ما زالت ثورة الشام تمر بالمنعطف تلو الآخر، فقد مرت بعدة فترات وأطوار حتى وصلت إلى ما هي عليه اليوم من تفرق وتشرذم، أُريد لها أن تصل إليه، وهذا لا يعني براءة الثورة وأن تبقى تسير دون وعي، ودون مشروع يوضح أهدافها والطريقة التي توصل إلى تحقيق هذه الأهداف، وهذا أيضاً ذريعة من يعمل على إعادة إنتاج النظام بحجة أننا لا نستطيع الانفصال عن النظام الدولي، وأننا يجب أن نضع في حسابنا إرادة هذا المجتمع الظالم الذي رأى المسلمون بعينهم في الشام وخارجها أنه لا ينظر إلى مطالب المسلمين في الشام إلّا من زاوية مصالحه فقط، ورأينا هذا التيار الذي يرى أننا لا يمكننا تجاهل المجتمع الدولي، وكيف أنه ذهب يسترضيه بافتتاح مركز أسماه مركز مكافحة (التطرف والغلو)، وكأن ثورتنا خرجت لمعالجة هذا المرض ألا وهو مرض (التطرف والغلو في الدين)، مع أن هذه الأمراض لا تعالجها مراكز وإنما تعالجها فقط الدولة الإسلامية، وطالما أن الدولة الإسلامية غير قائمة، فإنه من الغباء التفكير بهذه الطريقة للمعالجة، أما التيار الآخر الذي نظر وفكر وقدّر أنه يستطيع الضحك على الغرب بإقامة حكومة إنقاذ، يمكنه الاختباء خلفها، فقد كشف نفسه بأنه مستعد للتنازل عن أهدافه مقابل فتات يرمى له، ولم ير أن التجارب السابقة كتجربة حركة حماس في فلسطين كيف وصلت إلى التنازل عن كل مبادئها بل ومصالحة المجرم السيسي ورفع صوره في ميادين غزة! كل هذه النماذج المشوهة لطريقة التعامل مع الغرب ومجتمعه الدولي القائم على فكرة العلمانية ومبدأ فصل الدين عن الحياة، تدفعنا في الشام إلى التفكير ملياً، في حقيقة أهداف الثورة التي خرج بها أهل الشام، وكشفت به حقيقة النظام الدولي المتآمر على الشام وأهلها.
وهنا لا نريد أن نستعرض الأمراض التي يعرف الجميع أسبابها وكيف وصلت الثورة إلى الطريق المسدود؟ ومحاولة البعض تجاوز هذه العقبة عبر حركات يظن أنها تنفع في حسم الصراع بين الحق والباطل، الذي وجد مع وجود الإنسان، لذلك كان لا بد من حسم هذا الأمر وبيان زيف الأطروحات، وبيان حقيقة المعركة القائمة في الشام منذ سبع سنوات، أما التذرع بأن الناس قد تعبت وأننا يجب أن نوافق على مطالب الغرب وأن نجاريه بمواقفه من الإسلام، فإن هذه أكبر مصيبة ابتليت بها الثورة ممن يدّعون أنهم قائمون عليها، فالغرب يعلم ويفهم الإسلام جيداً، ويعرف طريقته، ويعمل ويمكر على تشويه حقيقته عبر أبنائنا من الطرفين: الأول الذي فهم أنه بحمل شعار الديمقراطية والحرية المجردة وفق رؤية الغرب، والثاني الذي لم يفهم الإسلام فهماً كاملاً فأتى بالعجائب، فأعلن خلافةً شوّه بها الإسلام وأساء إلى مشروع الأمة ومبعث نهضتها وعزّها، هذان الصنفان العجيبان اللذان لم يدرسا الإسلام، وفق طريقته بالدرس، واستخلاص الحلول للمشاكل التي تعترض طريق أمتنا في النهضة على أساس مبدئها، يقفون حجر عثرة في طريق الأمة وثورتها ويجب أن تتجاوزها.
إن الإسلام هو منهج الحياة الذي أنزله الله لعباده، وضمّنه المولى معالجات لكل المشاكل التي تعترض الإنسان في سيره في الحياة، ولذلك علينا قبل جلب الحلول لمشاكل ثورتنا أن نعرف من أين نأتي بهذه الحلول، أما أن نوصل الثائرين إلى الزاوية التي يريدها أعداؤنا ومن ثم نقول لهم ليس بالإمكان أكثر مما كان، فهذا هو التفكير الواقعي الذي ضرب جذور تفكير الأمة فأوصلها لأن تأخذ حلول مشاكلها من أعدائها، بل وجعله مصدراً لتفسير الإسلام لها!
