تختم ثورة الشام عامها السادس بجراح نازفة أدمت أطرافها، وظهر لأعدائها وكأنها القاضية، فتراهم فرحين بما أنجزوه، شامتين بمَن ضحى خلال هذه السنوات، ظانّين أن لا غالب لهم، ولكنهم لم يعلموا أنها سنّة الله في التغيير، ولن تجد لسنّة الله تبديلاً ولا تحويلاً، فلم يبقَ من فرعون إلا العبرة لمن اعتبر، وبقي موسى عليه السلام بنصر ربّه مُخلّداً في كتاب الله.
إن الثورة اليوم تئن من جرح في غوطتها حيث أقرب نقطة إلى معقل النظام دمشق، فبعد سلسلة من الهدن المُذلة والتي فرّغت الطوق عن العاصمة دمشق، قرر أعداء الثورة الإجهاز على آخر قلاع هذا الطوق، فبعد تهجير أهالي داريا، ومن ثم الزبداني و مضايا حسب اتفاق المدن الأربع، وبعد تهجير قرى وادي بردى، بقيت الغوطة الشرقية شوكة في حلوقهم يريدون اقتلاعها.
وبذرائع واهية وأسباب تُقنع المجرمين في هذا العالم قررت روسيا المجرمة ومن ورائها أمريكا، وباستخدام عميلهم المجرم بشار، أن تستأصل أهل الغوطة وتبعد شبحهم عن نظام بشار، فبدأت حملتها بحجة محاربة (الإرهاب)، فانعقد مجلس الأمن في الـ 24 من شباط ليُقرّ بالإجماع على إعطاء الضوء الأخضر لروسيا المجرمة باستمرار حملتها في الغوطة، حيث كان القرار بوقف إطلاق النار مدة 30 يوماً ما عدا المناطق التي فيها (إرهابيون) حسب وصفهم.
في المقابل فإن أهل الغوطة قرارهم لم يتغير فهو الثورة وما تقتضيه من الدفاع عن أنفسهم وأرضهم فهم الآن ينقلون للعالم ثباتاً وصموداً فريدا، مستمداً من إيمانهم بربهم، رغم أنه ما زال فيهم سمّاعون لهم، فيرون في تصنيف أعدائهم حقّاً فيُخرجون إخوة لهم يُسمّون (إرهابيين) حسب تصنيف الأعداء، ورغم ذلك لم تتوقف مجازر المُجرمين، ولن تتوقف لأنهم يرون في كل من ثار على نظام بشار المجرم (إرهابياً) وإن وضعوا لهم أولويات في القتل.
لم يكن مؤلماً لأهل الغوطة أن هاجمهم النظام مدعوما بروسيا وغيرها، فهم لا ينتظرون غير ذلك منهم، لكن الذي يؤلمهم هو تخاذل من يُشاركهم هذه الثورة، فالجبهات مع النظام في غير الغوطة أصبحت تُشبه جبهة الجولان طيلة أكثر من أربعين عاماً مع كيان يهود، ففي الجنوب تقف فصائل درعا مُتفرجة بعد أن كُبّلت بالمال السياسي، لا تُحرك ساكناً، وإلى شمال الغوطة فما زالت بعض مناطق القلمون مُحاصرة كالغوطة، لكنها تنتظر دورها بفعل الارتباط والارتهان لقرارات الداعم.
وكذلك ريف حمص الشمالي المُحاصر، فبعد تهجير أهالي مدينة حمص قبل ثلاث سنوات، ومن ثم تهجير حيّ الوعر قبل سنة تقريباً، بقي ريف حمص الشمالي خاضعاً لقرارات الهدن التي لطالما خرقها النظام، دون أن يُدرك القائمون على أمر الريف أن سكونهم هذا سيُوصلهم إلى الندم في يوم لا ينفع فيه الندم، حيث سيقولون أكلت يوم أكل الثور الأبيض.
