publications-hizb-ut-tahrir

حملة لا لجريمة الحل السياسي نعم لإسقاط النظام وإقامة الخلافة

banner

السؤال:


إلى أين وصلت الأزمة الاقتصادية التي بدأت في أمريكا واجتاحت أوروبا ثم العالم؟

الجواب:


لإلقاء الضوء على هذا الموضوع نذكر ما يلي:

1- لقد امتد انهيار سوق العقارات في الولايات المتحدة إلى جميع أنحاء العالم مما أدى إلى انهيار العديد من البنوك، نتج عنه تدخل حكومي غير مسبوق لوقف الانهيار الاقتصادي العالمي. ومع ذلك، كانت النتيجة هو ما يسمى الآن بالكساد الكبير، وهو الأسوأ منذ الكساد العظيم سنة 1929، وأبرزت هذه الأزمة المالية العالمية حقيقة أن الطفرة (الاقتصادية) في العقد السابق كانت في الواقع نتيجة الديون. وها هو يستمر فشل الاقتصادات الأكبر في العالم في حل هذه الأزمة التي مضى عليها خمس سنوات!

2- تمت محاولات مشتركة من قبل أكبر الاقتصادات في العالم بقصد تنسيق العمل للوصول إلى حل للأزمة. وكان أساس هذا التنسيق القول بترابط الاقتصاد العالمي نتيجة لآثار العولمة، وأن نهجاً عالمياً جماعياً سيكون أفضل لمصلحة العالم. لكن هذا النهج الموحد لم يستمر طويلا بسبب انتشار القومية الاقتصادية - حيث يكافح كل بلد منفرداً من أجل البقاء، لأن كل بلد يتوقع أن تسعى الدول الأخرى إلى تمويل الاحتياطي العالمي، وقد ظهر ذلك في مختلف اجتماعات ومؤتمرات دول الـ G20 في محاولاتها تمويل إنقاذ الاقتصادات المنهارة، حيث كانت النتيجة أن معظم مشاريع التمويل لم تتجاوز الورق الذي كتبت عليه، وذلك بفعل النظرة القومية الاقتصادية للدول الكبرى. نشرت جريدة الإيكونومست في عام 2010: "لكن عودة ظهور شبح أحلك فترة من التاريخ الحديث يستوجب رداً مختلفاً بل وجادّاً. فالقومية الاقتصادية التي تسعى إلى الحفاظ على فرص العمل ورأس المال في الداخل (داخل كل بلد) أدت إلى تحول الأزمة الاقتصادية إلى أزمة سياسية وتهديد العالم بالكساد، فإذا لم يتم دفن القومية الاقتصادية على الفور، فإن العواقب ستكون وخيمة."

3- حصلت مساجلات حادة بين الألمان والأمريكان حول أفضل طريق لمستقبل الاقتصاد العالمي، فاعتبرت أنجيلا ميركل مع الغالبية العظمى من البلدان الأخرى أن نموذج النمو غير المستدام الذي تستخدمه الولايات المتحدة - وهو نمو يغذيه الاقتراض (الائتمان) والدَّيْن الرخيصان، وفق وجهة نظر الحكومة باستخدام الأموال لتحفيز النمو - اعتبرته نموذجاً قد عفا عليه الزمن. أما النهج الأوروبي فتمثل في الحاجة إلى السيطرة على مستويات العجز في الميزانية في كل بلد من خلال تدابير تقشفية. وتؤخذ تدابير التقشف عادة إذا كان هناك تهديد بأن الحكومة لا تستطيع الوفاء بالتزامات سداد دينها. إن هذا الأمر يعتبر هدفاً بحد ذاته مختلفاً عن النمو الاقتصادي. وبوجود التهديد للتصنيفات الائتمانية لمعظم الاقتصادات الكبرى في العالم لجأ العديد منها إلى التقشف، أي إلى تخفيض العجز الحكومي لإرضاء الأسواق المالية. والمشكلة في نهج التقشف هو أن مثل هذه السياسة لا تهدف في الواقع إلى إيجاد النمو، الذي من شأنه أن يوجد فرص العمل والدخل في المجتمع، وبالتالي يؤدي إلى نمو اقتصادي بشكل عام، بل يهدف إلى خفض الدين الحكومي.

