تشهد العاصمة النمساوية فيينا يوم الثلاثاء 17/5/2016 (أمس) اجتماعا وصف بأنه سيكون مفصليا لما يسمى بالمجموعة الدولية لدعم سوريا، وكان وزير الخارجية الأمريكي جون كيري قد أعلن عن عقد هذا الاجتماع في أعقاب اجتماعه بلافروف في 9/5/2016، وقبيل انعقاد اجتماع باريس الوزاري. ولا بد من إعطاء صورة للأحداث التي تزامنت مع الإعلان عن عقد هذا الاجتماع، لمعرفة ما يمكن أن يسفر عنه مثل هذا الاجتماع، وما يمكن أن ينتج عنه من آثار!
فقبيل انعقاد اجتماع باريس لما يسمى بمجموعة النواة الصلبة للدول الداعمة للمعارضة السورية بساعة صدر بيان مشترك لكل من روسيا وأمريكا يوم الاثنين 9/5/2016 "أكدتا فيه التزامهما باتفاق وقف العمليات القتالية في سوريا وقالتا إنهما ستكثفان الجهود من أجل التوصل إلى حل سياسي للصراع هناك. وطالبت موسكو وواشنطن كذلك جميع الأطراف بوقف الهجمات على المدنيين والبنية الأساسية المدنية. وقال البلدان إنهما سيعملان على إقناع الأطراف المتحاربة في سوريا بالالتزام باتفاق وقف العمليات القتالية. وأفاد البيان "قررنا تأكيد التزامنا مجددا بوقف إطلاق النار في سوريا وتكثيف الجهود لضمان تنفيذه في أنحاء البلاد". وأشار البيان إلى أن روسيا وأمريكا "تقران بالصعوبات التي تواجه الهدنة في عدة مناطق وبالمشكلات التي تعرقل وصول المساعدات". (فرانس 24، 9/5/2016).
وقد جاءت ردة الفعل الأوروبية على لسان مصدر دبلوماسي فرنسي رفيع المستوى صرح لصحيفة الشرق الأوسط بقوله "إن توقيت الإعلان قبل ساعة واحدة من بدء اجتماع باريس، أمس لم يكن مجانا، بل إنه يفيد بأن الضغوط السياسية يمكن أن تفعل فعلها". وأجمع وزير الخارجية الفرنسية ومسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي ووزير الخارجية الألماني وآخرون على الإشادة بالبيان الأمريكي الروسي وما تضمنه من التزامات. ووصفته فيديريكا موغيريني بأنه "إيجابي جدا". بيد أن الوزير الفرنسي عد أن ما يهم هو التنفيذ "لا أن يبقى البيان حبرا على ورق". وفهمت باريس والدول المشاركة في الاجتماع أن البيان بمعنى ما رسالة مباشرة موجهة للمجتمعين الذين يهدفون أساسا إلى الضغط السياسي على روسيا والولايات المتحدة الأمريكية من أجل الوصول إلى هذه "الإنجازات" (الشرق الأوسط 10/5/2016).
وفي حديث صحفي لوزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت قال فيه إن كيري "يعي تماما أننا في طريق مسدود" وأن "المفاوضات (محادثات جنيف) لا يمكن أن تستمر ما دام النظام ينتهك الهدنة ويقصف المستشفيات ومخيمات اللاجئين، وأن المعارضة هي التي تستهدف في حلب وليس (داعش)". وفهم هذا الكلام على أنه "انتقادات مباشرة لطريقة الوزير كيري في إدارة الأزمة ثنائيا مع موسكو" وفق ما قالته مصادر دبلوماسية أوروبية لـ"الشرق الأوسط" أمس، في معرض تقويمها لاجتماع باريس. وأضافت هذه المصادر أن الدول المجتمعة "أرادت إسماع صوتها ورؤيتها للوزير الأمريكي" وتأكيد "حضورها ودورها في الملف السوري وعدم رغبتها في تسليم إدارته للثنائي كيري لافروف"...) (الشرق الأوسط 10/5/2016).
وجاء في تعليق المتحدث باسم الخارجية الأمريكية مارك تونر حول اجتماع باريس قوله ("نحن ندعم كافة الجهود، وخصوصا جهود شركائنا وحلفائنا، بشأن سوريا" لكن "نعتقد أن المجموعة الدولية لدعم سوريا تتولى الأدوار الأولى" في هذا الصدد.) (الجزيرة. نت 10/5/2016)، وهذا كله يدل على أن أمريكا مستاءة من التداخلات الأوروبية على الأزمة السورية وتريد أن تبقيها بيدها وحدها فقط!
