إن ثورة الشام تعيش مرحلة خطيرة من عمر الثورة، فقد وصلت بها الحال إلى درجة التآمر المفضوح، والكيد المكشوف، فلم يعد النظام التركي يخفي وجهه وراء تصريحات جذابة، ولا كلمات براقة، ولا خطبٍ رنانة، بل أصبح يصف تسليمه حلب للنظام المجرم، بأنه عمل ناجح وصفقة رابحة، وبعد أن أنجبت العلاقة بين النظام التركي والروسي اتفاقاً لوقف إطلاق النار بين النظام والمعارضة، قام النظام كعادته، حيث لا عهد له ولا ذمة، قام بخرق ما عُرف بالهدنة، وهذا الخرق تمثل باستمراره بالمعارك على منطقة وادي بردى، وكذلك حاول أن يشدد حصاره على منطقة محجة في ريف درعا، وكذلك فإن القصف لم يتوقف عن عدة مناطق متفرقة، يُضاف إلى ذلك ما قام به التحالف الدولي من استهداف عدة مقرات لجبهة فتح الشام، وقيامه بمجزرتين في مناطق سيطرة تنظيم الدولة.
كل هذا يؤكد أن ثورة الشام هي الكاشفة الفاضحة، ولم يقتصر كشفها على أعداء الأمة المتربصين بها، الواضحين في عداوتهم، بل كشفت أيضاً من يدعي صداقتها ونصرتها، فها هو النظام التركي يكشف عن وجهه ويسفر عن وقوفه في صفِّ أعداء الأمة، وكذلك فقد كشف الغطاء عن قيادات الفصائل التي غرقت بمالها السياسي، هذه القيادات التي لم ترعوِ عن استمرارها في غي الهدن و المفاوضات فهي تأمن جانب النظام المجرم، بعد تجريبهم له في عدة هدن سابقة، وها هو حتى في الهدنة الأخيرة، لم يلتزم ببنودٍ ولا بشروط، بل ظهر لهم أن ما وقعوا عليه من بنود تختلف عما وقع عليه النظام المجرم، ورغم ذلك لم نشهد تصريحاً بإلغاء الهدنة والرجوع عنها، علاوة على أن القبول بفكرة الهدن والمفاوضات يُعد انتحاراً سياسياً للثورة، ووقوفاً بها في منتصف الطريق، بل الحقيقة أن الهدن هي الخطوة الأولى بالعودة عن ثورة الشام والارتماء فيما بات يُعرف بحضن الوطن الأسدي.
إن المدقق في وقف إطلاق النار الأخير يُدرك أنه أحد خطوات الحل السياسي الأمريكي، والتي سعت له أمريكا منذ انطلاقة ثورة الشام، وذلك بهدف الحفاظ على نظام أسد العميل لها، ولم يكن دخول روسيا إلى سوريا، لتخريب خطط أمريكا أو إفشالها بل جاء تدخل روسيا المجرمة لإتمام عملية الحل السياسي؛ فقد صرح بوتين أكثر من مرة منذ دخوله سوريا وأكد أن الهدف هو الوصول لحل سياسي، وهذه الأيام جاء إعلان روسيا البدء بسحب قواتها من سوريا فقد أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يوم الجمعة، بصفته القائد العام الأعلى للقوات المسلحة الروسية، ببدء عملية تقليص قوات بلاده في سوريا، وأعلنت رئاسة الأركان العامة الروسية سحب حاملة الطائرات "الأميرال كوزنيتسوف"، وطراد "بطرس الأكبر"، ومجموعة السفن المرافقة لهما من منطقة تمركزهما قبالة الساحل السوري. وهذا يؤكد أن حربهم على (الإرهاب) يقصدون بها ثورة الشام، وما إن وُضعت اللمسات الأولى للحل السياسي حتى بدأت روسيا بسحب قواتها، أو الإعلان عن سحب قواتها.
فإذا كانت أمريكا هي من يسعى للحل السياسي في سوريا، وهي التي استخدمت حلفاءها وأدواتها لتحقيق هذا الحل، فالسؤال الذي يُطرح الآن، هل حقاً تمكنت أمريكا من ثورة الشام؟، وهل أهل الشام اليوم ينتظرون ما سيؤول إليه مؤتمر الأستانة؟ للإجابة على هذا السؤال يجب أن نعلم أولاً أن صراع أمريكا مع أهل الشام مرّ في خطوات كثيرة أثبت فيها أهل الشام أنهم لن يُمكنوا أمريكا من بلادهم من جديد، وأثبتت كذلك أن أمريكا اضطرت لفضح أدواتها وعملائها أمام ثبات أهل الشام، وقد تمكنت فعلاً من شراء ذمم كثير من قادة الفصائل، إلا أن ثورة الشام اليوم تقف أمام تحدٍّ عظيم وعليها أن تُثبت أنها ثورة أمة لا ثورة فصائل متناثرة، والواجب اليوم يقع على عاتق أهل الشام بأن يستعيدوا سلطانهم المسلوب من هذه الفصائل، ويتخذوا قرارهم بعيداً عن إملاءات الداعمين، وتوجيهات الممولين، فأهل الشام يدركون أن الذي يفاوض عنهم وباسمهم لا يمثلهم، ولم يأخذ رأيهم ولا يهمه أن يأخذ رأيهم، لأنه يفاوض ويُهادن لتحقيق مصالحه ومصالح داعميه ومموليه.
هذا التحدي الذي يواجه الثورة اليوم يجب أخذه بقوة والعمل عليه بشكل جاد لقطع الطريق على كل من يعبث بهذه الثورة، أو يحاول النيل منها أو حتى المستفيد من استمرار هذه الثورة كتجار الدماء والأزمات، وهذا يكون بأن يقوم أهل الشام بتحديد ممثليهم لإسكات كل من يدعي تمثيل هذه الثورة، وقد رأينا كيف أن المجلس الوطني وبعده الائتلاف بعد أن تشكلا، كيف أنهما حاولا أن يؤكدا أنهما يمثلان الثورة، واليوم هيئة المفاوضات وقادة الفصائل التي ستفاوض في الأستانة، هل يمثلون أهل الشام؟ هل هناك من فوضهم؟ هل من أحد وكلهم أو أوكل إليهم التفاوض باسم أهل الشام؟، هذه الأسئلة جوابها واحد وهو أنه لا أحد من المفاوضين يمثل أهل الشام حقيقة، فهؤلاء لا يمثلون حتى أنفسهم، بل يمثلون إرادة داعميهم، فلم نر منهم يوماً موقفاً يخالف ما أرادته أمريكا، فكانوا أول المهرولين إلى مؤتمر الرياض، وكانوا المسارعين لعقد الهدن، والمصفقين للمفاوضات، فكيف يُؤتمن هؤلاء على ثورةٍ كثورة الشام؟!
إن المرحلة التي تمر بها الثورة اليوم تتطلب رجالاً لا يخشون في الله لومة لائم، ولا تغرهم دولارات أمريكا، ولا وعودها الزائفة، رجالاً يعيدون بوصلة الثورة نحو هدفها، فتسقط النظام وتقيم حكم الإسلام خلافة راشدة على منهاج النبوة، وبهذا تقطع يد الغرب الكافر وكل العابثين عن بلاد المسلمين.
كتبه لجريدة الراية: منير ناصر، عضو لمكتب الإعلامي لحزب التحرير - ولاية سوريا، بتاريخ الأربعاء 11 كاون الثاني\يناير 2017م
المصدر: http://bit.ly/2idvPCu