حقيقة الصراع

 

ومضات: حقيقة الصراع

 

تسعى الولايات المتحدة الأمريكية جاهدةً لفرض وجهة نظرها لحل (الأزمة السورية) على حد وصفها، بكل ما أوتيت من قوة وسخرت لذلك طاقات مادية وبشرية كبيرة جداً، وحركت للوصول إلى هذا الغرض كل أدواتها في المنطقة، واستخدمت كل الأساليب المتاحة بين يديها من ترغيب وترهيب ومكر وخديعة وتضليل، حيث أنها دأبت خلال سنوات الثورة العجاف على حصر الخيارات أمام أهل الشام، وذلك من خلال خلق أزمات مناطقية بعد سياسة تقطيع الأوصال التي فرضتها، وحصار المناطق والمدن، حيث أنها قامت قبل ذلك بشراء ذمم ضعاف النفوس من قيادات الفصائل التي قبلت بالتبعية وأخذت الدعم وانقلبت على الثورة.
تلك الأزمات شاهدناها في غوطتي دمشق وفي حلب ودرعا حيث يتم حصار المنطقة وتمنع عنها أبسط مقومات الحياة، مع شدة قصف بكافة أنواع الأسلحة، وتواطؤ قيادات الفصائل في تلك المناطق بحيث أنها لا تقوم بأي عمل عسكري جاد لتغيير الواقع المفروض مع قدرتها على ذلك، ومن ثم يُخيَّر الناس بالقبول بين السيء والأسوأ القصف أم التهجير، وهذا الأسلوب هو عينه ما تقوم به اليوم في إدلب وتروج له من خلال أذنابها، حيث أشاعت تلك الأذناب بين الناس فكرة القبول بجنيف 2254 الذي تسميه أمريكا زوراً أنه حل، وبين اجتياح النظام والروس للمنطقة عسكرياً.
وتم ترسيخ هذه الفكرة من خلال أعمال خبيثة ومكر كبير يتمثل بعمليات التسليم للمناطق المحررة، وإظهار عجز المنظومة الفصائلية المرتبطة بالداعمين والضامنين عن صد تقدم النظام أو الهجوم عليه، وإظهار هذا العجز يبعث الخوف في قلوب الناس خصوصاً إذا ترافق مع حملة إشاعات وتصريحات تحذر من هجوم مرتقب وما سيكون له من أثر كارثي ومأساة إنسانية، كل ذلك من أجل كسر إرادة الناس وإلحاق الهزيمة المعنوية بهم لفرض الحلول الجاهزة التي أعدتها الولايات المتحدة الأمريكية المتمثلة بجنيف 2254 وبذلك تحافظ أمريكا على عميلها أسد أو تستبدل به عميلا آخر أشد إجراماً منه، كما أنها تحافظ بنفس الوقت على النظام العلماني وتحاول إعادة الشرعية له.
ولا بد هنا من الوقوف على حقيقة الصراع وأدواته، لفهم ما يجري وللوقوف والتصدي لكل ما تقوم به أمريكا والغرب الكافر عموماً من محاولات يائسة تمنع من خلالها سقوط النظام العلماني المهترئ الذي يرتبط وجودها بوجوده، خصوصاً وأنها تعلم أن النظام البديل والوحيد هو نظام الإسلام وهذا ما تنطق به ألسنة ساستهم، فالقضية عندهم قضية أكون أو لا أكون.
إذاً الصراع صراع مبادئ صراع حق وباطل صراع كفر وإيمان ولكل مبدأ من المبادئ رجاله وأدواته وطريقته التي يعمل بها من أجل تحقيق النصر على الآخر، فالمبدأ الأول هو المبدأ الرأسمالي والذي تقود الولايات المتحدة الأمريكية حلف الدفاع عنه، والمبدأ الثاني هو مبدأ الإسلام ومشروع دولة الخلافة الذي يحمله حزب التحرير كبديل للمبدأ الرأسمالي، ويحاول إيصاله إلى سدة الحكم بطريقة ثابتة مبينة، وكلا الفريقين يعمل على كسب الحاضنة الشعبية التي هي بيضة القبان في حسم المعركة السياسية لصالح الفريق الذي يستحوذ عليها.
ولكل فريق أساليبه التي يعمل بها، أما أسلوب الولايات المتحدة الأمريكية فهو ما ذكرته آنفاً من ترهيب وترغيب ومكر وخديعة وشراء ذمم ضعاف النفوس، وربط كافة فئات القاعدة الشعبية بها من خلال ما أنشأته من كيانات سياسية كالإئتلاف الوطني وحكومات مؤقتة وإنقاذ ومجالس مدنية منها ما يحمل الصفة العشائرية ومنها ما يحمل الصفة المناطقية، يضاف إليها المنظمات الإغاثية والتعليمية والصحية، والكيان العسكري متمثلاً في الفصائل العسكرية الموجودة على الأرض تسعى من خلال هذه الأذرع لتوجيه رأي الحاضنة الشعبية إلى ما فيه مصلحتها وما يحافظ على العلمانية على رأس الحكم في الشام.
وتتمثل طريقة حزب التحرير التي يعمل بها في الصراع الفكري والكفاح السياسي لفضح وكشف مخططات ومكر أمريكا والمجتمع الدولي، بأساليب متعددة كالمظاهرات والبيانات والوقفات وبالتواصل المباشر مع القاعدة الشعبية، كل ذلك لتبيان خطورة ما تقوم به أمريكا من محاولات للإبقاء على المبدأ الرأسمالي والحيلولة دون وصول الإسلام إلى سدة الحكم.
يبين الحزب للقاعدة الشعبية أن إيصال الإسلام إلى سدة الحكم هو فرض على كل مسلم ذكراً كان أو أنثى وذلك من خلال الأدلة الشرعية الواردة بهذا الخصوص في الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والقياس الشرعي كونها المصادر الرئيسية للأحكام الشرعية.
ومن أجل الوصول إلى هذا الهدف لا بد من الالتزام بطريقة ثابتة جاءت من طريق الوحي إلى النبي عليه الصلاة والسلام أول من عمل لهذا الفرض العظيم لتكون خطة سير للأمة الإسلامية من بعده، ولا بد من مراعات ثوابت أساسية جاءت أيضاً من طريق الوحي.
