يدرك أهل الشام يوماً بعد يوم كذب وخداع ما يسمى بالمجتمع الدولي بعد أن عاينوا عهودهم الكاذبة وتصريحاتهم الجوفاء، وقد كان الكثير من أهل الشام يعقد الآمال في تدخل دولي لإنقاذهم بعد أن بطش النظام بهم فور بدء الثورة، ولم لا فهي ثورة ضد نظام ديكتاتوري طاغية لا يتورع عن استخدام جميع أنواع الأسلحة وشتى أصناف القمع والتعذيب للبقاء في السلطة، وما كان هذا الرجاء إلا لما سمعوه من تصريحات كثيرة ساهمت في احياء الآمال بتدخل إقليمي أو دولي يسقط النظام ويترك للشعب اختيار نظامه بنفسه، وفيما يلي أهم أمثلة عن ذلك:
- التصريحات العديدة للمسؤولين الأمريكيين في إدارة أوباما، بأن بشار فقد شرعيته، وأن أيامه في السلطة باتت معدودة.
- تصريح الرئيس التركي (وكان رئيس للوزراء في ذلك الوقت) بأننا لن نسمح بحماة ثانية في سورية.
- التلويح بضربة عسكرية للنظام السوري بعد مجزرة الكيماوي في الغوطة الشرقية عام 2013م، وقد تفاءل أكثرية أهل الشام بتدخل عسكري غربي، شبيه بما حدث بتدخل النيتو ضد نظام القذافي عام 2011م.
- مئات التصريحات (إن لم نقل الآلاف) الصادرة عن المسؤوليين الأمريكيين والأوربيين والسعوديين والأتراك والقطريين وغيرهم بأن أي حل سياسي في سورية يجب أن يقضي برحيل بشار عن السلطة، وأنه من غير المقبول أن يبقى في السلطة بعد كل هذه المجازر التي قام بها.
إن ما ذكر سابقاً هو على سبيل المثال لا الحصر، فالمتابع لثورة الشام يجد نفاقاً وتآمراً من قبل الحكومات التي تدعي نصرة الشعب السوري القريب منهم قبل البعيد، لكن وبعد وصول ترامب إلى السلطة اختلف الأمر، فهو لا يختلف عن سلفه أوباما في نظرته إلى الثورة السورية إلا في الأسلوب، فأوباما يصرح أنه ضد النظام وهو يدعمه في الحقيقة، أما ترامب فلا يستحيي من دعمه علناً، واعتباره شريكاً في مكافحة "الإرهاب"، وفي سبيل كسر الإرادة الشعبية في الشام لاستمرار الثورة واسقاط النظام بكافة أركانه ورموزه، بدأت التصريحات والأفعال المضادة لما سبق، لنرى التالي:
- تصريحات إدارة ترامب الجديدة بأن رحيل بشار ليس أولوية للحل السياسي في سورية، بالتالي فبقاؤه على رأس النظام لإدارة الفترة الانتقالية مقبول علناً، وإن كانت أمريكا مستعدة للإطاحة بشخص بشار والابقاء على النظام بجيشه ومخابراته، فالمهم هو بقاء نفوذها ولا يهمها شخص العميل.
- التحول الدرامتيكي في العلاقات التركية الروسية والتي كان جون كيري مهندسها، فبعد لقاءات: لافروف - كيري المكوكية، بدأت لقاءات: لافروف - أوغلو، والتي أنتجت الاتفاق الثلاثي: الروسي الإيراني التركي، والذي يضم جهتين منخرطتين مباشرة في قتل الشعب السوري وهما روسيا وإيران، وفي الطرف الآخر تركيا التي تعتبر الداعم الأكبر للثورة السورية، انتج هذا الاتفاق ما سمي زوراً وبهتاناً: الهدنة، ومن ثم مفاوضات استانا التي ترفع شعار بقاء النظام.