ويبدو أنه على الرغم من انبطاح المعارضة "الفندقية" لأمريكا إلا أن بعضها يدرك نوعا ما حقيقة الدور الأمريكي فقد (قال رئيس وفد المعارضة المفاوض أسعد الزعبي لـصحيفة "العربي الجديد"، إنه "لم يشعر بخيبة أمل بنتائج اجتماع باريس"، مضيفاً "كنا نتوقع ذلك خصوصاً بعد وصول جون كيري إلى باريس، على الرغم من أنه لم يكن مدعواً للاجتماع". ويشير الزعبي إلى أن "مجرد وجود كيري يعني عرقلة أية جهود لمساعدة السوريين، وكل جهد ضد بشار الأسد"... ووفقاً للزعبي، فإنه "إذا حضر كيري الاجتماع فالنتيجة واضحة"، معتبراً أنه تم "تعيين كيري وزير خارجية في الولايات المتحدة للقضاء على الثورة السورية"، على حد قوله. بدوره، يقول سفير الائتلاف الوطني السوري في إيطاليا، بسام العمادي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن البيان الروسي الأمريكي المشترك الذي صدر الاثنين "فارغ لا يتضمن أي جديد". ويعتبر أن "الهدف منه إفشال اجتماع باريس، ورسالة للمجتمعين بأن ما ينوون القيام به لا قيمة له من دون رضا روسي أمريكي") (العربي الجديد 10/5/2016)!
فإذن التحركات الأمريكية الأخيرة والدعوة لاجتماع فيينا، والبيان الأمريكي الروسي، قطع للطريق على أي محاولة أوروبية للدخول إلى الأزمة السورية، أما لماذا تسارعت التحركات، فذلك لأنه على الرغم من أن أمريكا دفعت باتجاه إجراء مفاوضات بين من أعدتهم أمريكا ليقوموا بدور الممثلين عن المعارضة في سوريا وبين نظام الأسد، وذلك من أجل وضع الأزمة السورية على سكة الحل السياسي والمفاوضات لتتمكن من استبقاء نظام الأسد العميل، وهيأت لذلك باصطناع ما سمته هدنة لوقف الأعمال العدائية، بالرغم من ذلك، فقد ظهر من سير العمليات العسكرية في سوريا بأن أمريكا أرادت من الهدنة ليس إتاحة المجال للسير بالمفاوضات فقط، بل من أجل إسكات جبهات ليتمكن النظام من خلال خادمة أمريكا في سوريا روسيا ويد أمريكا في سوريا إيران وميليشياتها وحزبها والمرتزقة والأعوان، ليتمكن كل أولئك مجتمعين، من السيطرة على حلب وإخضاعها لبطش النظام، وقد كان واضحا من الهجمة الوحشية على حلب أن المقصود هو تركيع أهل سوريا، وإخضاعهم، وإجبارهم بقتل الأطفال والنساء والشيوخ وتدمير كل شيء، لكي يصرخوا مستغيثين بأمريكا والشرعة الدولية، مطالبين بالتحرك لإيجاد حل، هذا ما كان يرجوه أوباما وكيري والخدام والأذناب، ولكن ما ظهر من ردود أفعال لأهل حلب وهم يحملون أطفالهم موتى بين أيديهم، ويخرجون من بين الأنقاض، أن صيحاتهم وصرخاتهم لم تكن ترتفع إلا متوجهة لخالق الأرض والسماء، وبقي نداؤهم (ما لنا غيرك يا الله) هو الثابت الذي لم يتغير، وهذا يجعل أمريكا تدرك شاءت أم أبت أن المفاوضات والحلول السياسية وتبديل الوجوه وتغيير الأسماء وتنويع المسميات لن يوجد الحاضنة التي يمكن أن تخنع للحل الأمريكي في سوريا، وأنها لو بدلت عميلها بعميل غيره، ولو جملت وزوقت نظامها العميل، في ظل مثل هؤلاء الناس، فإنما سيكون صنيعها ككيد الساحر ﴿ولا يفلح الساحر حيث أتى﴾.
لذلك كله، فإن أمريكا تتعامل مع الأحداث في سوريا بالمزاوجة بين القتل والتدمير حتى إذا انقلب الوضع لغير صالح النظام، كما وقع في خان طومان حيث أصيبت إيران في مقتل، انقلبت أمريكا باتجاه التهدئة والمفاوضات، وهكذا حتى تتمكن من تمكين النظام من إعادة السيطرة على المدن الرئيسة في سوريا، وحصر الثورة في الأطراف والأرياف، ثم لو طال أمد المفاوضات أو قصر بعد ذلك لا يضيرها، لأنها ما زالت بحاجة للوقت الذي يمكنها من ترتيب عميل بديل يضمن لها استقرار نفوذها في سوريا. والذي ينكد على أمريكا مخططاتها ثبات أهل الشام وعدم خضوعهم على الرغم من انعدام الناصر والمعين وكثرة المضللين والمثبطين، إلا أن صرخات المظلومين (يا الله يا الله ما لنا غيرك يا الله) هي الوقود الذي يبقي جذوة هذه الثورة مشتعلة حتى ييسر الله لها من يحملها فيحرق بها ظلم الظالمين ويعيد الحق إلى نصابه، فيعم العدل بحكم الإسلام في ظل خلافة على منهاج النبوة وتخسأ من بعد أمريكا وروسيا وأوروبا والأذناب!
كتبه لجريدة الراية: عبدالله المحمود، الأربعاء 18 أيار\مايو 2016م
المصدر: http://goo.gl/Xud89G