press

حملة لا لجريمة الحل السياسي نعم لإسقاط النظام وإقامة الخلافة

banner

٢٠٢١١٠٠٤ ١٢٣٩١٩

 

ساد بين كثير من الناس وخاصة في سنوات ثورة الشام أن القوة العسكرية والجنود المقاتلين هم الأساس في قيادة المجتمع وتغيير الواقع وحماية الدولة، دون أن يدركوا أهمية السياسة والسياسيين والمشروع السياسي والقيادة السياسية.

وقد انتشر بين فئة لا بأس بها من الناس استصغار أعمال الأحزاب السياسية الإسلامية وأعمالها لتغيير الواقع، بينما يندفع هؤلاء لتمجيد فصائل عسكرية جهادية نتيجةً للأعمال العسكرية التي يقومون بها ضد أنظمة أو كيانات أعلنت العداء للأمة الإسلامية.

دعونا نعود إلى كتاب الله عز وجل ونرى كيف أن بعض آيات الذكر الحكيم تبين حقيقة العلاقة بين القيادة السياسية والقيادة العسكرية، مبينةً دور كل واحدة من تلك القيادات وأثرها على الدولة والمجتمع.

قال تعالى في سورة النمل:
(قَالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلأُ إني أُلْقِيَ إِليَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ* إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ* أَلاَّ تَعْلُواْ عَليَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ* قَالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلأ أفتوني في أمري مَا كُنتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ* قَالُواْ نَحْنُ أُوْلُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأمْرُ إِلَيْكِ فانظري مَاذَا تَأْمُرِينَ* قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُواْ أَعِزَّةَ أهلها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ* وإني مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ* فَلَمَّا جاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِي بِمَالٍ فما آتانِي اللَّهُ خَيْرٌ مما آتاكُمْ بَلْ أَنتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ* ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا ولنخرجنّهم منها أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ)

وبتأمل هذه الآيات نجد حواراً بين القيادة السياسية المتمثلة بملكة سبأ بلقيس والقادة العسكريين الذين هم من الملأ. فبلقيس تستشير الملأ بكيفية الرد على تهديديات سيدنا سليمان عليه السلام الذي أرسل إليها كتاباً مع الهدهد يدعوها وقومها للاستسلام والخضوع لحكمه فقالت:(يا أَيُّهَا الْمَلأ أفتوني في أمري مَا كُنتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ).
فهنا رد أهل القوة والذين هم القيادة العسكرية:(...نَحْنُ أُوْلُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأمْرُ إِلَيْكِ فانظري مَاذَا تَأْمُرِينَ)..
فهذا يبين طريقة تفكير القيادة العسكرية التي لا تفهم إلا لغة الحرب وليس لديها لغة الدبلوماسية والمناورة التي يمتلكها السياسي، وأن هذه القيادة العسكرية تنتظر أوامر القيادة السياسية وذلك واضح عند قولهم:(وَالأمْرُ إِلَيْكِ فانظري مَاذَا تَأْمُرِينَ).أي إن الأمر في النهاية للقيادة السياسية وما على القيادة العسكرية إلا التنفيذ.
ثم جاء رد بلقيس بحنكتها السياسية:(قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُواْ أَعِزَّةَ أهلها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ* وإني مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ). أي دعونا نختبر نوايا سليمان وهل يمكن تجنيب البلاد حرباً بدفع المال لذلك الملك، هذا إن كان طامعاً بالمال فقط وليس له مطامع أخرى!!
لكن جاء رد سليمان واضحاً:(فَلَمَّا جاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِي بِمَالٍ فما آتانِي اللَّهُ خَيْرٌ مما آتاكُمْ بَلْ أَنتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ* ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا ولنخرجنّهم منها أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ).
هنا فهمت بلقيس أنه ليس لسليمان مطامع مادية وأنه يحمل لها ولقومها دعوة إلهية لا يمكن التنازل عنها بمال الدنيا كله وكانت النتيجة أن خضعت بلقيس ومملكة سبأ لحكم سليمان وجنبت قومها حرباً لا هوادة فيها و(قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سليمان لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ).
من هنا ندرك حقيقة دور القيادة السياسية وأنها القوة الأولى التي تتبع لها جميع قوى المجتمع في الدولة ومنها القيادة العسكرية ومؤسساتها، ولابد أن يفهم حملة السلاح أنه مهما بلغ عددهم وعلت رتب قادتهم فهم يخضعون لجهة سياسية تسيّرهم، وهذا واقع معظم الجماعات والحركات التي حملت السلاح في بلادنا الإسلامية، فقد عمد الغرب لإخضاعهم لقيادات سياسية من دول عميلة تساهم في هيمنة الغرب على الأمة الإسلامية، وتم سلب تلك الجماعات قرارها من خلال الدعم المشبوه الذي جعلها تنحرف عن مسار عملها الذي تأسست من أجله. فالجماعات التي خرجت لتحرير فلسطين وصلت لمرحلة الاعتراف (بإسرائيل) والقبول بحل الدولتين، والجماعات التي خرجت لإسقاط نظام أسد في سوريا أصبحت راضية بما تبقى من منطقة محررة وأصبح هدف إسقاط النظام لديها من الماضي بفضل الداعمين والضامنين، وهكذا أينما نظرت في واقع الأمة الإسلامية ترى حملة السلاح فقدوا البوصلة واتخذوا قيادة سياسية معادية للأمة محاربة لدينها مما أوصلنا لواقعنا المرير الحالي.

ومن باب ضبط البوصلة فقد طرح حزب التحرير نفسه كقيادة سياسية للأمة الإسلامية ونادى بإعادة حكم الإسلام وإقامة الخلافة وتوحيد جميع قوى المجتمع تحت ظل قيادة سياسية راشدة وتوحيد القوى العسكرية تحت مشروع سياسي إسلامي، بعد قطع يد الداعمين عن العبث بمصير الأمة، للسير في طريق النصر ونيل رضوان الله تعالى.
(والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون).

=====
للمكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
أحمد الصوراني