بتاريخ 23/12/2016م خرجت آخر دفعة من مدينة حلب باتجاه ريفها الغربي وسط ذهول الجميع؛ ليعلن طاغية الشام سيطرته الكاملة على المدينة المنكوبة بعد أن دمرت طائرات روسيا بيوتها وجعلتها أثرا بعد عين وكومة من الأنقاض، رقد تحتها الأطفال والنساء والشيوخ دون أن يستطيع أحد مساعدتهم أو انتشالهم من شدة القصف الوحشي؛ فتركوا للموت البطيء دون أن يتحدث عنهم أحد.
سقطت حلب فسقطت بسقوطها كل الأقنعة التي تاجرت بها؛ والتي تركت خلفها كميات هائلة من مستودعات الأسلحة ومستودعات الغذاء؛ هذه المستودعات كانت كفيلة بمنع اقتحام حلب لسنوات عدة؛ بل وتحرير باقي المدينة من أيدي طاغية الشام ومرتزقته من مليشيات إيران و أفغانستان وحزب إيران وغيرهم من شذاذ الآفاق.
سقطت حلب وتركت خلفها تساؤلات عدة وإشارات استفهام كثيرة حول الذي جرى ومن يتحمل المسؤولية والدروس المستخلصة من سقوطها، سقطت حلب لكنها أيقظت بسقوطها العقول وألهبت القلوب لتعيد الحسابات من جديد.
وقبل أن أتحدث عن بعض الدروس والعبر لا بد من وقفة على الذي جرى في حلب؛ وهذا الانقلاب الرهيب في موازين القوى؛ بعد أن أطلقت قيادات الفصائل ملحمتها الكبرى لفك الحصار عن المدينة؛ واستطاعت في عدة أيام تحرير مناطق واسعة وشاقة رغم الإسناد الجوي الروسي لطاغية الشام؛ ورغم اتحاد العالم ضد هذه الثورة اليتيمة، لم يكن حصار حلب مستبعداً؛ وقد تجهزت المدينة بفصائلها لهذا الحصار، فكدست الغذاء والذخيرة وتجهزت للمواجهة، وفي الوقت نفسه كان طاغية الشام ومرتزقته يعدون العدة لاقتحام المدينة فلم يكن الاقتحام مفاجئاً أو على حين غرة، ودقت ساعة الصفر؛ وبدأ القصف الوحشي من كل جانب، وبدأت وسائل الإعلام تنقل ما يجري وسط صمت دولي مطبق، وكالعادة كان شعار محاربة (الإرهاب) هو سيد الموقف الدولي، وبدأت المناطق تسقط المنطقة تلو الأخرى؛ وبدا التخبط على كافة الأصعدة؛ وبدأ الانهيار التام والحديث عن إجلاء أهل حلب مع الفصائل كافة وهذا ما حدث، فأجلي أهل المدينة عن مدينتهم وسيطرت المليشيات عليها، فمن يتحمل مسؤولية ما جرى؟.
لا شك أن الذي يتحمل مسؤولية سقوط حلب والدماء التي سالت والأرواح التي زهقت هو المجتمع الدولي بالدرجة الأولى؛ الذي وقف مكتوف الأيدي دون حراك ليكشف عن تآمره وكذب ادعاءاته المتعلقة بحقوق الإنسان والحريات المزعومة؛ وليكشف عن حضارته التي قامت على الجماجم والأشلاء، ولم يكن سكوته مستغرباً ولم يكن تحركه متوقعاً، ثم يتحمل المسؤولية حكام المسلمين الذين صمتوا صمت القبور وكأن الذي يموت وكأن الذي يقتل ليسوا مسلمين أو ليسوا بشراً حتى، وبقيت جيوش الأمة الإسلامية مقيدة في ثكناتها تنتظر الأمر للتحرك لكن هيهات هيهات لمن ثبتت عمالته أن يصدر الأوامر لنصرة أهل الشام!! ثم يتحمل المسؤولية قيادات الفصائل التي لم تطلق طلقة واحدة للتخفيف عن أهل حلب؛ ولم يكن ذلك من نقص في العدة والعتاد أو عجز عن نصرة المدينة؛ وإنما بصفقة بيعت حلب بموجبها في سوق اللقاءات التركي؛ بعد اللقاء الذي جمع بعض القيادات مع روسيا بوساطة تركية، وإلا كيف نفسر سقوط حلب في عدة أيام بينما تصمد داريا سنين عددا؛ وهي لا تشكل حارةً من حارات حلب؛ ولا تملك عشر معشار ما تملكه حلب من عدة وعتاد ومواد غذائية. أضف إلى ذلك التصريحات التي أدلى بها حكام تركيا الذين ارتبط بهم قيادات الفصائل وارتموا في أحضانهم بوجوب خروج المقاتلين من حلب؛ وسعيهم لوقف إطلاق نار دائم وتحول سياسي في سوريا، كل هذا يدل على أن المدينة لم تسقط نتيجة قتال وإنما سلمت تسليماً.