أيها المسلمون في الشام! إن اتباع نهج محمد ﷺ وطريقته في التغيير هو الذي يجب أن يبحث، فالواقع الذي عاشه سيدنا رسول الله ﷺ يشابه الواقع الذي نعيشه كثيراً، إن لم نقل نفس واقعه، فالأحكام الشرعية التي يجب أن ننفذها لا يمكننا تطبيقها دون النظر في الواقع واستنزال الحكم الشرعي الذي يخص هذا الواقع، ومن هنا فعندما ننظر إلى واقع أهل الشام وقد تكالبت عليهم الأمم وهم ما زالوا صامدين صابرين، فإن هذا الواقع مرّ به رسولنا ﷺوصحابته الكرام، وبنظرة واعية نرى أن النبي ﷺ، أدرك أنه لا يمكن حماية المسلمين والدفاع عنهم، إلّا بإقامة دولة، تقيم دينهم وعقيدتهم، وتحفظ كرامتهم وحريتهم، وهذه الدولة ليست كأي دولة، ولأنها كذلك فقد سار بخطوات محددة توّجها بالانتقال إلى المدينة المنورة وإقامة دولته التي استمرت قرونا طويلة إلى أن هدمها الكافر المستعمر، وأمام هذا الواقع لابد أن نخلع الرؤى التي يراد لنا تبنيها بالشام، ورفضها بقياسها إلى الإسلام، فإقامة حكومة هنا وهناك، ليست من نهج النبوة، وموالاة الكفار وأخذ رأيهم أيضاً ليست من منهاج النبوة، أما نهج نبينا الكريم ﷺ فقد سطرته سيرته العطرة بأحرف من نور، فقد رفض نبينا ﷺ عرض قريش وهو بأمس الحاجة، فأصحابه معذبون على بطحاء مكة، وآخرون فارون إلى الحبشة من بطش الكفار، ومع ذلك لم يرض ﷺ بعروضهم، بل إنه لم يرض ممن عرض عليهم نصرة دعوته أن يُخِلّوا بشرط واحد، فقد أوردت السيرة النبوية المطهرة أن بني عامر بن صعصعة وافقوا على الإيمان بدعوة نبينا ونصرته، بشرط أن يكون لهم الحكم من بعده، ومع ذلك رفض ﷺ، بأبي هو وأمي، وكذلك فعل مع بني شيبان الذين وافقوا على نصرته بشرط أن يقاتلوا الجميع إلّا الفرس لأنهم مرتبطون معهم بعهود ومواثيق، نعم رفض النبي ﷺ هذه الشروط وهو بأمس الحاجة لها، ونرى قومنا اليوم يريدون الحلول من أعدائهم لما يعتري طريق تحررنا، فكيف ذلك يا قوم، وبعضهم سقط ووافق على عروض الكفار من أول الأمر؟!
إن الثورة بالشام تنتقل من مرحلة إلى أخرى وتسير على جمر الخيارات المخالفة للإسلام، ألم يأن الوقت يا أهلنا أن نستلهم هدي الحبيب المصطفى ﷺ برفض المشاريع الغربية الجاهزة، التي يقدمها لنا الغرب ولن تكون حميميم وسوتشي آخرها؟! إن أعداء الثورة ماكرون؛ يقدمون العروض فإن قبلنا وتخلينا عن شيء من الإسلام انتقلوا إلى عرض آخر ولن يكون في النهاية إلّا التخلي عن ديننا، بحجة وقف القصف والقتل وكأنه توقف، وكأن الكفار لهم عهد وذمة! وقد أخبرنا ربنا بذلك فقال: ﴿لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ﴾، ألا تريدون أن تكونوا كالذين مدحهم الله فقال: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾؟! فلتتوكلوا على الله يا أهل الشام ولتنبذوا أولئك الذين لا يريدون بكم إلّا خذلان الله لكم بتزيين موالاة الكفر بأنه حياة، وهو في حقيقته خزي في الحياة وعذاب في الآخرة... ﴿فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾.
كتبه لجريدة الراية: أحمد معاز، بتاريخ الأربعاء 8 تشرين الثاني/نوفمبر 2017م
المصدر: http://bit.ly/2m0rV78