لا ينقضي يوم إلا ويحمل في طياته جديدا فيما يتعلق بالأحداث في سوريا، فالأزمة في سوريا في حراك مستمر ولهيب المعارك فيها لا يتوقف، والأحداث فيها متقلبة، وكلما تسارعت الأحداث فيها باتجاه معين انقلبت باتجاه آخر، فالحسم ليس في متناول يد أحد حتى الآن، إلا أن هذا لا يعني عدم وقوع تطورات لافتة ومؤثرة، من شأنها أن تحدث تغييرا جوهريا في سير الأحداث ونتائجها.
فقد أفاد مساعد وزير الخارجية الأمريكي "أنطوني بلينكن" يوم الجمعة 13/5/2016، "أنّ بلاده توصلت إلى اتفاق نهائي مع تركيا بخصوص التعاون من أجل تطهير المناطق الواقعة بين مدينة منبج ومارع بريف حلب السوري، من عناصر تنظيم داعش الإرهابي. وأوضح بلينكن خلال مؤتمر صحفي عقده في مقر الخارجية الأمريكية بواشنطن، أنّ التعاون التركي الأمريكي في هذا الخصوص، سيتمثل في زيادة الدعم لقوات المعارضة السورية المعتدلة، وأنّ الأيام القادمة ستشهد حملات كبيرة ضدّ داعش في هذه المناطق. وفي هذا الصدد قال بلينكن: "هدفنا المشترك مع تركيا، يتمثل في تطهير المناطق الواقعة بين منبج ومارع من عناصر داعش، واستعادة مارع بالكامل من يد التنظيم". (ترك برس 13/5/2016)، وقد سبق ذلك اتفاق "تركيا مع الولايات المتحدة على نشر بطاريات أمريكية مضادة للصواريخ على حدودها مع سوريا، بدءا من أيار/مايو، لمواجهة عمليات القصف المتكررة التي يشنها تنظيم "الدولة الإسلامية" وتستهدف الأراضي التركية، بحسب ما نقل عن وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو.وقال الوزير في تصريح لصحيفة "خبرتورك"، نشر الثلاثاء، "توصلنا إلى اتفاق لنشر صواريخ (هايمارس)، وهي صواريخ أمريكية مضادة للصواريخ... ويأمل الوزير التركي، من جهة ثانية، في أن تتوصل المحادثات الجارية مع الولايات المتحدة بشأن إنشاء "منطقة آمنة" في شمال سوريا بين مدينتي منبج وجرابلس، إلى قرارات ملموسة. وقال الوزير في هذا الصدد "إن هدفنا هو تطهير هذا الشريط البالغ طوله 98 كم من داعش". (بي بي سي 26/4/2016).
وفي 21/5/2016 قام قائد القوات الأمريكية في الشرق الأوسط الجنرال جوزيف فوتيل بزيارة سرية لسوريا، وقال مصدر عسكري أمريكي إن "فوتيل أمضى 11 ساعة في شمال سوريا، والتقى مسؤولين محليين وقوات أمريكية خاصة منتشرة في سوريا". وصرح فوتيل بعد الزيارة أن "تدريب القوات المحلية لقتال تنظيم الدولة الإسلامية هو الخيار الصائب". وأضاف "غادرت وأنا على ثقة عالية من إمكانياتهم وقدرتهم على دعمنا". وقال بريت ماكغورك المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي لدى التحالف ضد تنظيم الدولة الإسلامية في تغريدة إن فوتيل زار سوريا السبت "للتحضير لهجوم الرقة". (بي بي سي 22/5/2016)، وكان بريت ماكغورك نفسه قد زار منطقة عين العرب كوباني في 18/5/2016 وفي مساء اليوم نفسه جرت مكالمة هاتفية بين أوباما وأردوغان، فقد "أعلن بيان للبيت الأبيض، الأربعاء، أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما بحث في اتصال هاتفي مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان، الجهود الرامية لهزيمة تنظيم الدولة، والوضع في سوريا... وقال البيت الأبيض إن الزعيمين اتفقا على أهمية مواصلة الجهود لإضعاف وهزيمة داعش وشل قدرة التنظيم المتشدد على تنفيذ هجمات في تركيا وأوروبا وأماكن أخرى". (سكاي نيوز العربية 19/5/2016)، وقد استبانت آلية تطبيق هذا الاتفاق بظهور صور جنود أمريكيين يحملون شارات ما يسمى بوحدات