• ويبقى التاريخ المصدر الحافل بالدروس والعبر.. فهل من دارس للتاريخ ومعتبر؟!
• يُروى أن تيمورلنك لمّا أراد احتلال دمشق سنة /803/ هـ، وفشل في اقتحامها، عَرَض على أهلها تسليم المدينة ولهم الأمان! وخُدع بذلك قاضي قضاتها ابن مفلح الحنبلي، الذي راح يخذّل الناس عن القتال بحجة حقن الدماء وحفظ الديار! بل ويثني على تيمورَ ودينه! وغلب رأيُه على من خالفه، فنادى في الناس: "إنه من خالف ذلك قُتل وهُدر دمه".. فكفّوا عن القتال! وسُلّمت دمشق إلى تيمورلنك! الذي ما لبث أن ألزم أهلها أن يُخرجوا إليه ما لديهم من السلاح جليله وحقيره! وحلّ بأهل دمشق من البلاء ما لا يوصف من قتل واغتصاب وحرق وتنكيل!
• وحديثاً في نيسان من عام /1993/ م، وبعد أن طلبت الأمم المتحدة من مقاتلي مدينة سربرنيتشا المسلمين في البوسنة تسليم أسلحتهم خلال حربهم مع الصرب! مقابل ضمان أمن مدينتهم من قبل الكتيبة الهولندية التابعة لقوات حفظ السلام! واستجاب لها المقاتلون المدافعون عن المدينة وسلّموا أسلحتهم! فبعد ذلك دخلت القوات الصربية المدينة على مرأى ومسمعٍ من الجنود الهولنديين، وعزلوا الذكور ما بين /14/ و/50/ عاماً عن النساء والشيوخ والأطفال! وقتلوا الذكور الذين بلغوا ثمانية آلاف، وساقوا النساء إلى معسكرات الاغتصاب الجماعية!
• واليوم، وبإدخال القوات التركية إلى الشمال الغربي المحرر، هاهو نفس المشهد المؤلم يريد أن يتكرر، ويريد الأعداء الإيقاع بأهل الشام خداعاً بعد أن أرهقوهم قتالاً ومغالبةً، ويقوم "أبناء مُفلح"، شرعيّو المصلحة والمفسدة، وعرّابو التنازل والاستسلام، بنفس الدور الذي لعبه شيخهم قاضي القضاة الحنبلي.. فهل تنطلي هذه الخدعة على أهل الشام الثائرين، فيقبلون بوصاية النظام التركي الذي يتاجر بهم وبثورتهم منذ سبع سنين، وقد بعث بقواته أخيراً للقضاء على ثورتهم، وإعادتهم أذلاء خانعين إلى قبضة النظام؟!
• إن أي متابع منصف لمجريات الأحداث، منذ بداي الثورة وإلى الآن، ليدرك يقيناً أن الثورة لم تؤتَ من قبل من يُظهرون عداوتها، بل أُتيتْ من قبل من يدّعون صداقتها، وعلى رأسهم النظام العلماني في تركيا، الدولة العضو في حلف الناتو بقيادة أمريكا.. تركيا التي على أرضها اشتُريت ذمم القادة وبيعت الثورة، ومن قاعدتها العسكرية (إنجرليك) أقلعت الطائرات الحربية الأمريكية، ومن ممراتها المائية (البوسفور والدردنيل) عبرت السفن الحربية الروسية، وعلى حدودها وتحت جدارها العازل تم قنص المئات من النازحين، وأخيراً تجتمع مع الروس والإيرانيين في آستانة وتتعهد لهم بمنع الثوار من إطلاق النار على النظام، وتدخل بقواتها إلى الداخل لتحقيق ذلك! فهل لا تزال مَنْ هذه أفعالها صديقةً للثورة في عيون "أبناء مُفلح"؟! أم أنها الخيانة الصريحة؟!
• لقد آن لكل عاملٍ في هذه الثورة، مدني أو عسكري، له ذرةٌ من تأثير، أن يرى الواقع كما هو، بعيداً عن الأوهام والآمال، ويدرك أن وظيفة أردوغان لم تكن إلا احتواء ثورتنا العظيمة، عبر فتح بلاده بدايةً للنازحين، ومستشفياته للجرحى والمصابين، وإدخاله إلينا الخيام والأكفان وأكياس الطحين، وذلك كله لذر الرماد في العيون، وإيهامنا بأنه صديقنا وصديق ثورتنا، وإغفالنا عن حقيقة دوره الخبيث الذي يخدم به سيدته أمريكا، في الإجهاز على الثورة، عبر الانتشار العسكري لقواته في الداخل المحرر، ثم تحجيم الفصائل تدريجياً، وسحب السلاح جميعه من يد الثائرين بدءاً بالثقيل، وضرب من يبقى من المخلصين، وإعادتنا عرايا إلى النظام المجرم، ليكمل مهمته الأمريكية بتأديب الثائرين، عبر قتل الرجال واغتصاب النساء..
• وكذلك فقد آن لثوارنا أن يعوا حقيقة اللعبة، ويعلنوا رفضهم الصريح لكلا الخيارين الخاطئين، الذين تحاول وسائل المكر العالمي حصر خياراتهم فيهما، وهما إما أن يدخل الروس والإيرانيون، وإما أن يدخل الأتراك! وبالتالي فيجب علينا ـ كما يقول "أبناء مُفلِح" ـ اختيار أقل الضررين وأهون الشرين، وهو دخول الأتراك! نعم، يجب على الثوار والمجاهدين رفض هذين الخيارين جملةً، واختيار الطريق الثالث، وهو التوحد في كتلة عسكريةٍ واحدة، خلف قيادة سياسية صادقة حكيمة، قادرة على قيادتهم نحو إسقاط النظام وإقامة حكم الإسلام.
• فهل ينتهي "أبناء مُفلِح" من الشرعيين عن شرعنتهم لجرائم المجرمين؟! أم أنهم في غيهم سادرون؟!
للمكتب الإعلامي لحزب التحرير - ولاية سوريا
عبدالحميد عبدالحميد
رئيس لجنة الاتصالات المركزية لحزب التحرير - ولاية سوريا