press

حملة لا لجريمة الحل السياسي نعم لإسقاط النظام وإقامة الخلافة

banner

مقالة حتمية

 

إن المسلمين منذ أن أقيمت دولتهم على يد النبي ﷺ وهم في ازدهار وقوة لم يشهد التاريخ لهم إلا بالانتصارات المتوالية وبعض الانكسارات النادرة التي لم يكن سببها قلة في عدة أو عتاد عسكري وإنما بسبب قلة الوعي والحيلة .
أما اليوم وبعد أن أسقطت آخر دولة إسلامية " الخلافة العثمانية " على يد المجرم مصطفى كمال لم يعد للمسلمين دولة تمثلهم وإنما مجرد إسلام نظري في أفئدة المسلمين فقط إلا أن هناك من يعمل لاستئنافها ويبذل قصارى جهده لإعادتها من جديد لتكون رقما صعباً أو وحيداً في معادلة القوى .

وعلى هذا فإن أول وأهم عامل قوة لابد أن يكون بيد المسلمين هو توحدهم تحت قيادة إمام واحد في ظل دولة تقيم حكم الله في الأرض وتجعله واقعا مطبقا يلمس عدله الأعداء قبل الأصدقاء ويستمدون قوتهم وشوكتهم من دولتهم ومن إمام عادل يحسن تطبيق شرع ربهم ويحمي بيضتهم ، قال عليه الصلاة والسلام :
" إنما الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به "
وهذا ما يشهد عليه تاريخ أمتنا على تعاقب الأزمان ، فما ذكر التاريخ يوماً عن انكسارات المسلمين إلا وذكر معها تشرذم أمتنا وتشتتها وغياب دولتها وسلطانها أو تعدده ، تلك الانكسارات التي تجعل الأسبقية في الانتصار لأصحاب القوة المادية ، وهذا ما عبر عنه سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بمقولته المشهورة :
" إنكم لا تغلبون عدوكم بعدد ولا عدة ولكن تغلبونهم بهذا الدين فإذا استويتم أنتم وعدوكم في الذنوب كانت الغلبة للأقوى "

فقد تتساوى القوى المادية بيننا وبين أعدائنا وقد تكون أيضا كفتهم أرجح ولكن المعيار ليس بالقوة المادية وإنما باتباع أمر الله سبحانه وتعالى فهو ناصر دينه إن نحن نصرناه .
وعليه فما على المسلمين ليستحقوا نصر الله ومعونته إلا أن يتبعوا أمره برصّ صفوفهم وإعادة سلطانهم المسلوب وانقيادهم خلف إمام واحد وبذلك يتبعون سنة الخلفاء والصحابة من قبلهم عندما كانوا يقيمون شرع ربهم وينصرونه ويجاهدون في سبيل الله لإعلاء كلمته و يواجهون عدوهم بإيمانهم الراسخ فكان هو عدتهم وعتادهم .
ولنا في سيرة سيدنا خالد بن الوليد رضي الله عنه القائد المحنك دروساً وعبر ، يقود جيشاً منظماً من الصحابة والتابعين ويتّبعون أمره فيما أمر ، يواجه جيش الروم البالغ عدده 200 ألف مقاتل بجيش المسلمين البالغ عدده 36 ألفا في معركة اليرموك !!!
إن الناظر لهذه المعركة نظرة سطحية مادية يجزم أن النصر لجيش الروم محقق وأنه لا مفر لجيش المسلمين من السحق ، وكذلك كانت قبلها معركة أجنادين وبنفس التفاوت بالقوة المادية لكلا الجيشين .

كان رضي الله عنه يُقبل على كل جمع من جيشه يقول لهم : " اتقوا الله عباد الله، قاتلوا في الله من كفر بالله ولا تنكصوا على أعقابكم، ولا تهنوا من عدوكم، ولكن أقدموا كإقدام الأسد وأنتم أحرار كرام، فقد أبيتم الدنيا واستوجبتم على الله ثواب الآخرة، ولا يهولكم ما ترون من كثرتهم فإن الله منزل عليهم رجزه وعقابه، ثم قال: أيها الناس إذا أنا حملت فاحملوا ".
ولكن الحقيقة التي لم يصدقها عقل كافر أن انتصر المسلمون وأبلوا بلاءاً حسناً وغلبت الفئة القليلة الفئة الكثيرة بإذن الله وأيقن الجميع أن المنتصر دوماً هو من كانت عدته وعتاده الإيمان بوعد الله بقيادة صالحة توسّد الأمر لأهله كما فعل سيدنا أبو بكر رضي الله عنه عندما أوكل أمر الجيش لقيادة سيدنا خالد بن الوليد القائد العسكري المحنك الذي خطط للمعارك بعناية وتنسيق جيد فاستخدم الاستراتيجية بدلاً من القوة المجردة للتعامل مع العدو ، وقد كان تحت إمرته جيشاً عظيماً يحمل عقيدة عسكرية تفقدها معظم جيوش العالم .

