أسبوع أو أقل يفصلنا عن مؤتمر جنيف المزمع عقده في العشرين من الشهر الجاري؛ بعد جهود مكثفة لتثبيت وقف إطلاق النار الذي لم يتوقف يوماً في كافة أرجاء سوريا من شمالها لجنوبها ومن شرقها لغربها، فما زالت حمم الصواريخ تنهال على أهل الشام في مدينة إدلب وريفها والغوطة الشرقية وغيرها من المناطق الأخرى؛ تحت بصر العالم وسمعه دون أن يحرك ساكناً أو توقظ دماء الشهداء إنسانية غائبة، ولم يمنع كل ذلك المجتمع الدولي من متابعة سيره نحو عقد المؤتمر؛ بل لم يمنع ذلك أيضاً هيئة المفاوضات من تشكيل وفدها التفاوضي الذي بلغ عشرين شخصية عسكرية وسياسية تولى كبره "محمد صبرا" وترأسه "نصر الحريري" ليكون شاهد زور على بيع تضحيات أهل الشام ودماء شهدائها تحت مسمى الحرص على حفظ دمائهم؛ مفرطاً بمطالب أهل الشام تحت مسمى تحقيقها؛ وهذا الأمر قد درج عليه الكثير منذ زمن بعيد؛ فلا زالت الحقائق تتعرض للقلب ولا زالت الكلمات تتعرض للتحريف ما دام هناك أقوامٌ سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين.
إن المتتبع لمواقف ما يسمى "بالمعارضة السورية" يجدها لا تخرج عن السياسة الأمريكية قيد شعرة، ليس هذا فحسب بل يصورون مطالب الغرب الكافر على أنها مطالبهم هم، بل شرطاً من شروطهم، فوقف إطلاق النار في أرجاء سوريا كافة هو في الأصل مطلب أمريكي ابتدأته أمريكا بالهدن المناطقية ومحاولات مبعوثها الدولي دي ميستورا الحثيثة في تجميد القتال، لكن سرعان ما تبنته "المعارضة السياسية وحتى الفصائل؛ وجعلته مطلباً لها وشرطاً من شروطها للسير في العملية التفاوضية! ولم تتوقف عند هذا الحد؛ بل تابعت سيرها دون أن يتحقق مطلب من مطالبها، أو شرط من شروطها، ويبررون متابعة سيرهم هذا تحت شعار الحفاظ على ما تبقى ووقف نزيف الدم وغيرها من الشعارات التي تعني في الحقيقة بيع ما قد سلف من تضحيات ودماء؛ ومكافأة الجزار على جرائمه التي ليست آخرها المسلخ البشري الذي لم تجد منظمة العفو الدولية توصيفاً أكثر ملاءمة لما يحصل في سجن صيدنايا العسكري من جرائم يندى لها جبين البشرية.
لا يسعنا في هذا المقال إلا أن نذكِّر بالحل السياسي الأمريكي الذي يسعى المؤتمرون للتوصل إليه، فقد وضعت أمريكا معالمه بشكل مكشوف دون خجل أو حياء، فجعلت سقف المفاوضات دولة ديمقراطية تعددية تفصل الإسلام عن الدولة، وتحصره في المساجد، ناسفةً نظام حكمه "الخلافة" ونظامه الاقتصادي والاجتماعي وسياسته التعليمية والخارجية بما فيها الجهاد، هذه هي الدولة التي يسعى المؤتمرون للوصول إليها؛ وهذا أقصى ما تستطيع "المعارضة" تقديمه لأهل الشام المسلمين، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تابعت روسيا وكيلة أمريكا السير في طريق القضاء على ثورة أهل الشام وحرمانهم من قطف ثمارها؛ فصاغت دستور هذه الدولة ووضعت ملامحها التي تناقض شرع الله في الأصول والفروع مستخفة بتضحيات أهل الشام ودماء أبنائهم. هذا هو الحل السياسي الأمريكي الذي يعدوننا ويمنوننا به، قال تعالى على لسان شيطان الجن الذي يوحي إلى شياطين الإنس أمريكا وأحلافها وأتباعها ﴿وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا * يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا﴾.
إن السير في طريق المفاوضات معروفة نهايته؛ وسيودي بأهله إلى التهلكة والخسران، فالشمس لا يحجبها غربال والحقائق تنطق بذلك فهل من مدكر؟ قال تعالى: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾، هذه حقيقة. وقال عز من قائل: ﴿وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾، وهذه حقيقة أخرى. وقال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ﴾.
هذه حال من يسارع لحضور مؤتمر جنيف، أما أهل الشام فحالهم لا تخفى على أحد؛ وهم بحاجة إلى حشد القوى العسكرية من جيوش المسلمين تتبعها القوى المخلصة من الفصائل المقاتلة على أرض الشام فيضربوا النظام ضربة رجل واحد تقطع رأسه في دمشق وتقيم على جمجمته حكم الله؛ فتطوي بذلك ملف حكم جبري ذاق المسلمون خلاله شتى أنواع الظلم و القهر والتشريد والحرمان. فهل تتحرك جيوش المسلمين لنصرة أهلها؟ وهل تستيقظ أمة الإسلام من سباتها؟ لا شك في ذلك مهما طال الزمن، فلا بد من أن يهيئ الله سبحانه وتعالى لدينه أنصاراً كأنصار رسول الله يأخذون على عاتقهم نصرة الإسلام وحماية المسلمين؛ ولكن الأمر يحتاج للصبر والثبات حتى يأتي وعد الله، فالمستقبل لدين الله عز وجل مهما حاولت قوى الكفر مقاومة عودة الإسلام إلى معترك الحياة وانتشار دعوته، قال رسول الله ﷺ«ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام وذلاً يذل الله به الكفر».
كتبه لجريدة الراية: أحمد عبدالوهاب، رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير - ولاية سوريا، بتاريخ الأربعاء 15 شباط/فبراير 2017م
المصدر: http://bit.ly/2ko0Jht