3333




أعلن الرئيس الأمريكي ترامب في أكثر من مناسبة عن إعجابه بالرئيس السوري للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع، فقد نقلت سي إن إن بالعربية: "أعرب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الاثنين، عن ثقته بقدرة الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع على قيادة بلاده، وذلك بعد لقائه به في البيت الأبيض". وقال ترامب للصحفيين في المكتب البيضاوي عن الشرع: "هو قائد قوي للغاية، قادم من بيئة صعبة للغاية، وهو رجل حازم، أنا معجب به، وأتفق معه... وسنبذل قصارى جهدنا لإنجاح سوريا".

وفي الثاني من كانون الأول/ديسمبر 2025 سلّم المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، توم براك، رسالة خطية من ترامب إلى الشرع، وجاء في الرسالة: "أحمد، ستكون قائداً عظيماً، والولايات المتحدة ستساعدك".

فما سر هذا الرضا؟ وما الذي فعله أحمد الشرع حتى كسب هذا الرضا والإعجاب من أمريكا التي تقود حرباً صليبية ضد الأمة الإسلامية منذ عقود وحتى يومنا هذا؟

أولاً: قبل أحمد الشرع بأن لا يغيّر من طبيعة نظام الحكم في سوريا بعد سقوط أسد، فقد أعلن أن سوريا سيبقى نظامها جمهورياً علمانياً يفصل الدين عن الدولة، وحافظ على الدستور السابق مع بعض التعديلات غير الجوهرية، كما حافظ على جميع القوانين الوضعية المعمول بها، واستمرت المحاكم والقضاء على تنفيذ تلك القوانين التي كان معمولاً بها أيام بشار.

ثانياً: انضمّ أحمد الشرع إلى التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، والإرهاب بنظر أمريكا يشمل كل جهة أو شخص يدعو لتحكيم الإسلام في واقع الحياة، ومواجهة الاستعمار الغربي، وعدم الخضوع للإرادة الدولية.

ثالثاً: سار أحمد الشرع في عملية التطبيع مع كيان يهود بعد التحرير مباشرة، معلناً التزامه باتفاقية عام 1974، وأن سوريا لن تستهدف كيان يهود وأعلى من الخطاب الوطني. والتقى وزير الخارجية السوري أكثر من مرة بمسؤولين يهود، كما لم يعلن أحمد الشرع رفضه خلال لقائه مع ترامب في الرياض الانضمام لاتفاقيات أبراهام التي دعا لها ترامب.

رابعاً: عمل أحمد الشرع على تطبيق القرار 2254 من خلال عفوه عن المجرمين والقتلة من أزلام نظام الأسد، بل حتى إدخال بعضهم في مناصب حكومية. فقد عُيّن المجرم فادي صقر عضواً في لجنة السلم الأهلي، وعيّن بعض شبيحة النظام ومؤيديه في مناصب وزارية، مثل وزير التربية محمد تركو الذي كان موظفاً لدى بشار الأسد ومؤيداً له حتى يوم التحرير، وكذلك هند قبوات التي تم جلبها من كندا وهي المعروفة بتأييدها للمثليين. فهي تشكيلة تضم المؤيد والمعارض والمتشبّع بالفكر الغربي، في صورة من صور تطبيق القرار 2254، وهذا ما سعى إليه المبعوث الأممي بيدرسون في لقائه مع أحمد الشرع بتاريخ 16/12/2024، حيث طالبه بضرورة تطبيق القرار 2254.

خامساً: يتوجه أحمد الشرع إلى منع أي نشاط سياسي حزبي على أساس الإسلام في سوريا، فقد صرّح مستشاره الشخصي أحمد زيدان بضرورة أن تحلّ جماعة الإخوان المسلمين نفسها، وما زالت سجونه تضم العشرات من معتقلي الرأي السياسي من شباب حزب التحرير، حيث حكمت محاكم أمنية (قضاتها ملثمون) على بعض منهم بأحكام سياسية جائرة وصلت حتى عشر سنوات. والمفارقة العجيبة أن هذه الأحكام صدرت بالتزامن مع زيارة أحمد الشرع إلى أمريكا لإلقاء كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.

سادساً: منع أحمد الشرع حركة حماس من افتتاح مكاتب لها على الأراضي السورية، في خطوة ترضي أمريكا التي تشارك كيان يهود في حربه على تلك الجماعات التي أشعلت معركة طوفان الأقصى التي هزت كيان يهود بل العالم كله.

إن كل هذه الأسباب المذكورة، بالإضافة إلى نهج الإدارة السورية الحالية في الخضوع التام للإرادة الأمريكية، تفسّر هذا الرضا الأمريكي؛ فهي لا تخرج عن توجيهات أمريكا، شأنها شأن باقي حكام المسلمين الذين يسارعون لإرضائها، وأعانوها على استمرار هيمنتها على بلاد المسلمين بكافة أشكالها السياسية والاقتصادية والثقافية.

إن نهج الإدارة السورية الجديدة في إرضاء أمريكا والخضوع لإملاءاتها نهج لا يرضي الله، ثم لا يرضي عباده الصادقين في الشام الذين ثاروا على نظام أسد، وأرادوا تغييره تغييراً جذرياً، والانعتاق من الاستعمار الغربي الذي عاث في بلاد المسلمين الفساد، وارتكب وما زال يرتكب أفظع الجرائم بحق المسلمين.


وفي الختام نعود لنؤكد على الحقائق القرآنية التي خاطبنا الله سبحانه وتعالى بها فيما يخص علاقتنا بالكفار المحاربين، حيث قال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾، وقال تعالى: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ﴾. وقال عز وجل: ﴿وَلَنْ تَرْضَىٰ عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾.

فتولّي الكافرين والركون إليهم ومحاولة إرضائهم كلها موجبة لسخط الله وغضبه، ومانعة من هداية الله ونصرته وهذا هو الخسران المبين في الدنيا والآخرة.

نسأل الله تعالى أن يحفظ الشام وأهلها، وأن يهيّئ لها قيادة صادقة مخلصة، تحكم بشرع الله، وترعى شؤون الأمة، وتذود عن دينها، وتقطع كل تبعية للكافرين. والحمد لله رب العالمين.

---------
بقلم: الأستاذ أحمد الصوراني