يقول نورمان شوارتسكوف جنرال أمريكي متقاعد : " إذا لم تمتلك عقيدة عسكرية راسخة لن تصبح أفضل جيش في العالم حتى إذا امتلكت أضخم الجيوش وأفضل التقنيات العسكرية على الإطلاق " بحسب موقع بريني كوت .
ويعني ذلك أن العامل والمعيار الحاسم في تصنيف قوة الدولة هو العقيدة العسكرية التي يحملها جيش الدولة ، وتعد من أحد أهم عوامل فهم الطبيعة العسكرية للجيوش وتقدير حدود ممارساتها خلال الحرب والسلم ، اي أنها تتعلق بالمستوى التعبوي والذي يشمل تحديد ميدان المعركة وحدود انتشار القوات .
فالعقيدة العسكرية هي توظيف العلم العسكري في السلم والحرب في سبيل تحقيق هدف العقيدة الدينية التي يحملها الجيش ، وعقيدة المسلمين تجعل من جيشها أبطالا مغاوير لا تخشى الموت ولا تبالي لأنها تؤمن بأن ما بعد الموت جنة عرضها السماوات والأرض ورضوان من الله أعظم وهو غاية المؤمنين ، فتقدم أرواحها رخيصة في سبيل الله الذي أمرها بأن يكون الحكم كله لله وألا تجعل للكافرين على المؤمنين سبيلاً ومن هنا كانت العقيدة العسكرية هي الأساس في قوة الجيش .

وعلى هذا فإن المعايير المادية في تصنيف قوة الدول لا تنفعنا نحن المسلمين بشيء إن لم تكن لدينا دولة وإمام ، فإن وجدوا فتكون المعايير المادية التي سنذكرها هي قوة إضافية تضاف إلى القوة الأساس .

أما بالحديث عن المعايير المادية فلا تقاس قوة الدولة بعدد جنودها وحجم عتادها العسكري فقط ، بل تشمل معايير أخرى أبرزها الموقع الجغرافي ، والقوة البشرية ، إضافة إلى قوتها الاقتصادية .

فإن تحدثنا عن الموقع الجغرافي الذي تبرز أهميته خلال الحروب الهجومية أو الدفاعية نجد أن المسلمين منتشرين في كثير من البلدان نتيجةً للفتوحات الاسلامية التي أنجزتها دولتهم خلال ثلاثة عشر قرناً ، وأن موقع البلاد الاسلامية يمثل قلب العالم ومنتصفه ورغم تفاوت كل منطقة بالنسبة لموقعها ولكنها دولٌ تقع على عقدة اتصال قارات العالم ببعضها ووجودها أيضا على سواحل البحار والمضائق وبالتالي تهديد خطوط إمداد الدول المتحاربة وتأمين إمداد ودعم لوجيستي دائم مما يساعد على مواصلة القتال بكفاءة عالية ، كسوريا مثلا والتي تعد ممراً وعقدة اتصال لقارات العالم الثلاث أوروبا وأفريقيا وآسيا مما يعطي موقعها الجغرافي أهمية لتكون نقطة ارتكاز للدولة الإسلامية القادمة .

وإن تحدثنا عن القوة البشرية التي تعتبر من إحدى معايير تصنيف قوة الدولة ولكنها لا تشكل عنصراً حاسماً في التصنيف ، وإذا علمنا أن الصين لديها أضخم جيش في العالم حيث يبلغ تعداده 2.18 مليون جندي ، وأمريكا 1.28 مليون جندي بحسب موقع "ستاتيستا" الأمريكي ، نجد أن القوة البشرية في الدولة تكون عندما تجمع الجيوش الإسلامية في مختلف بلاد المسلمين بسلاحها وعتادها ورابطتها العقدية التي تربط فيما بينها وتوحدها تحت راية واحدة في ظل دولة واحدة وخليفة واحد ، وبالتالي سيتشكل لدينا جيش عرمرم لا يقهر بإذن الله ، لاسيما وأن تعداد هذا الجيش سيكون بعدد كل انسان مسلم قادر على الجهاد وحمل السلاح أي سيكون جيش أمة وليس مجرد جيش دولة هذا بالنسبة للقوة البشرية المتمركزة في الدولة الاسلامية .

وإن تحدثنا عن القوة الاقتصادية التي تعد أيضا من أبرز معايير تصنيف القوة لما لها من أهمية في قدرة الدولة على الإنفاق لتزويد جيشها بأحدث المعدات العسكرية المتطورة والإنفاق على تدريب قوات احترافية بصورة تمكنها من امتلاك اليد العليا في الحرب بفضل المزج بين الأسلحة المتطورة والاحترافية في استخدامها ، وبإنزال هذا المعيار على واقع البلاد الاسلامية نجد أن بلادنا هي من أغنى البلاد من حيث الموارد الطبيعية التي تحويها وخاصة النفط والغاز الطبيعي والمعادن النادرة ، لأنها تؤمن قدرة الجيوش على خوض حروب طويلة الأمد دون أن تكون مجبرة على تغيير خططها العسكرية بسبب نقص مخزونها الاستراتيجي من الوقود على سبيل المثال .

أما بالحديث عن القوة العسكرية وما تملك الدولة من قوة جوية وبحرية وبرية فإنها تعتبر من أحد المعايير في التصنيف ولكنها غير حاسمة رغم مالها من دور فعال في إضعاف الخصم ، فتقاس القوة الجوية بناءاً على ما تملكه الدولة من طائرات حربية بجميع أنواعها " ذات الأجنحة الثابتة والمروحيات وطائرات التدريب والنقل العسكري " ، أما القوة البحرية فتقاس بعدد ما تملكه الدولة من قطع بحرية عسكرية وأنواع سفنها ومستوى التسليح والتقنيات العسكرية التي تحويها السفن ، إضافة لحاملات الطائرات الحربية والمروحية والغواصات النووية والتقليدية " ، أما القوة البرية فتشمل كل ما تملكه الدولة من دبابات وخاصة دبابات القتال الرئيسية ذات القدرات النيرانية الهائلة والدبابات الخفيفة والمركبات المضادة للدبابات بالإضافة إلى قوة المدرعات التي تضم " مركبات نقل الأفراد المدرعة ومركبات القتال المدرعة والمركبات المضاد للألغام "إم آر إيه بي" وراجمات الصواريخ والمدافع ذاتية الحركة " ،
أما عن كيفية الحصول على هذه القوة فإن البلاد الإسلامية تملك من هذه القوة ملايين الأطنان من القطع العسكرية المتنوعة والآلاف من الأسلحة التكتيكية كالطائرات والبوارج البحرية الحربية والقواذف الأرضية والتي باستطاعتها المواجهة ، ولكن بفعل حكام المسلمين تعطلت هذه المعدات وأضحت سلاحاً موجهاً إلى صدور المسلمين لقمعهم إذا ما أرادوا اليقظة والتغيير ، إضافة إلى أن الأمة الإسلامية أمة حيّة وبالتالي فلها القدرة على إفراز عقول مفكرة ومبتكرة قادرة على اختراع وتنمية القدرات الميكانيكية والتكنولوجية التقنية الحديثة في مجال الصناعة العسكرية والتفوق على الغرب إذا رعتها الدولة حق الرعاية .

وأخيراً وبناءاً على ما سبق فإن المعايير المادية التي ذكرناها آنفاً توفر للدولة الاسلامية قوة سياسية هائلة لامتلاك الأمة وإيمانها بفكرة مبدئية تموت وتحيى في سبيلها بالإضافة لامتلاكها طاقات حيوية وانتشار بشري واسع ، لاسيما بوجود قيادة سياسية صالحة ومحنكة قادرة بأعمالها السياسية على إخضاع الدول لنفوذها .
فقوة المبدأ وتمسك الأمة به وامتلاكها لطاقات حيوية وموارد الدولة ومقوماتها وانتشار المسلمين في بقاع الأرض وضغطهم السياسي المؤثر وتأثير الخليفة على جميع المسلمين بالإضافة إلى سقوط المبادئ الأخرى في نظر معتنقيها كل ذلك يعتبر عاملاً حاسماً في حتمية الانتصار وصعود الدولة الاسلامية لمرتبة تمكنها من امتلاك مركز الدولة الأولى في العالم .

فإن أردنا أن نعيد مجدنا التليد ونكون سادة الدنيا من جديد فعلينا العمل الجاد لإعادة الإسلام ليحكم الوجود دولة تطبق مبدأ الإسلام وتحمله للعالم كما حملها رسول الله ﷺ رسالة هدى ونور ففتح قلوب العباد قبل فتح البلاد .
ومن هنا كان لزاماً على المسلمين في كل أقطار العالم أن يكون يقينهم بنصر الله لهم حاضراً على الدوام وأن يتجهزوا لذلك ويُعدّوا أنفسهم إيمانياً و سياسياً وعسكرياً لتمكين دينهم على الأرض وإعادة استئناف الحياة الاسلامية في ظل دولة الخلافة الراشدة الثانية التي وعدنا الله سبحانه وتعالى بها حين قال :
(( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ )) .

وإنها لآتية بإذن الله وستحكم مشارق الأرض ومغاربها ولن تجابهها قوة في العالم بل سيخضع الجميع لسلطانها قال عليه الصلاة والسلام :

" إِنَّ اللهَ زَوَى لِي الأَرْضَ، فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا "

 

كتبه للمكتب الإعلامي لحزب التحرير ولاية سوريا
عبد الباسط أبو الفاروق