حماية الشعب الكردية، فقد اعتبر المتحدث باسم وزارة الدفاع بيتر كوك، أن حمل المقاتلين الأمريكيين للشارات، ليس بالأمر الغريب، قائلاً "عندما تعمل القوات الأمريكية في مناطق معيّنة، فإن ما يفعلونه هو الاندماج مع المجتمع لتعزيز حمايتهم وأمنهم". وتابع كوك في الموجز الصحفي للبنتاغون "قواتنا بحاجة لأن تتخذ خطوات يحتاجونها من أجل تنفيذ مهمتهم وحماية أنفسهم". ورفض كوك، الحديث عن الصور المنتشرة على الإنترنت أو تأكيد الموقع الذي تم التقاطها فيه "حفاظاً على سلامة القوات الأمريكية"، على حد قوله. (إرم نيوز 26/5/2016)، وقد عبرت تركيا عن غضبها ظاهريا على لسان جاويش أوغلو وزير الخارجية التركي حيث قال "ننصحهم (الولايات المتحدة) بوضع شعارات داعش والنصرة والقاعدة عندما يتوجهون إلى المناطق الأخرى في سوريا، وشعارات بوكو حرام عندما يذهبون إلى أفريقيا"... وأضاف الوزير التركي "استخدام جنود دولة تعد شريكتنا، وحازمة في محاربة الإرهاب، شعار منظمة إرهابية أمر لا يمكن قبوله". (وكالة أنباء الأناضول 27/5/2016).
وقد صرّح الكولونيل بالجيش الأمريكي ستيفن وارن بقوله: "وضع شارات وحدات حماية الشعب الكردية هذه لم يكن مصرحًا به، ولم يكن مناسبًا... وتمَّ اتخاذ إجراء تصحيحي حياله". (مصر العربية 29/5/2016)، وسياق الأحداث والتصريحات يدل على أن تركيا أردوغان قد نسقت مواقفها مسبقا مع أمريكا بخصوص مساندة أمريكا لما يسمى بقوات سوريا الديمقراطية التي تشكل وحدات الحماية الشعبية الكردية القوة الحقيقية فيها، والتي تعتبرها أنقرة ذراعا لحزب العمال الكردستاني!. وعلى الرغم من أن التوجيه الإعلامي كان باتجاه اقتراب معركة الرقة، إلا أن حركة القتال على الأرض لا تدل على ذلك، وهذا ينسجم مع الرأي بأن أمريكا ليست مستعجلة على معركة الرقة، وإن كانت إعلاميا دقت طبول المعركة، فحركة القتال على الأرض اتجهت بشكل مركز باتجاه منطقة مارع وقام تنظيم الدولة بشن هجوم كثيف على القرى المحيطة بمارع وسيطر على عدد من القرى التي تصل مارع بإعزاز مثل كلجبرين وكفر كلبين، وأحكم الحصار على مارع، وفي المقابل استغل ما يسمى "بقوات سوريا الديمقراطية" تقدم تنظيم الدولة باتجاه مارع، "ودخلت بلدة الشيخ عيسى على الطريق باتجاه مارع، بعد أن ألزمت فصائل المعارضة في المنطقة بتسليم البلدة مقابل ضمان مرور آمن للمدنيين من أهالي مارع باتجاه إعزاز. إلا أن الأمر لم يتم بحسب مراسل "عنب بلدي" في حلب، وقال إن القوات لم تسمح بتوجه النازحين إلى إعزاز أو دارة عزة، ناقلًا عن ناشطين قولهم إن "سوريا الديمقراطية" تحاول الضغط على المعارضة بهذه الخطوة. دخول القوات جاء، صباح السبت 28 أيار، بعد هجوم لم يستطيعوا الدخول إثره، وفق المراسل، وأوضح أن وفدًا من القوات دخل الشيخ عيسى عقب إنذارات عبر مكبرات الصوت قال فيها "قرية الشيخ عيسى مقابل خروج المدنيين من مارع لإعزاز"، ما دعا فصائل "الحر" المرابطة في البلدة للانسحاب إلى مارع". (موقع عنب بلدي 28/5/2016)، فوقعت فصائل المعارضة والمدنيين في مارع وما حولها بين فكي كماشة (تنظيم الدولة وقوات سوريا الديمقراطية)، والذي دفع الكثير من المراقبين للتساؤل عن مدى التنسيق بينهما علىالرغممن وقوع معارك بين التنظيمين إلى الشمال من مدينة الرقة، فأمريكا تدفع لجعل التحركات على الأرض تُدفع باتجاه حصر خيارات أهل الشام بين (النظام المجرم) أو (تنظيم الدولة) أو (وحدات حماية الشعب الكردية) أو (فصائل متناحرة)!.