4- لم يحقق نهج الولايات المتحدة بالسعي لتحفيز النمو نتائج أفضل. فالتحفيز يستلزم زيادة الإنفاق الحكومي باستخدام أموال اقترضت في المقام الأول من الخارج (مثل الصين) كما هو حال الولايات المتحدة، أو أموال تضخها البنوك المركزية بمجرد إدخال أرقام في جهاز الكمبيوتر، وكل هذه التدابير هي تدابير مؤقتة قد تحرك الاقتصادات المتعثرة حيناً من الوقت، ولكن ليس لدعم نمو اقتصادي مستدام، وما تم تحقيقه من النمو هو في الحقيقة نتائج مضخمة ناجمة عن إجراءات التحفيز التي قصد بأن يكون أثرها مؤقتاً، وبالتالي فإن التحفيز هو مجرد دعم لوظائف الحكومة وصناعة الخدمات التي تنتهي عندما ينتهي التحفيز، تاركاً الاقتصاد في الدولة غالباً على حاله نفسه الذي كان عليه عند بدء الحافز.

5- لجأت الحكومات الغربية أيضا إلى التسهيل الكمي، وهو تطور جديد استخدم كوسيلة إلكترونية لطبع النقود. واستخدمت هذه السياسة غير التقليدية من قبل البنوك المركزية (أي الحكومة) لتحفيز الاقتصاد الوطني عندما فشلت السياسات التقليدية. وبناء عليه فإن هذه البنوك المركزية أصبحت تطبق ما يُعرف بالتسهيل الكمي "Quantitative Easing" أو "QE" من خلال شراء أصول مالية "Financial assets" مثل سندات الائتمان والأسهم... لحقن كمية محددة سلفا من المال في الاقتصاد. ويتحقق هذا بشراء الحكومة أصولاً مالية من البنوك بمال جديد مصنّع إلكترونيا، أي بدفع الحكومة أثمان هذه الأصول المالية إلى البنوك إلكترونياً لا حقيقياً فيزيد هذا الإجراء من احتياطيات البنوك. ومع كل هذا فالاقتصاد العالمي في بداية عام 2013 ليس بأفضل مما كان عليه في بداية عام 2012، بل إن الركود الاقتصادي قد نخر في عظام بعض الدول التي كانت تحاول النجاة بنفسها من الركود الشامل، وها هي التقارير منذ بداية عام 2013 تتحدث بقوة عن احتمال دخول بريطانيا في ركود اقتصادي كبير مثل غيرها من بعض الدول الأوروبية التي أثقلتها الديون التي أصبحت تُعدّ بأرقام في خانة الترليون دولار. وهكذا انتهى التسهيل الكمي في واقع الأمر دون نتيجة فاعلة، بل إن الاقتصاد العالمي وبعد 5 سنوات من الأزمة الاقتصادية لا يزال يعاني، وبخاصة بسبب الزيادة المطردة للبطالة، فقد بدأت بالفعل الفوضى الاجتماعية في أوروبا. وجميع المحاولات لحل الأزمة لم تعالج مشكلة النمو المستند على الديون. ففي الوقت الذي كانت الديون هي سبب المشكلة، فإن محاولات حل الأزمة لم تتمخض إلا عن مزيد من الديون، وهكذا حاولت الحكومات الغربية علاج المريض بالمرض نفسه.

6- وأخيراً فإن هناك ثلاثة احتمالات قد تؤدي في النهاية إلى الانتعاش الاقتصادي نذكرها من الأدنى إلى الأعلى:

الأول هو أن يتحول الركود المزدوج إلى كساد وانخفاض كبير في الأسعار، وذلك يؤدي إلى هبوط في أسعار القروض والعقارات والسلع فيعطي دفعة لبدء نمو اقتصادي يتمثل في سهولة تسديد هذه القروض. وهذا الاحتمال ضعيف لأن الاقتصاد الرأسمالي قائم أساساً على القروض والربا الناتج عنها، وهبوط أسعار القروض "الربا" لا يستمر طويلاً ما دام الاقتصاد الرأسمالي قائماً.

الاحتمال الثاني هو أن تقوم الصين بإنقاذ الغرب. فتجارة الصين الكبيرة وأموالها الفائضة مرتبطة بديون الولايات المتحدة وبريطانيا وقطاعات واسعة من منطقة اليورو، وهي ديون كبيرة غير مستدامة. وسيكون من مصلحة الصين إنقاذ الغرب. وهذا يعني أيضا اضطرار العالم الغربي إلى قبول قيادة صينية عالمية. ولكن القضية هنا ليست هي فيما إذا كان الغرب سوف يقبل بمثل هذا الإنقاذ، بل هو فيما إذا كانت الصين ستتخذ مثل هذه السياسة.

الاحتمال الثالث: أن تُشرق شمس دولة الخلافة، ويُطبق النظام الاقتصادي الإسلامي، فتنتفع به ليست فقط دولة الخلافة، بل دول العالم المتعاملة معها، ما يجعل مثل هذه الأزمات العالمية منعدمة أو في وضع يمكن السيطرة عليه.

02 من ربيع الاول 1434
الموافق 2013/01/14م