بعد سقوط الاشتراكية وتفكك الاتحاد السوفيتي انتهت سياسة القطبين، وتفردت أمريكا بقيادة العالم بسياسة القطب الواحد؛ معتمدة على وزنها الدولي وترسانتها النووية التي تفوق ترسانة الدول الكبرى النووية مجتمعة وترسانتها العسكرية الضخمة ذات الأسلحة النوعية المتطورة والفتاكة وقوتها الاقتصادية الهائلة قبل أن تعصف بها الأزمة المالية ونفوذها في كثير من مناطق العالم المختلفة، وخاصة بلاد المسلمين التي يتزايد نفوذها فيه بتزايد عملائها، خاصة بعد طرد بريطانيا من بعض مستعمراتها استنادا إلى سياستها الثابتة التي تقضي بملء الفراغ وطرد الاستعمار القديم من مستعمراته (بريطانيا)، وهي تمارس سياستها تلك منذ خمسينات القرن الماضي بعد إطلاق أيزنهاور مشروع ملء الفراغ.
وبعد سقوط المبدأ الاشتراكي فإن أمريكا قد اتخذت الإسلام عدوها الأوحد، ورغم أن الإسلام لا توجد له دولة تطبقه وتحمله قيادة فكرية للعالم ورسالة هدى ونور ينقذ الإنسانية من ظلم الرأسمالية وقوانينها الوضعية الفاسدة التي جعلت البشرية ترزح تحت ظلمها، فسبب ذلك شقاءها، وزاد الطين بلة تحكم القانون الدولي في شؤونها وتسلط الدول الكبرى وفي مقدمتها أمريكا عليها. ولما كان الإسلام هو المرشح الوحيد لإنقاذ العالم من شرور الرأسمالية وقوانينها ودولها الاستعمارية لما يتميز الإسلام به من قدرته على حل جميع المشكلات ومعالجة كل الاختلالات والأزمات وضماناته في تحقيق السعادة لجميع الناس، فاتخذته أمريكا عدوها الوحيد وحاربته حربا لا هوادة فيها؛ فلم تبق وسيلة تأمل أمريكا في نجاحها في حربها على الإسلام إلا وكلفت عملاءها من حكام المسلمين بتنفيذها، ولا تركت أسلوباً تستطيع أن تضرب به المسلمين إلا فعلته، لقد سعت بكل ما أوتيت من قوة إلى محو الشخصية الإسلامية من الوجود وتذويب هوية المسلمين وجعل مبدئها الرأسمالي هو دين أهل الأرض جميعا وفي مقدمتهم المسلمين، ولكنها فشلت لركاكة الفكر الرأسمالي العفن وعقيدته الهشة وأفكاره المعوجة الفاسدة، وبالمقابل اصطدمت أمريكا بصلابة العقيدة الإسلامية وتجذرها في نفوس المسلمين وقوة أحكام الإسلام وتصاعد الصحوة الإسلامية بقوة مذهلة واندفاع المسلمين نحو العمل لإقامة الخلافة ومناصرة من يسعى لذلك، وبرز تطلعهم لعودتها على منهاج النبوة بشكل أكبر بعد اندلاع ثورة الشام المباركة فازداد حنق أمريكا وتزايد حقدها وعداوتها للإسلام والمسلمين بشكل جنوني وتصاعدت حربها على الإسلام وأهله وتنوعت أساليبها، ولما وصلت إلى قناعة بأنه لا يمكن محو الإسلام من نفوس المسلمين وتذويب هويته ومنع إقامة دولته، قررت أن تقوم بتشويه الإسلام والخلافة بشكل لم يسبقها إليه الشياطين فطبخت مطابخها أفكار التشويه وقامت بتنفيذها في أرض الواقع؛ ومنها ربط الأعمال الإجرامية التي تديرها بالإسلام وبالخلافة القادمة؛ فاستغلت أعمال تنظيم الدولة الإجرامية التي يقوم بها تحت عباءة خلافته المزعومة؛ وألصقتها بالإسلام لكي تصرف المسلمين عن التفكير الجاد في إعادة الخلافة الراشدة الحقيقية التي يعمل حزب التحرير في الأمة منذ أكثر من ستين عاما لإقامتها، إلى جانب التكتيم الإعلامي عليه وعلى أعماله حتى تبقى الأمة بعيدة عنها فلا تلتف حوله ليكون وصوله إلى الخلافة أسرع، كما حاولت ربطه بتنظيم الدولة لتنفير الناس منه ولا زالت مطابخها تنتج أفكاراً جديدة لمحاربة الإسلام والخلافة، ولعل آخر هذه الأفكار وأقبحها هي إنشاء التحالفات العسكرية كالحلف الصليبي الذي يقوم بحملته الصليبية الثالثة على المسلمين تحت ستار محاربة تنظيم الدولة وما ذلك إلا لمنع إقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة في الشام كما صرح بذلك قادة الغرب ومنهم وزير الخارجية الروسي المجرم لافروف، وكذلك التحالف العسكري الذي يتزعمه عميل أمريكا سلمان لحرف مسار ثورة الشام وتحقيق ما عجزت عنه أمريكا و روسيا و إيران وأحزابها خلال الخمس السنوات الماضية، ولكنهم لن يستطيعوا أن يطفئوا الشمس بأفواههم.. مهما فعلوا فالله غالب على أمره، وإن سياسة أمريكا في حربها على الإسلام والخلافة الراشدة القادمة وإن كان تخبطها قد أوصلها إلى مرحلة الجنون إلا أنها ستفشل وستنفق أموالها لتكون عليها حسرة ثم تهزم وتكون كلمتها هي السفلى، وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم، وإن الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة قادمة، ويومئذ يفرح المؤمنون...
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
شايف الشرادي – اليمن
8 ربيع الثاني 1437هـ
18
16م