وأما أكبر المناطق التي تحت سيطرة الثوار حيث إدلب وريفها وريف حلب الغربي، فقد أخذ منهم الارتهان للداعمين مأخذاً عظيماً، فبعد سيطرة النظام على مناطق واسعة جنوب إدلب، لم يدفعهم ذلك لرصّ صفوفهم وتوحيد كلمتهم وقطع دابر الداعمين، بل كانت نُصرة الغوطة باقتتال دامٍ أُشعل بينهم بعد أن ركّزت تركيا نقاط مراقبتها على جبهات النظام، وبينما تُدكّ الغوطة بشتى أنواع الأسلحة فإن فصائل الشمال تتناوب في السيطرة على المناطق المُحررة.
وهؤلاء المتقاتلون قسمٌ أدخل الأتراك ليُثبتوا نقاطهم، وقسمٌ يُشارك الجيش التركي في عمليته "غصن الزيتون" والتي تهدف للسيطرة على عفرين وما حولها، تحت ذريعة الحفاظ على الأمن القومي التركي، متناسين جميعاً دور تركيا في القضاء على ثورة الشام، بالاشتراك مع أمريكا التي تدعم قوات "قسد" التي سيطرت على شرق سوريا بعد طرد تنظيم الدولة هناك، فتركيا بعمليتها هذه وباشتراكها في تثبيت نقاط المُراقبة المُتفق عليها في أستانة، تريد الإحكام على الثورة بعد إنهاك فصائلها بالاقتتال، مما يُمهد الطريق أمام الحل السياسي الأمريكي.
وبنظرة خاطفة إلى واقع الثورة تجد أن كلّاً من روسيا وتركيا يسيران باتجاه تثبيت الحل السياسي الأمريكي والذي صاغته في جنيف1 والذي يُقرر إنهاء الثورة عبر حكومة مشتركة تجمع فتات المُعارضة العلمانية مع رجالات النظام سواء برحيل أسد أو ببقائه، فروسيا تستخدم إجرامها لكسر إرادة أهل الشام وإبعاد خطرهم على النظام، وتركيا تستخدم مالها لشراء الذمم لافتعال الاقتتال وتسليم المناطق للنظام المجرم.
وتحت أزير رصاص الاقتتال، ومن بين الركام الذي خلّفته جرائم بشار، تبقى صيحات أهل الشام رافضة لكل هذا التآمر، ويبقى أهل الشام المُخلصون مُصرين على ثورتهم التي ترنو لإسقاط النظام، فها هم أهل الغوطة يُثبتون للنظام المجرم ومِن خلفه روسيا وأمريكا أن غوطتهم عصيّة عليهم، وأنهم لن يُسلموا رقابهم لأعدائهم، وكذلك في الشمال فقد استطاع كثير من الأهالي تحييد مناطقهم عن الاقتتال، وعبّروا عن رفضهم لكلّ أشكال الاقتتال ورفضهم للمنظومة الفصائلية كما يؤكدون على حرصهم على وجوب نُصرة الغوطة بفتح جبهات الساحل.
لذلك فإن ثورة الشام ستبقى عصية أمام تآمر أعدائها إذا ما التزمت أمر ربّها، ونصرته لتستحق نصره الموعود والمشروط قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ﴾ ونصرة الله بنصرة دينه بتبنيه كمشروع سياسي بديل عن نظام بشار المجرم، وبإعطاء قيادة الثورة للثلة الواعية التي تحمل هذا المشروع العظيم وتسعى لإيجاده في واقع الحياة، مشروع الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، لينعم المسلمون بالعيش في ظلّه، وتُنقذ البشرية من ضنك العيش في ظل الرأسمالية الظالمة.
كتبه لجريدة الراية: أ. منير ناصر، عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير - ولاية سوريا، بتاريخ الأربعاء 14 آذار/مارس 2018م
المصدر: http://bit.ly/2peNMGe