مقتطف من مقال في جريدة الراية العدد (549) بعنوان:
رفع العقـوبات الأمريكية عن سوريا والقفز على الحقائق السياسية والعقدية
ناصر شيخ عبد الحي
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
إن أمريكا والغرب لا يعطون شيئاً دون مقابل، وهذا ما أكدته تصريحاتهم بأن رفع العقوبات مرتبط بما قدمه حكام سوريا من التزامات، فهو رفع مشروط يهددون بإعادته متى شاءوا، يستخدمونه كأداة ضغط ناعمة متعلقة بملفات تمس السيادة مباشرة، لفرض تنازلات أمنية وسياسية واقتصادية، وملفات التبعية و"اتفاقات أبراهام" والتطبيع مع كيان يهود ومحاربة الإسلام، وفرض دستور علماني، وتسخير ثروات البلاد عبر اتفاقات مجحفة خدمة لمصالحهم تحت ذريعة الاستثمار والتنمية، وكلنا نذكر اعتبار وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، تعليق العقوبات أنها ليست "شيكاً على بياض"، وأن "الاتحاد الأوروبي لن يصبح ممولاً للهياكل المتطـرفة أو الإرهابية أو الإسلامية الجديدة"، وكلام مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي كايا كالاس أنه "بينما نهدف إلى التحرك سريعا لرفع العقوبات، يمكننا العدول عن ذلك إذا اتُخذت خطوات خاطئة".
إن فرصة ترامب المزعومة ليست فرصة للتحرر أو السيادة، بل تراها أمريكا دعوة للخضوع وإعادة الاصطفاف تحت عباءتها بعيداً عن ثوابت الثورة وأهدافها، وبالتالي فهي ليست مكرمة إنما صفقة مشروطة بثمن سيادي مسبق الدفع أو مؤجله.
إن حكام الأنظمة العلمانية في بلاد الإسلام الذين يفرطون بمئات المليارات من أموال الأمة تحت مسمى الاستثمارات خدمة لأمريكا وإرضاء لها، لن يكونوا حريصين على مصلحتنا، وهم يفرطون بثرواتنا.
إنّ سياسة ترامب العنجهية لا تُقابل بالخنوع وتقديم فروض الطاعة كما يفعل حكام بلاد المسلمين الخاضعون المفرطون، إنما المطلوب تجاهها مواقف مبدئية تفرضها علينا عقيدتنا وأحكام ديننا وعزة إسلامنا دون خوف من شرق أو غرب، فالله وحده أحق أن نخشاه وهو وحده مالك الملك يؤتيه من يشاء وينزعه ممن يشاء.
إن مجرد التفكير بالتواصل مع كيان يهود مهما كانت تبريراته هو جريمة كبرى، وإن تصريحات التعايش مع الجوار والانفتاح على الفجار كمقدمة للتطبيع و"سلام الشجعان" لينذر بخطر عظيم. وإن الخضوع لمحاولات أمريكا فرضَ اتفاقيات التطبيع مع كيان يهود الذي يحتل مقدساتنا ويدنس أقصانا ويقصف أهلنا في غزة ويبيد أحياءها ويمزق أطفالها أشلاء بدعم أمريكي غربي، والسعي لفرض "اتفاقات أبراهام" التي تمس ديننا وعقيدتنا، لهو منزلق خطير وشر مستطير يجب الحذر منه والتحذير من الوقوع فيه، فقضية فلسطين قضية عقيدة ودين لكلّ المسلمين ولا يمكن بحال من الأحوال أن يكون التنازل عنها ثمناً لكرسي حكم معوج لن يُترك صاحبه مستقراً عليه إلا إلى حين. وإن الكيان الغاصب لا ينفع معه خطاب المسالمة والمداهنة والملاينة ولا استجداء السلام. إنما هو حل واحد لا ثاني له مسطور في سورة الإسراء: ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً﴾.
إن رهن قرارنا وتسليم قضايانا لأعدائنا هو انتحار سياسي، وخلاصنا هو بأيدينا لا بأيدي أعدائنا الذين يتربصون بنا الدوائر، وإن المواقف المبدئية العقدية التي تفرضها ثوابت ديننا هي التي يجب أن تكون المنطلق في كل عمل وموقف سياسي بعيداً عن مصالح آنية موهومة مزيّنة ومدفوعة بضغط الواقع، فالمواقف البراغماتية يأباها ديننا وأنفة رجالنا.
هذا هو وحده طريق العزة لمن أراد بعيداً عن سراب الأوهام السياسية والاقتصادية والأمنية الكاذب، التي يأملها من يرجو من الشوك العنب، وبعيداً عما يقرره الغرب لنا من تشريعات وما يفرضه علينا من إملاءات.