يحكى أن زعيمي دولتين اجتمعا وخرجا بمؤتمر صحفي قالا فيه: اتفقنا على إبادة مليون شخص وطبيب أسنان، فما كان من الحضور إلا التساؤل باستغراب ولماذا طبيب الأسنان؟!
بهذا الأسلوب استطاع الزعيمان أن يصرفا نظر الحضور عن لبّ الموضوع إلى هامشه، وهو ما يُعرف بالتضليل السياسي، الذي طالما استخدمه الغرب الكافر لننشغل بالقشور عن عظائم الأمور. ولعلّ أبرز مثال الآن هو ثورة الشام؛ إذ بلغ التضليل السياسي بالتزامن مع التآمر العالمي حدّاً غير مسبوق، فصاروا يُراوحون بين من يُريد بقاء طاغية الشام أسد ومن يقبل بفترة انتقالية بوجوده أو يشترط عدم وجوده، ليصوروا لنا أن مشكلتنا ببشار وليست بالنظام، كل ذلك لأنهم استشعروا قرب استيقاظ المارد الإسلامي، فلم يألُ الكفار وأذنابهم جهدا في إلباس ثورة الشام ثوب العلمانية البالي، فهل هي حقاً كذلك؟!!
يطلق مصطلح العلمانية للتعبير عن فصل الدين عن الحياة، وقد أتى هذا الفصل كحل وسط للصراع بين الكنيسة التي تثبت حقها الإلهي أن تحكم باسم الرب، وبين الملاحدة الذين ينكرون وجود الله ويعتبرون الدين أفيون الشعوب، فجاء هذا الحل الرضائي ليثبت الخلق لله والأمر للبشر، فالله خلقنا وكفى، أي ترك لنا أن نعيش كما نريد لا كما يُريد هو!! فأطلقوا العنان للغرائز وانحدروا إلى ما دُون البهيمية فكثر الخبث و الفساد في البر والبحر، وتشهد بذلك إحصائياتهم عن عدد الجرائم والتفاوت الطبقي الشديد والقائمة تطول...
وظهرت النفعية والرابطة المصلحية وبُنيت المجتمعات على أفكار مُدمّرة وهدّامة من مثل (الدين لله و الوطن للجميع) و(الغاية تبرر الوسيلة) و(دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله) فعاشوا في ظلمات بعضها فوق بعض، مكبين على وجوههم يتحقق فيهم قوله تعالى ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾.
هذه هي العلمانية وهذا هو واقعها، ومن رغب بها فليذهب إلى طاغية الشام أسد الذي لطالما افتخر بأنّ سوريا آخر قلاع العلمانية.
أمّا ثورة الشام فقد خطّت مسارها من أول لحظة وأعلنت هويتها بشعاراتٍ مقصودها العيش في ظل أمجاد الإسلام التليدة والموعودة، فصرخت "هي لله" و"قائدنا للأبد سيدنا محمد" مُتخذينه - صلوات ربي وسلامه عليه - أسوة في جميع مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية...
وحتى من انبرى للذود عن حرمات أهل الشام بعد أن أوغل الطاغية بدمائهم، فإنّما خرجوا للجهاد في سبيل الله وشكّلوا جماعات وفصائل سموها بأسماء إسلامية، وهكذا حتى ترسخت ثوابت الثورة فكانت إسقاط النظام بكافة أركانه ورموزه وإقامة حكم الإسلام على أنقاضه، وقدمت في سبيل ذلك الغالي والنفيس، ومن يطلب الحسناء لم يغله المهر، فكان أن اجتمع على أهل الشام القاصي والداني والقريب والبعيد، كلٌّ يؤدي دوره المرسوم له؛ فالرأس واحد؛ أمريكا، والهدف واحد؛ الحفاظ على نظام أسد العميل لها وقطع الطريق على المشروع الإسلامي، والأدوات واحدة؛ ملمس الأفاعي الناعم تركيا و قطر و السعودية و الأردن، والوجه الخشن روسيا و إيران وحزبها في لبنان.
فالجهود الضخمة من مؤتمرات ومؤامرات تصب الآن في تثبيت النظام بمؤسستيه الأمنية والعسكرية وبحث صياغة دستور وتهجين المعارضة المحسوبة على الثورة مع (المعارضة) التي صنعها النظام مترافقاً ومسبوقاً بتصريحات تحصر العداوة (بالإرهاب) الذي أطلقوه على الإسلام.
فهل بعد كل هذا يأتي من يقول عن ثورة الأمة في الشام إنّها علمانية؟! فهذا أحدُ اثنين؛ إما جاهل مخدوع أو خائن عميل.
فيا أهل الشام، يا من خرجتم من المساجد وأيقنتم أن النصر بيد الله وأنه يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء: لا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا، اثبتوا على ثوابتكم وأكملوا طريقكم فإنما النصر صبر ساعة واعلموا ﴿إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾، واحذروا ﴿وَلا يسْتَخِفَّنَّك الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ﴾.
كتبه لجريدة الراية: عامر سالم أبو عبيدة، بتاريخ 27 كانون الأول/ديسمبر 2017م
المصدر: http://bit.ly/2lepgDa