الثابت الأول: التأكيد على ما تقدم ذكره من أن الصراع صراع مبادئ قال تعالى: (وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۗ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِير).
وقد ذكر الطبري في تفسيره لهذه الآية قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) وليست اليهود، يا محمد، ولا النصارى براضية عنك أبداً...
وبناءً عليه فإن مراد أمريكا من كل ما تقوم به اليوم هو أن نتبع ملتهم، والملة في اللغة كما جاء في معجم المعاني، المِلَّةُ: الشريعةُ أو الدِّينُ. إذاً لن ترضى أمريكا حتى نتبع دينها، ونظامها وهو العلمانية الرأسمالية التي تطبقه وتحمله إلى العالم عبر الاستعمار، وهذا الثابت لا يتغير ولا يتبدل.
الثابت الثاني: إن ملة الكفر تستخدم من أجل الوصول إلى السيادة والهيمنة على باقي الملل، تستخدم مكراً كبيراً وعظيماً لا تمتلكه باقي الملل وأكد الباري سبحانه وتعالى لأنبيائه هذا الأمر في كثير من المواضع قال تعالى: (وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ) وقال تعالى: (وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا)، وقد جاء في معجم المعاني: المَكْرُ، الخِداعُ، وأن تصرِفَ غيرَك عن مقصِده بحيلة.
الثابت الثالث: وهو ما بينه الله سبحانه وتعالى من أن هذا المكر لملل الكفر على أهل الإيمان لا يواجه بمكر أهل الإيمان لهم لأنهم لا يملكون القوة المادية التي تساعدهم، وإنما يجازيهم الله على مكرهم بالخزي في الدنيا بأن يبطل كيدهم ومكرهم، وفي الآخرة يردون إلى أشد العذاب، وقد بين جل جلاله الهدف الذي تريد ملة الكفر الوصول إليه بمكرها، عندما خاطب نبيه محمد صلوات ربي وسلامه عليه فقال: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) الأنفال (30)، ثلاثة نتائج حتمية لمكر ملة الكفر، الاعتقال، أو القتل، أو التهجير، والنفي، وهذا هو عينه ما تريد أن تصل إليه أمريكا من خلال ما تطرحه من مكرها المتمثل بجنيف 2254 على أهل الشام، وللوقوف في وجه هذا المكر لابد من الاعتماد على الله وحده، والتزام أوامره جل جلاله، واتباع طريقة الرسول في ذلك، فإن الله سبحانه وتعالى خير من يجازي أمريكا على مكرها في الدنيا والآخرة، كيف لا وهو الذي وعد بنصرة هذا الدين ونصرة رسوله والمؤمنين في الحياة الدنيا وفي الآخرة قال تعالى: (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) سورة غافر.
الثابت الرابع: وهو الاعتقاد الجازم بأن النصر الذي يبحث عنه أهل الإيمان ليس موجوداً إلا عند الله سبحانه وتعالى ولا يتحقق إلا بتنفيذ شرطه، فلا أمريكا ولا روسيا ولا المجتمع الدولي ولا الدول الداعمة ولا الدول الضامنة ولا الأموال ولا الأسلحة المتطورة، تستطيع أن تعطينا نصراً إنما الناصر هو الله، قال تعالى: (وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ ۚ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) سورة الأنفال (10).
وأن لهذا النصر شرط وحيد لا ثاني له ألا وهو نصرة دين الله سبحانه وتعالى أي أن يكون الهدف هو تطبيق مبدأ الإسلام أي إقامة نظام الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، وإسقاط المبدأ الرأسمالي وما يتعلق به من أنظمة ملكية وجمهورية، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُم) سورة محمد (7).
ولا يتحقق هذا الهدف بالسير تحت أوامر المجتمع الدولي وأمريكا التي هي أس البلاء ورأس الكفر، ولا يتحقق بالانحياز إلى الظلمة من المسلمين الذين رهنوا قرارهم لملة الكفر، بل على العكس تماماً فإن السير في ركاب الظلمة أياً كانوا هو سبب في تأخير النصر قال تعالى: (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ) سورة هود (113).
من خلال ما سبق فإن الصراع في الشام صراع كفر وإيمان ولا يتحقق لنا الوقوف في وجه مكر ملة الكفر إلا بالاعتماد على الله سبحانه وتعالى وتحقيق شرطه لنصرنا، بأن نعلن تبنينا لمشروع الإسلام مشروع الخلافة الراشدة على منهاج النبوة والسير خلف قيادة سياسية واعية تحمل هذا المشروع، ملتزمين بطريقة النبي عليه الصلاة والسلام في إقامة الدولة الإسلامية، وبذلك فقط نصل إلى النصر بإذن الله، وبغير ذلك ستبقى الأمة الإسلامية تقدم التضحيات الجسام ليقطف الغرب الكافر ثمرتها، ويعزز من وجوده في بلادنا ويحول بيننا وبين ما نرجوا من عزة ورفعة وعدل وأمن وأمان.

للمكتب الإعلامي لحزب التحرير ولاية سوريا
أحمــــــد عبــــــد الجــــــواد