- أخيراً وليس آخراً مجزرة خان شيخون الكيماوية، والتي هي رسالة للشعب السوري الثائر، أن آمالكم في المجتمع الدولي قد تحطمت، ها نحن نستخدم ذات الأسلحة المحرمة دولياً بعد أربع سنوات من استخدامها في الغوطة، ولن ينصركم أحد كما لم تنصروا سابقاً، ليس أمامكم إلا القبول بالإستسلام المسمى بالحل السياسي، وبقاء النظام في السلطة.
نعم إن كسر إرادة الشعب السوري المسلم هو الهدف، لكن كل شخص عاش تحت حكم عائلة الأسد يعرف جازماً بأن هذا النظام لن يفي بعهوده، وأنه سينتقم شر انتقام من كل من شارك بالثورة وأيدها، وسيكون عدد الشهداء في سجون النظام مستقبلاً أكبر من الشهداء الذين سقطوا حتى الآن (لا قدر الله)، نعم يجب أن يتحطم رجاؤنا بنصرة المجتمع الدولي ولكن ليس من أجل الإستسلام والقبول بالحلول المطروحة، بل من أجل أن نتوجه بالكلية نحو الله عز وجل، ((...فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) فاطر (1)، الذي لا يخلف وعده قال تعالى: ((وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)) النور (55)، وهذا لا يكون إلا باخلاص النية له وحده جل جلاله، وأن نتوحد على هدف يرضيه وهو إسقاط نظام الإجرام والطغيان في الشام وإقامة نظام الإسلام بدلاً عنه لتكون الشام المدينة المنورة الثانية، ولتحقيق هذا الهدف لابد أن ننقطع بالكلية عن طلب العون من أعدائه فلا يمكن أن تكون جندياً من جنود الله وأنت تأخذ راتبك الشهري من أعدائه، سواء كانت أمريكا أو أوربا بشكل مباشر أو عبر عملائهم في المنطقة، فإن فعلنا ذلك فيجب أن نثق بتحقيق وعد الله تعالى في قوله: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8)) محمد (7-8).
ينصرنا تعالى كما نصر كما نصر المؤمنين في معركة بدر وهم قلة، حيث أن الناظر لقلة عدد وعدة المسلمين، وكثرة وإمكانات الكفار يدخل الخوف في قلبه ويساوره الشك في نصر الله بسبب هذا الواقع الأليم، حدث ذلك قبيل معركة بدر و يحدث اليوم في سورية، فأمد رب العزة المسلمين في بدر بألف من الملائكة مردفين، وسيمدنا عز وجل متى شاء بملائكته إن نحن نصرناه، قال تعالى: ((إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ﴿۹﴾ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴿۱۰﴾ )) الأنفال (12)، وقد علق الحافظ بن كثير في كتابه البداية والنهاية على عدد الملائكة بأنه لتثبيت قلوب المسلمين فقط والعبرة بقدرة الله وجل، فقال: "وقد كانت جملة من قتل من سراة الكفار يوم بدر سبعين، هذا مع حضور ألف من الملائكة ، وكان قدر الله السابق فيمن بقي منهم، أن سيسلم منهم بشر كثير، ولو شاء الله لسلط عليهم ملكا واحدا فأهلكهم عن آخرهم، ولكن قتلوا من لا خير فيه بالكلية، وقد كان في الملائكة جبريل، الذي أمره الله تعالى فاقتلع مدائن قوم لوط وكن سبعا، فيهن من الأمم والدواب والأراضي والمزروعات، وما لا يعلمه إلا الله، فرفعهن حتى بلغ بهن عنان السماء على طرف جناحه ثم قلبهن منكسات، وأتبعهن بالحجارة التي سومت لهم، كما ذكرنا ذلك في قصة قوم لوط فيما تقدم "*
يا أهل الشام، لنعد إلى شعار ثورتنا الأول: يا الله مالنا غيرك يا الله.
* الحافظ ابن كثير، البداية والنهاية، المجلد الثاني، الجزء الثالث، ص322، دار الحديث القاهرة.
للمكتب الإعلامي لحزب التحرير - ولاية سوريا
مصعب الرشيد الحراكي