2142021raya

 

انطلقت ثورة أهل الشام في آذار/مارس من عام 2011 عفوية تطالب بأبسط الحقوق بالنسبة لشعب عاش سنوات من القمع والاستبداد، كانت الشرارة مدينة درعا وسرعان ما توسعت لتشمل كل سوريا.

طال عمر الثورة في الشام مقارنة بمثيلاتها التي كانت دافعاً لها فازداد الأمر تعقيداً وأصبح الصراع بين من خرج يطالب بحقوقه وبين من يسعى جاهداً لأن يجهض الثورة.

اختلفت مواقف الدول من حيث الظاهر تجاه الثورة بين مؤيد وبين داعٍ لحل سياسي لها؛ لذلك فقد تعددت مبادرات الحل، فمن مطالب بحسم عسكري إلى مطالب بحل سياسي، وعليه عُقدت اللقاءات الدولية وتمت المؤتمرات وشهدنا التحركات الدبلوماسية وجميعها تهدف لغرض واحد وهو إجهاض الثورة.

الثورة والدور الأمريكي فيها:

مر على ثورة الشام ثلاث إدارات أمريكية اختلفت التصريحات باختلاف الموظف، ففي أيار من عام 2011 كانت الدعوات لإجراء إصلاحات تلبي مطالب المتظاهرين لتتطور في آب من العام نفسه لتصبح مطالبة بالتنحي وهذا ما ذكرته إدارة أوباما؛ وكانت نتيجته اتفاق جنيف الذي تم في حزيران من عام 2012.

في إدارة ترامب اختلف الأمر فقد اعتبر أن بشار أسد ليس عدواً لأمريكا وإنما التنظيمات الجهادية، وأيضاً كانت المرجعية في نهاية كل قول مقررات مؤتمر جنيف.

واليوم بايدن يصرح بأن إدارته ستتبنى استعادة الدور في سوريا بعد التراجع الذي حصل في المرحلة السابقة.

وعليه فإن الدور الأمريكي من الثورة لم يخرج عما قرر في حزيران 2012 مهما تعالت الأصوات واختلفت الوجوه؛ ما يدفعنا للسؤال: ما هي حقيقة الموقف الأمريكي من الثورة؟

تنظر أمريكا لسوريا على أنها مستعمرة سياسية حصلت عليها في ستينات القرن الماضي بعد صراع كبير مع بريطانيا، لذلك فهي تسعى جاهدة لمنع أي حركة تعكر صفو سيطرتها، سواء أكانت ثورة شعبية أو تدخل دول؛ لذلك فقد سعت خلال سنوات الثورة الماضية لمنع حصول أي شيء على كونها صاحبة السيادة في سوريا.

فضبطت الحركة الثورية من خلال تجهيز مشروع سياسي لها وجهزت المعارضة لتوقع على ذلك، بالمقابل فقد أغلقت حدود الدول التي قد يأتي منها ما يخرب عملها، وضبطت المال والسلاح الداخل للبلاد عبر غرف عمليات.

وكذلك أوعزت لرجالاتها في تركيا والسعودية وغيرهما للتدخل المؤثر لاحتواء المشهد وضبطه بكافة أدواته، وهذا ما حصل، كل ذلك لمنع أي تحرك مناوئ لسياستها.

والسؤال هل استطاعت أمريكا كبح جماح الثورة؟

إن القارئ لما سبق والمتابع بغير بصيرة للساحة يجد أن أمريكا استطاعت كبح جماح الثورة وضبطها، ولكن ما حصل في الذكرى العاشرة للثورة يؤكد عكس ذلك، فقد كان إحياء الذكرى موعداً سعت من خلاله أمريكا لتثبيت عدة نقاط؛ ودعوات من الحاضنة لتنفيذ القرار 2254 الذي قرر في جنيف 2012 القاضي بحل سياسي على الطريقة الأمريكية.

ولكن لم يحصل شيء مما ذُكر فلا مطالبات بتطبيق جنيف ولا شرعية أُعطيت للتركي، وإنما أعادات الذكرى شعارات الثورة في بداياتها "الشعب يريد إسقاط النظام".

كان المميز بالمتظاهرين العدد والمناطق، فبالإضافة لإدلب انضمت درعا وبعض مناطق الغوطة، وهي مؤشرات دللت على أن الثورة لا تزال على عهدها الأول وأنها لم تتغير أو يتم كبح جماحها؛ فالثورة تولد كل يوم وتنمو في كل يوم وليس ما حصل من مظاهرات السنة العاشرة إلا دليل على ذلك.

هل هناك حل أمريكي يلوح في الأفق؟

تعيش الإدارة الأمريكية اليوم موقفاً لا تحسد عليه، عبر عنه كبار موظفيها على مستوى الرئاسة والخارجية والناطقين الرسميين فتارة لا محل للأسد، وتارة نحن لا نريد تغيير النظام ولكن نريده أن يغير سلوكه، مرة يتم الوصف بأنه فاقد للشرعية ثم يُقال إنه سيكون في المرحلة الانتقالية.

بناءً عليه وإلى الآن لا بوادر حل تلوح في الأفق وحتى من جهزتهم كشخصيات بديلة يخطفون الأنظار في بداية قولهم سرعان ما ينساهم الناس كأي سلعة تجارية كاسدة، فلا حجاب نال الشعبية المطلوبة ولا غيره.

ثورة الشام إلى أين؟

إن الله قد تكفل بالشام وأهله، فاليقين عندنا نحن أهل الشام أن ما يحصل إنما هو دائر في كفالة الله سبحانه، فالثورة على مر سنوات عشر مضت كانت ذخيرتها دماء وأعراضاً وتهجيراً وخوفاً وكل ذلك قد يراه البعض شراً ولكن الله وصف بأن فيه الخير، قال تعالى: ﴿وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾.

تضحيات كفيلة بأن تُبقي الثورة متقدة حتى تحقق ما خرجت لأجله، وما ارتقت للحصول عليه؛ إسقاط النظام بكافة أركانه ورموزه وإقامة حكم الإسلام.

لقد وصلت الثورة اليوم إلى نهاية طريقها إن شاء الله تعالى وهذا يقيننا بربنا والأيام تشهد أن بوادر التغيير الصحيح لاح بريقها فالظلم قد غطى كثيراً من المناطق والأقنعة تسقط تباعاً والغربلة لا تزال قائمة، وبالمقابل البناء مستمر والوعي أصبح السمة العامة للثورة؛ ولكن وحتى لا يتكرر ما حصل عام 2011 بأن يتم ركوب موجة الثورة وحرفها كان لزاماً أن تكون هناك ثوابت تحدد طبيعة الصراع، وكيف هو، وبين من ومن، وكيف السبيل للخلاص، وفوق كل هذا تكون هذه الثوابت أسساً تقوم عليها عملية التغيير لعل الله يجعلها باباً من أبواب تنزيل نصره.

 

بقلم: الأستاذ عبدو الدلي (أبو المنذر)

جريدة الراية: https://bit.ly/3goIWTj