

أكد وزير الإعلام السوري، حمزة المصطفى، "توقيع سوريا مؤخراً إعلان تعاون سياسي مع التحالف الدولي لهزيمة داعش"، وأن "سوريا شريك في مكافحة الإرهاب"، وأضاف: "إن الرئيس ترامب أشاد بتحول سوريا وأنه أبدى دعمه لترتيب أمني محتمل مع (إسرائيل)". فيما صرح ترامب للصحفيين، بعد لقائه مع الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، في البيت الأبيض، أنه على وفاق مع الشرع، وأنه على ثقة ويقين من أنه سيتمكن من القيام بمهامه وعمله بنجاح، وكانت الخارجية الأميركية أشادت يوم الجمعة الماضي بما وصفته "تقدّما ملحوظا" في سلوك القيادة السورية الجديدة.
وكان المبعوث الأميركي إلى سوريا توم براك، قد أعلن أن الرئيس الشرع سيوقع خلال زيارته على وثيقة شراكة تضع سوريا داخل هذا التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، فيما علق على لقاء ترامب بالشرع بالقول: "سوريا كانت هي المشكلة واليوم أصبحت سوريا شريكا أساسيا لنا ...، الحكومة السورية شريك أساسي في الحرب ضد "تنظيم الدولة" والحرب على "الإرهاب" ... سوريا التي كانت مصدرا للإرهاب اليوم هي شريك في مكافحته". أما نائب المتحدث باسم الخارجية الأمريكية فصرح قائلاً: "سوريا تحولت من دولة كانت وكيلة للنظام الإيراني إلى دولة تتعاون معنا الآن في مكافحة الإرهاب".
فيما ذكر تقرير "معهد الشرق الأوسط"، نقلاً عن مصدر في مديرية الأمن العام، أن "التنسيق الأخير بين دمشق وقيادة التحالف شمل اتفاقيات عملياتية متعددة، أبرزها: تبادل المعلومات الاستخبارية بين وحدة الاستطلاع في وزارة الداخلية وغرف عمليات التحالف الدولي، بما يمهّد لتأسيس قنوات تعاون أمنية أكثر مؤسسية واستدامة".
لقد كان من أهم ثوابت ثورة الشام التي جادت بمليوني شهيد التحرر من سطوة دول الغرب وإنهاء نفوذها. وما إن أكرمنا الله بإسقاط النظام البائد حتى تحول التعامل مع أميركا والغرب والانفتاح عليهما، بنظر الإدارة السورية للمرحلة الانتقالية، إلى كونه المصدر الوحيد للأمن والأمان والسلام والتقدم والازدهار الاقتصادي! بل وتركز وسائل الإعلام على الجانب الاقتصادي الرأسمالي بعيداً عن ضوابط الإسلام وأحكامه وشروطه وخاصة في الاقتصاد وفي التعامل مع دول الكفر وخصوصا المحاربة منها، وعلى رأسها أميركا التي يقطر سلاحها من دمائنا في العراق وأفغانستان والصومال واليمن، بل حتى في سوريا حيث دعمت النظام البائد على مدار 14 عاماً بكل مقومات الحياة لوأد ثورة الشام وإعادة أهلها إلى حضن الجلاد.
ثم إن ربط الوضع الاقتصادي البائس برضا الغرب وبرفع العقوبات فيه من العبث والتدليس ما فيه، لإبعاد أذهان الناس عن الحقيقة القرآنية الخالدة بأن سبب البؤس والشقاء هو إقصاء شرع الله عن الحكم والحياة والدولة، قال تعالى في سورة طه: (..فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ).
والأنكى من ذلك تبرير هذا المنزلق الخطير بتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية وأمنية محتملة تحت ذريعة جلب المصالح ودرء المفاسد بفهم مغلوط لأساسيات ديننا وآلية التعامل مع الدول في السياسة الخارجية.
وإنه لمن الغريب العجيب أن يتحول الموقف من التحالف الدولي من "تحالف صليبي" يحارب الإسلام إلى حليف وشريك في "مكافحة التطرف والإرهاب"، والذي لا يقصد به أساطين الكفر إلا الحرب على الإسلام ومحاربة عودته إلى الحكم ممثلاً بدولة، فأين مفاهيم وشعارات الولاء والبراء التي حملها من وصل إلى الحكم؟! ألم يسمعوا بقوله تعالى: (.. قالَ عَسى رَبُّكم أنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكم ويَسْتَخْلِفَكم في الأرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ)! أم أن هذه الشعارات كانت سُلماً للوصول حتى إذا كان ما كان باتت نسياً منسياً!
يقول تعالى في محكم التنزيل: (ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ).
فهل نصدق ترامب رأس الكفر أميركا ورأس حربته في الحرب على الإسلام ومعه الغرب برمته، أم نصدق قول الواحد القهار الذي أوصلتنا معيته إلى دمشق منتصرين؟!
وأين نذهب بقوله تعالى: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ)؟!
لقد ربطت دول الغرب برمتها ملف رفع العقوبات عن سوريا بشروط واضحة فاضحة، على رأسها تعاون الإدارة الجديدة في ملف "مكافحة التطرف والإرهاب"، وهذا بات واضحاً لكل ذي بصر وبصيرة من أمة الإسلام.
إن إعلان الانخراط الصريح مع أميركا في هذا التحالف "الصليبي" الحاقد لهو فخ خطير وشر مستطير لن يطال شؤمه الإدارة الحالية فحسب بل سينعكس على كل من يقره أو يسكت عنه ويتغافل عن آثاره ونتائجه، والتي من أوضحها ملاحقة كل من حمل شعار الإسلام كنظام حياة سواء من أهل البلد أو ممن جاء لنصرتهم من أبناء أمة الإسلام، وما "داعش" إلا شماعة لتضليل الرأي العام للرضا بالانضمام الى هذا التحالف، علاوة على ما سيسببه هذا الانخراط من تبعية سياسية واقتصادية وفرضٍ لأجندات سياسية تمس ملفات داخلية كإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية على الهوى الأمريكي حيث يريد الأمريكان أن تكون هذه الأجهزة أدواتهم وعيونهم الداخلية يستخدمونها لخدمة مخططاتهم كيف يشاؤون.
إننا اليوم على أرض الشام على مفترق طرق، إما أن نعود لديننا وهدي ربنا ونهج نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ونعلن التبرؤ التام من كل ما يسخطه سبحانه، أو أن نلهث وراء سراب رضا أمريكا لنقع في سخط الله وتذهب التضحيات الجسام والدماء الزكية التي روّت ثرى الشام أدراج الرياح، فأي الطريقين يجب أن يختار أبناء الإسلام على أرض الشام! إنه لحري بأبناء ثورة الشام وأهل التضحيات أن يكونوا على العهد بأن يعلنوا تمسكهم بثوابت دينهم وثورتهم، وعلى رأسها تحكيم الإسلام عبر دولة الإسلام لتحقيق بشرى النبي صلى الله عليه وسلم وقوله (ألا إن عقر دار المؤمنين الشام)، قبل أن نندم جميعاً في وقت لا ينفع فيه بكاء أو نحيب، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
-------
المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
الثلاثاء، 21 جمادى الأولى 1447هـ
11/11/2025م
رقم الإصدار: 1447 / 8