لابد لنا من اتباع طريقة رسولنا الكريم محمد ابن عبد الله ، عندما قام بمحاولة تغيير مجتمع مكة ، وتحويله الى مجتمع إسلامي ، فهو صلى الله عليه وسلم رفض مشاركتهم في أنظمتهم ، بل أنكر عليهم ، وسفه الهتهم وعاب عليهم تقاليدهم. و قام عليه الصلاة والسلام بإيجاد جماعة أي حزب ، و حدد طريقته وهدفه وغايته ،وبدأ يسير بهم على بصيرة كما أوحى له ربنا جلا وعلا ، وصحابته الكرام يترسمون خطاه دون الحيد عنه قيد شعرة ،و قد لاقوا في سبيل ذلك الكثير من العذاب ، فلم يجعلهم ذلك يتنازلون عن فكرة واحدة من أفكارهم ، ولم يجعلهم يحيدون قيد أنملة عن طريقتهم التي شرعها لهم ربهم ، وبقوا على ذلك حتى منَّ الله على رسوله وعليهم بأنصار المدينة أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأقاموا دولة الإسلام وفتحوا بعدها الأمصار والبلدان .
إن المبدأ الإسلامي الذي أعزنا الله به من قبل ، فحوَّل العرب من قبائل متناحرة تتقاتل من أجل ناقة أو جمل ، ويتلاعب فيها الفرس والروم ، هو المبدأ الذي سينقذنا مما نحن فيه من تشرذم وتشتت وضياع وهوان على الناس ،
فلا بد لنا إن أردنا العزة والكرمة والفوز في الدنيا والآخرة ، أن نعود اليه من جديد نسعى لإقامة دولته التي تجعله واقعا مجسدا في الحياة ، وفق طريقة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، والتي تجمع الركائز الثلاثة لقيام الدولة وهي حملة المشروع الذين يجمعنا ، والذين تبلور عندهم ، فحملوه بكل تصميم وثبات صافيا نقيا وفق طريقة مستقيمة ، و الحاضنة الشعبية التي وجد فيها الرأي العام المنبثق عن وعي عام ، فكانت لذلك سندا طبيعيا لحملة المشروع ولأنصاره ، ومن ثم أنصار المشروع ، وأنصار حملته من أهل المنعة والقوة ، الذين يكونون كسعد بن معاذ وسعد بن عبادة و غيرهم من الأنصار المفلحين .
ونحن في ثورة الشام أدركنا نتيجة سيرنا على غير هدى دون أن نتبنى مشرع الإسلام العظيم ، وكيف أن تضحياتنا كانت في خدمة الدول المتآمرة علينا ، الذي تريد النصر لمشروعها ، والمحافظة على نظام الكفر العميل الذي ترعاه .
وأدركنا النتائج الكارثية لمن أرادوا أن يفرضوا رؤيتهم المحدود بالقوة ، حتى لو زعموا أنها إسلامية .
ورأينا أولئك الذين وثقوا بأعدائهم وسراب وعودهم القاتلة ، وأولئك الذين سلكوا طريق الهدن والمصالحات مع من ثاروا عليه ، كيف هُجٍّروا هم وأهلوهم في البلاد ، وانتُزِع منهم السلاح ، ولن ينالوا إلا الخزي و الحسرة والندامة .
إن امتلاكنا – وخاصة في ثورتنا - المشروع المحدد الذي ينبثق من عقيدتنا ويدفعنا الى تغيير الواقع الذي نعيش فيه تغييرا جذريا ، لا مجال فيه للمساومات ولا لأنصاف الحلول ، ويجعلنا نعرف ما نريد ونسعى له بكل طاقاتنا ، يحفظنا - ما دمنا متمسكين به - من كل محاولات التضليل ، التي تهدف الى تضييع أهدافنا ، وحرف بوصلتنا ، وتغييب ثوابتنا ، والقضاء على ثورتنا .
وإن تبنينا لطريقة واضحة مستقيمة من جنس فكرتنا ، هي طريق رسولنا صلى الله عليه وسلم ، هو ما يجعلنا نسير على بصيرة نحو تحقيق أهدافنا ، وتغيير واقعنا تغييرا جذريا ، من هذه الواقع المرير الذي نعيشه ، والذي لا يخفى على أحد الى الواقع المنشود الذي يرضى عنه ساكنو الأرض والسماء .
وعندها فقط نصحح مسارنا ، ونرضى ربنا ، ونصدق الله في قولنا الذي هتفت به حناجرنا
( قائدنا للأبد سيدنا محمد )
قال تعالى : ( قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) ﴿١٠٨ يوسف ﴾

للمكتب الإعلامي لحزب التحرير – ولاية سوريا
أحمد إبراهيم الحسن