عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم لأصحابه : (أَنْتُمُ اليَوْمَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ تَأْمُروْنَ بِالِمَعْرُوْف وتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَر وتُجاهِدُوْنَ في اللهِ ثم تَظْهَرُ فيكُمُ السَّكْرَتَانِ سَكْرَةُ الجَهْلِ وسكرةُ حُبِّ العَيْشِ وستُحَوَّلُوْنَ عَن ذلك فلا تَأْمُرُوْنَ بمَعْرُوفٍ ولا تَنْهَوْنَ عَن مُنْكَرٍ ولا تُجَاهِدُوْنَ في اللهِ عَزَّ وجَلَّ القائمون يَوْمَئِذٍ بالكِتَابِ والسُّنَّةِ له أَجْرُ خَمْسِيْنَ صِدِّيقَاً قالوا يا رسول الله ! منَّا أَوْ مِنْهُمْ قال بل مِنْكُمْ). حديث صحيح، رواه أبو نُعيم في الحلية.
الشرح:
في هذا الحديث يشرح النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه عن الواقع الذي يعيشون فيه، وكون فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مطبقة بشكل مرضي وهو ما يجعل الأمة تتسم بالخيرية على باقي الأمم، كما قال تعالى (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) . [سورة آل عمران : 110]. وهذا يعني أن المجتمع الإسلامي في مأمن عن الانحراف ليكون ذلك المجتمع الذي أراده الله، مجتمع تسود فيه الفضيلة وتختفي فيه كل رذيلة.
وكانت فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مطبقة من قبل الدولة التي تملك التغيير باليد ومطبقة من قبل الأفراد الذين يعملون بهذه الفريضة، كلٌٌ في محيطه الذي يعيش فيه، كل ذلك طاعة لله ولأجل المحافظة على صلاح المجتمع وطهره ونقائه.
ثم عطف النبي صلى الله عليه وسلم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالجهاد فقال (وتُجاهِدُوْنَ في اللهِ) وهذا الجهاد هو جهاد الطلب الذي هدفه نشر الدعوة الإسلامية وفتح البلاد ولا يمكن القيام به على أتم وجه إلا بوجود دولة للمسلمين كما هو الواقع في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
بعدها قال (ثم تَظْهَرُ فيكُمُ السَّكْرَتَانِ سَكْرَةُ الجَهْلِ وسكرةُ حُبِّ العَيْشِ وستُحَوَّلُوْنَ عَن ذلك) ظهور الجهل هو التغشية التي طالت عقول المسلمين نتيجة الغزو الثقافي الشرس الذي تعرضت له الأمة الإسلامية ما أدى إلى تبدل المفاهيم ودخول مفاهيم غير إسلامية إلى جسد الأمة، وكان منها حب العيش والركون إلى الدنيا والرضى بالواقع الفاسد، وهو ما يعني تعطل فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعطل الجهاد ونشر الإسلام، كل ذلك سيحصل بعد أن يتمكن الكافر المستعمر من هدم الخلافة وإبعاد الإسلام عن سدة الحكم.
ثم تكلم النبي صلى الله عليه وسلم عن العاملين لإعادة حكم الإسلام ودولته فقال (القائمون يَوْمَئِذٍ بالكِتَابِ والسُّنَّةِ له أَجْرُ خَمْسِيْنَ صِدِّيقَاً) مما يدل على عظم أجر العاملين للإسلام ولأن ترجع أحكامه مطبقة في الدولة والمجتمع، ولكن المفاجئة الكبرى عندما سأل الصحابة الرسول صلى الله عليه وسلم فقالوا (يا رسول الله ! منَّا أَوْ مِنْهُمْ قال بل مِنْكُمْ) أي أن هؤلاء العاملين سيكون لهم أجر عظيم يفوق أجر الصحابة الذين يعيشون في ظل الدولة الإسلامية في رغد وبحبوحة من العيش، بينما تكون الثلة العاملة لإعادتها في آخر الزمان ثلة مستضعفة تتعرض للأذى والتضييق في العيش والسجن والنفي وقطع الأرزاق، ما يجعل الثابتين الصابرين على هذا العمل العظيم يستحقون أجراً كبيراً فهم على خطا النبي وأصحابه في الفترة المكية الذين قاسوا الأمرين حتى أكرمهم الله بالنصر والتمكين بإقامة الدولة الإسلامية الأولى في المدينة المنورة.
للمكتب الإعلامي لحزب التحرير - ولاية سوريا
أحمد الصوراني
للاستماع عبر اليوتيوب: