انعقد ما بين 22 و24 من شهر تشرين الثاني 2017 مؤتمر الرياض2 لإعادة صياغة المعارضة السورية الصياغة النهائية وتشكيل وفد مفاوض منها يذهب إلى جنيف 8 في 28 من الشهر نفسه.
لقد كان التنافس واضحا بين القوى الدولية لفرض شخصيات المعارضة المصنوعة في دهاليز السفارات وأقبية المخابرات لتكون ممثلة للثورة رغما عن أهل الشام، هذه الشخصيات التي تشكل المنصات التي تنسب إلى الدول التي صنعت فيها كمنصة الرياض ومنصة القاهرة ومنصة موسكو وأشخاص يزعم أنهم مستقلون، ومن خلال الدعوات الموجهة لهذه الشخصيات كان هناك تقليص لحجم الشخصيات التابعة لتركيا و قطر وإن كان 90% من هذه الشخصيات المجتمعة بالرياض رَسَنُها بيد أمريكا مباشرة أو بواسطة وكلائها وعملائها من الدول المتدخلة في ثورة الشام، بل وحتى كيان يهود له حصة من هذه المعارضة كبسمة قضماني ومن لف لفها، ومن هنا فلا علاقة لهذه المعارضة بالشعب السوري أو بثورته.
إن أمريكا - التي استخلصت هذه المعارضة لتكون ديكورا يخفي بشاعة النظام المجرم عميل أمريكا - تريد الحفاظ على نفوذها في سوريا بإعادة صياغة نظام يحافظ على الدولة العميقة لدولة الأسد تفرض من خلالها حلا سياسيا تزعم أن الثورة آتت أكلها.
لقد كانت المؤتمرات عبارة عن فخاخ سياسية تطبخ فيها المؤامرات على ثورة الشام وتصنع القيادات المزيفة العميلة التي ارتبطت بأمريكا و الغرب وليس لها علاقة بالثورة ولا بالأمة، ولا تملك شعورا أو إحساسا بمأساتها وآلامها، وكان مؤتمر الرياض2 تتويجا لهذه المؤامرات لفرض شخصيات تتنازل عن دماء وتضحيات أهل الشام وتقبل بنظام علماني عميل يحارب الإسلام وأهله.
وفي مؤتمر الرياض2 دمجت المنصات والمعارضات والشخصيات التي صنعها النظام والروس مع الائتلاف الوطني والهيئة العليا للمفاوضات لتشكيل النسبة المعطِّلة لأي قرار يطالب بالإطاحة بالنظام ولتفرض رؤية موسكو و إيران وكلاء أمريكا في حماية النظام وفي كيفية الانتقال السياسي الشكلي الذي لا يغير من بنية هذا النظام شيئا بل يحافظ على أجهزته الأمنية والعسكرية وتركيبة مؤسساته السياسية والإدارية داخليا وخارجيا.
وكان من أبرز القرارات في مؤتمر الرياض2 ما يتعلق برحيل الأسد؛ حيث كانت صياغة هذا البند في البيان الختامي ملتبسة لتلبس على المغفلين المؤيدين لمسار التفاوض وتتوافق مع رؤية موسكو وإيران في بقاء الأسد رئيسا للمرحلة الانتقالية وحقه في الترشح للانتخابات الرئاسية، مما يشطب عنه صفة مجرم الحرب وقاتل الشعب ويجعل رحيله بعد ذلك غاية المنى والإنجاز المطلوب!!
إن الأخطر من بقاء الأسد في المرحلة الانتقالية وإن رحل بعد ذلك هو بقاء الدولة الأمنية البوليسية المركزية التي تشكل المناعة ضد أي تقدم نحو الحكم بالإسلام.
إن مؤتمر الرياض2 وما سبقه من مؤتمرات لتمييع وتضييع أهداف الثورة وفرض معارضة عميلة مرتبطة بأمريكا وعملائها من الدول ليدل على التركيبة الفاسدة لهذه المعارضة وكيفية تصنيع العملاء كما هو حال تركيبة الأنظمة في البلاد الإسلامية وهيكل علاقاتها الدولية من تبعية وعمالة...
إن هذه المعارضة المصنوعة والنظام يشكلون طيفا واحدا من عملاء أمريكا الذين تعول أمريكا عليهم لتقرر عبرهم مصير الشعب السوري وتضع له دستورا وتصنع له نظاما جديدا يحفظ نفوذها ومصالحها عبر ما يمثله هذا الحل السياسي من تشكيل قيادة هي لوبيات لعملاء أمريكا وأُجرائها من روس وإيرانيين وسعوديين وأتراك.
إن ما أنتجه مؤتمر الرياض2 من معارضة لا تصلح لتكون قيادة حتى بالمفهوم العلماني الديمقراطي؛ لأن القيادة السياسية هي التي يتخذها الناس عبر مشروع سياسي وبرنامج انتخابي يعطيها التمثيل الشعبي، أما في البلاد الإسلامية فتصنعهم سفارات ومخابرات الدول ليكونوا أدوات لتحقيق مصالحها ضد مصالح أمتهم وشعبهم.
وأما استقالات رياض حجاب ومن معه، فالراجح فيها أنها تلميع لهم ووضعهم كلاعبي احتياط يستخدمون في لحظة حاسمة قد تقتضيها المرحلة القادمة وما يحصل فيها من مستجدات ومتغيرات تقتضي إظهارهم كـ(معارضة شريفة!) كما حصل عند النظام بوضع فاروق الشرع كاحتياطي للنظام على أنه لم تتلطخ يداه بالدماء. نعم هذه هي لعبة تصنيع القادة العملاء وفرضهم على الشعوب التي تثور لإعادتهم إلى قيود المنظومة الدولية للحفاظ على مصالح الاستعمار ونفوذه في بلاد المسلمين ومنعهم من إقامة دولة على أساس الإسلام، وهكذا تمارس اللعبة على كل الثورات وحتى في تغيير الرؤساء في البلاد الإسلامية، فلا تنخدعوا أيها المسلمون بهذه المؤتمرات والترتيبات وما ينتج عنها من قيادات.
أما في الإسلام فإن القيادة تتكون على أساس شرعي من اتباع القيادة السياسية لنهج النبوة والكيفية التي حصل بها الرسول ﷺ على قيادة أمته؛ وذلك عبر طرح مشروع سياسي للأمة ينبثق من عقيدتها يمثل حلا فكريا وسياسيا يؤمن الاستقرار والنظام ويحل مشاكل الناس كلها، فالأمة هي التي تختار قيادتها من خلال طرح المشروع السياسي عليها وفهمها لهذا المشروع واقتناعها به فتعطي قيادتها لمن حمل إليها المشروع الصحيح الذي يوافق فطرتها ويقنع عقلها.
نعم هذه هي طريقة الإسلام في صناعة القيادة وبناء الدولة و الأمة، وهذه الطريقة وحي من الله سبحانه طبقه رسول الله ﷺ وسار عليه المسلمون في ظل الخلافة ثلاثة عشر قرنا من الزمان.
واليوم لا خلاص لأهل الشام وللأمة جمعاء من أنظمة العمالة والضرار إلا بحمل مشروع الإسلام واتباع طريقته في إقامة دولته؛ وذلك بإعطاء القيادة السياسية على أساس مشروع واضح منبثق من عقيدة الأمة ودينها.
كتبه لجريدة الراية: محمد سعيد الحمود، بتاريخ الأربعاء 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2017م
المصدر: http://bit.ly/2AISG6K