أسدل مؤتمر الأستانة ستاره على حلقة جديدة من حلقات المسلسل الأمريكي الذي تشرف على إخراجه الولايات المتحدة الأمريكية؛ وتلعب دور البطولة فيه خادمتها روسيا وعملاؤها في المنطقة إيران و تركيا؛ بينما يكتفي قادات الفصائل بدور الكومبارس في مشهد درامي يرسم لنهاية مأساوية لثورة قدمت الغالي والنفيس في سبيل التحرر من الظلم والطغيان وإقامة حكم الإسلام، حيث صورت هذه الحلقة بأنه تم الوصول إلى تثبيت لوقف إطلاق النار بين طاغية الشام و الفصائل المقاتلة؛ بينما في الواقع لا يزال طاغية الشام ومليشياته وبغطاء روسي يقصف الريف الغربي للعاصمة دمشق؛ ويحشد قواته في محاولة للسيطرة عليها وإجلاء أهلها وحشرهم في محافظة إدلب في الشمال السوري، بالإضافة إلى استهداف بعض الفصائل ممن وصفت بالإرهابية في كافة المناطق المحررة شاركت فيه طائرات التحالف الأمريكي والطيران الروسي، مما أوجد حالة من الانقسام في الساحة الشامية؛ مهد لإشعال نار الفتنة بين الإخوة وخاصة بعد ما كشفته صحيفة الشرق الأوسط بأن هناك بنداً غير معلن في الاتفاق؛ يقضي بتثبيت وقف إطلاق النار وتثبيت القوى المنخرطة في الصراع، وهي النظام وحلفاؤه من جهة، وقوى المعارضة من جهة ثانية، في مواقع نفوذها، باستثناء التقدم على حساب (جبهة النصرة) و(تنظيم الدولة)، وهما الفصيلان المستثنيان من اتفاق وقف إطلاق النار، نعم لقد كان لمؤتمر الأستانة الدور الرئيس في إشعال نار الفتنة والاقتتال الذي حصل مؤخراً بين فتح الشام من جهة وبعض الفصائل من جهة أخرى، هذا الاقتتال الذي كاد أن يودي بالثورة إلى الهلاك، وخاصة بعد النفخ الشديد في نار الفتنة من بعض من يسمون أنفسهم علماء أهل الشام، الذين حرضوا على اقتلاع فتح الشام من خلال وصفها بالغلو تارة والبغي تارة أخرى؛ بدل أن يعملوا على نزع فتيل الاقتتال ويدعو الجميع لوقف سفك الدماء المحرمة ويعملوا على الإصلاح بينهم، ولست هنا في صدد الدفاع عن أحد؛ إلا أنه عندما كانت فتح الشام تتلقى الضربات الموجعة من طائرات التحالف الأمريكي لم نسمع لهؤلاء العلماء ولا كلمة تدعو الفصائل للتوحد والرد على طاغية الشام في خطوة تعبر عن وحدة الصف والمصير، وكأن فتح الشام لم يبغ النظام وأسياده عليها؛ وبالتالي لا يجب على الفصائل التوحد والرد عليه! بالإضافة إلى أنه عندما تقاتل جيش الإسلام مع فيلق الرحمن في الغوطة الشرقية لم نسمع أحدا من هؤلاء العلماء يصف أحد الفريقين بالبغي والغلو بل كان الخطاب لوقف هذا الاقتتال والصلح بين المتقاتلين، وهذا ما ينبغي فعله لمن أراد حقن الدماء والصلح بين المتقاتلين، ولكن ماذا تقول لمن ارتضى أن يكون عالماً من علماء السلاطين يشرعن لهم مخططاتهم وأفعالهم، ويدور مع سياستهم حيث دارت؟
لقد أوجد هذا الشحن الفصائلي جواً من الخوف والرعب فأحست بعض الفصائل بالخطر الداهم الذي يحيط بها مما دفعها إلى الاصطفاف والتخندق خلف بعضها بعضاً أدى إلى إعلان اندماج بين فصائل عدة تتزعمه حركة أحرار الشام، واندماج آخر تحت مسمى هيئة تحرير الشام يتزعمه كل من فتح الشام وحركة نور الدين الزنكي كأقوى فصيلين في هذا الكيان؛ مما أطفأ نار الفتنة ربما بشكل مؤقت حيث لا يزال الجمر تحت الرماد، فأسباب الفتنة لا تزال قائمة واشتعالها من جديد أمر محتمل، ولكن هذه المرة ستكون كارثية بكل ما تعني الكلمة من معنى.
وبينما تخيم على المشهد حالة الانقسام والاصطفافات بين الفصائل؛ تستمر روسيا في السير قدماً نحو إنهاء الثورة السورية، فتضع دستوراً جديداً للبلاد تنسف فيه أي وجود للإسلام، متجاهلة تاريخ الأمة الإسلامية عامة وأهل الشام خاصة، سعياً منها لمحو الهوية الإسلامية عن أهل الشام، فروسيا تريد دولة لا دين لها ولا لرئيسها، وتخطط لمستقبل أهل الشام ومرحلة ما بعد بشار على منهاج أمريكا، بينما قادة الفصائل يغرقون في صراعات داخل البيت الواحد، وأسمى أمانيهم إسقاط بشار متجاهلين البحث في مرحلة ما بعد بشار؛ وإلا لكانوا تبنوا مشروعاً سياسياً يحدد مستقبل أرض الشام؛ ويرسم شكل دولتهم ويضع الخطوط العامة لأنظمتها المنبثقة عن عقيدة أهل الشام الإسلامية، وهكذا نجد أن الغرب الكافر قد اتحد على إجهاض ثورتنا ووضع خططه لذلك بل ووضع خططاً أخرى لأي طارئ محتمل، وهو يسير بخطى ثابتة نحو هدفه المنشود، بينما قيادات الفصائل لا تزال تلتزم بخطوطه الحمراء التي وضعها لها، بينما تتجاوز الخط الأحمر الذي وضعه رب العزة والذي عصم فيه دم المسلم بل جعل حرمته أعظم من حرمة الكعبة الشريفة، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عدم قدرة هذه القيادات على تحمل مسؤولياتها، فقد أثبتت على مدى سنوات ست من عمر الثورة السورية أنها ليست أهلاً للقيادة، ولو كانت أهلاً لذلك لما وصلت ثورة الشام إلى هذا المنحدر الخطير الذي يهدد وجودها، فلا بد لقادة الفصائل من أن تتبنى مشروعاً سياسياً واضحاً منبثقاً عن عقيدة الأمة الإسلامية، تزيل به الغموض الذي يخيم على أهدافها وغاياتها، وبذلك تنزع فتيل الاقتتال فيما بينها؛ وتقطع الطريق على العابثين بمصير الثورة، ولا بد لقادة الفصائل من قيادة سياسية واعية ومخلصة تجنبهم الوقوع في الفخاخ التي ينصبها لهم الغرب الكافر؛ وتقود سفينة الثورة إلى بر النجاة، وبذلك تعود الثورة إلى مسارها الصحيح ويقطف أهل الشام ثمار تضحياتهم بأنفسهم.
كتبه لجريدة الراية: الأستاذ أحمد عبدالوهاب، رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير - ولاية سوريا، بتاريخ الأربعاء 1 شباط/فبراير 2017م
المصدر: http://bit.ly/2kRYKxJ