إن الذي جرى في حلب من تسليم لها هو جريمة كاملة الأركان بحق الإسلام أولاً؛ وبحق المسلمين ثانياً، وسيأتي يوم ليحاسَب مرتكبوها أمام الأمة جمعاء وما ذلك على الله بعزيز، وإن سقوط حلب ليس نهاية الثورة بل بداية مرحلة جديدة بإذن الله؛ بعد أن نستخلص الدروس والعبر فنتجنب الوقوع في الحفرة مرتين واللدغ من ذات الجحر مرتين.
يجب أن يتعلم الجميع أن الاعتماد على الغير بأي شكل من الأشكال هو انتحار سياسي؛ فالمال السياسي القذر والدعم العسكري الموهوم أصاب الثورة في مقتل، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾، وأن تركهم لواجب المحاسبة - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - والتخلي عن سلطانهم هو الذي أغرى ضعاف النفوس بالمتاجرة بدم الشهداء وبيعها بثمن بخس دولارات معدودة؛ مما نتج عنه هذا العذاب المهين ولم ينفع الدعاء حتى في تخليص أهلنا في حلب مما هم فيه، قال رسول الله ﷺ: «لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا من عنده ثم لتدعونه فلا يستجيب لكم»، وقد ثبت أنه عندما تحرك الناس استطاعوا التأثير وبإمكانهم التغيير فالسلطان لهم وهم قوة لا يستهان بها، ويجب أن نعلم جميعاً أن تفرُّقنا وتنازعنا هو سبب ذهاب ريحنا، قال تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾، وأن وضع قضيتنا بأيدي أعدائنا هو جريمة وأي جريمة؛ فقد ثبت أنه لا يوجد أصدقاء لنا وإنما الكل في خندق واحد ضد هذه الثورة اليتيمة، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾، هذه أهم الدروس والعبر التي يجب أن نستخلصها من سقوط حلب، وعليه؛ وحتى لا نقع في ذات الحفرة وحتى لا نلدغ من ذات الجحر مرتين؛ يجب علينا أن نقطع كل يد تعبث بمصير الثورة حتى نستطيع أن نملك قراراتنا؛ كما يجب أن نربط ثورتنا بخالقنا فهو الناصر وهو المعين ونتوكل عليه سبحانه وتعالى وحده ومن ثم على أنفسنا، قال تعالى: ﴿... وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا & وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾، وبعدها نتوحد حول مشروع سياسي واضح يرضي الله سبحانه وتعالى (مشروع الخلافة الراشدة على منهاج النبوة) تحت قيادة سياسية واعية ومخلصة مستمسكة بحبل الله المتين، قال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا...﴾، فالتوحد إن لم يكن بحبل الله لا خير فيه، ومن ثم نوجه الضربات الموجعة لرأس النظام وخاصرته حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا. هذا ما يجب فعله ولم يبق عذر لأحد؛ اللهم هل بلغت اللهم فاشهد.
كتبه لجريدة الراية: أحمد عبدالوهاب / رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير - ولاية سوريا، بتاريخ الأربعاء 28 كانون الأول\ديسمبر 2016م
المصدر: http://bit.ly/2hqWTBa