وعلى وقع هذه التطورات على الأرض نجد أن النشاط المحموم السابق للسير في محادثات السلام، قد خفت وتيرته، فقد صرح دي ميستورا مبعوث الأمم المتحدة الخاص لسوريا في بيان يوم الخميس (26/5/2016) "إن الجولة الجديدة من مباحثات السلام السورية لن تعقد قبل أسبوعين أو ثلاثة على الأقل وذلك بعد مشاورات في مجلس الأمن استمرت لساعتين ونصف. وقال البيان "أطلع (دي ميستورا) المجلس عن نيته بدء الجولة المقبلة من المباحثات في أسرع وقت ممكن لكن هذا بالتأكيد لن يكون خلال الأسبوعين أو الثلاثة أسابيع المقبلة". (وكالة الأنباء الألمانية 26/5/2016)، ويبدو أن هذا التريث سببه انتظار معرفة الآثار التي ستنتج عن المعارك الجارية ومدى تأثيرها على الخيارات الشعبية، فعلى وقع القتل والتدمير والتهجير اجتمعت ما تسمى بالهيئة العليا للمفاوضات في الرياض 26-28/5/2016 وأعلنت أنها ستقدم وثيقة لحل شامل في سوريا (ورأت الهيئة أن جهود إعادة الأطراف إلى طاولة المفاوضات يجب أن تتزامن مع اتخاذ خطوات جادة لوقف التصعيد العسكري من قبل النظام وحلفائه، وإيجاد آلية إشراف دولية لضمان الالتزام بذلك، والسماح للمنظمات الإنسانية بالوصول السريع والآمن إلى كافة المناطق المتضررة وفق جدول زمني تشرف الأمم المتحدة على تنفيذه، وتطبيق قرار مجلس الأمن 2268/2016، فيما يتعلق بوقف الأعمال العدائية، وذلك من خلال توفير آلية مراقبة أممية لضمان الالتزام وتحديد الجهة المسؤولة عن الخروقات التي تقع، ومن ثم استحداث إجراءات عقابية صارمة ضد من يرتكبها.) (العربية 29/5/2016)، والدور الذي تقوم به هذه الهيئة في أحضان آل سعود عملاء أمريكا هو تطويع الشعب السوري باتجاه القبول بالتسوية التي تريدها أمريكا، وهذا الدور لا يختلف من حيث النتيجة عن المعارك التي تدور في مارع والمعارك التي تدور في الغوطة بين الفصائل المتناحرة، لأنها تؤدي بالنتيجة لإخضاع المسلمين في الشام إلى حضن أمريكا.
وليس من مخرج لفصائل الثورة في سوريا إلا بالاعتصام بحبل الله المتين، والانفكاك التام عن قوى الدعم الإقليمية والدولية، والخروج من عباءة عملاء أمريكا أردوغان وآل سعود والخدام والأذناب، فإن لم يفعلوا فستجعل منهم أمريكا سكينا تذبح بها الثورة ثم تذبحهم بأيديهم، نسأل الله سبحانه أن يهدي إخواننا إلى أرشد أمرهم، وأن يحفظ هذه الثورة المباركة من أعدائها ومن جهل أبنائها.
كتبه لجريدة الراية: عبدالله المحمود، بتاريخ الأربعاء 1 حزيران\يونيو 2016م
المصدر: http://bit.ly/1WXubXC