press

حملة لا لجريمة الحل السياسي نعم لإسقاط النظام وإقامة الخلافة

banner

العلماء والواقع

 

كثيرا ما التقيت بعلماء أو على الأصح طلاب علم، فتراهم بفضل الله موسوعة من العلوم، قرأوا كثيرا من الكتب، وحصلوا على العديد من الإجازات، واجتازوا كثيرا من الاختبارات، وعندما يتحدثون في موضوع ما تراهم يقطفون من كل بستان زهرة فيجمعونها في باقة تسرّ الناظرين.
إلا أنهم مع ذلك تراهم بعيدين عن الواقع الذي يعيشونه، ويفتقدون للقدرة على إسقاط هذه العلوم على الواقع.

وإني قرأت تعريف الفقه عند العلماء بأنه "العلم بالأحكام الشرعية العملية المستنبطة من أدلتها التفصيلية"
وعند الوقوف على كلمة "العملية" تجد أن العالم لا يكون فقيها إذا ما سكب كتب الفقه في قلبه، وحفظها عن ظهر قلب، بل لا بد له من التفقه في الأحكام العملية أي المرتبطة بالواقع مباشرة، وهذا يُعدّ مسؤولية واجبة تقع على من سلك طريق العلم، ومن هنا يأتي كلام سلطان العلماء 'العز بن عبد السلام' رحمه الله عندما قال: "من نزل بأرض فشى فيها الزنا وحدثهم عن الربا فقد خان".

والجهل بفهم الواقع والقدرة على إسقاط الأحكام عليه يوقع العالم بجريرة كتمان العلم دون أن يدري بذلك، لأنه يعلم الناس ما تعلمه دون مراعاة للواقع الذي يعيشونه، قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ البقرة/159
قال القرطبي رحمه الله: "قيل: المراد كل من كتم الحق، فهي عامة في كل من كتم علما من دين الله ، يُحتاج إلى بثه" فلا يصح أن تفهم الآية بأن واجب العالم أن يعلّم كل ما تعلمه لكل الناس لأن هذا لا يتأتى له إن لم نقل يستحيل فعله، فهو كاتم للعلم إن فهمنا أنه قد أغفل شيئا مما تعلمه عن الناس، بل يكون معنى الآية هو حرمة كتمان العلم وقت الحاجة إلى البيان، وهذا يتطلب جهداً في فهم الواقع، وامتلاك القدرة على إسقاط الأحكام على الواقع، وإلا فيقع العالم فيما حذّر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فعلى العالم اليوم أن يقلب أمور المسلمين الذين نزل أرضهم أو نشأ فيهم، ويتابع أخبارهم وأحوالهم، فإذا ما وجد حاجة إلى بيان في أمر ما لزمه ذلك، سواء ببيان من عنده أو بنقل بيان من عالم آخر يرى صوابه.
والله أعلى وأعلم.

للمكتب الإعلامي لحزب التحرير ولاية سوريا
منير ناصر