
إن المتتبع لأحداث السودان في السنوات الأخيرة المطلع على تفصيلات الأحداث هناك يعلم يقينا أن الصراع الحالي بين الجيش بقيادة البرهان وميليشيا الدعم السريع بقيادة حميدتي هو صراع مصطنع بين أدوات أمريكا، والهدف السياسي منه هو تمزيق السودان من جديد وقطع الطريق على أزلام بريطانيا. وإن مما يحزن القلب ويفطره أن يكون الصراع بأدوات محلية والضحايا هم الشعب المسلم الأعزل.
وكما قلت سابقا أن المتتبع للأحداث يعلم حقيقة ما أتكلم به، فبعد سقوط البشير قامت الحركات المدنية صاحبة الوزن في الشارع بالمطالبة بحكم مدني يحكم البلاد ويكون الجيش تابعا لها منفذا لسياساتها وهو أمر ظاهره خير وباطنه سحب البساط من تحت أزلام أمريكا لصالح النفوذ البريطاني، فتم افتعال صراع بين الجيش بقيادة البرهان وقوات الدعم السريع الموالية للبشير والمعترف فيها حكوميا لسحب الاضواء عن طلبات الحكم المدني، إذ لا صوت يعلو فوق صوت المعركة. ومن المعلوم أن ميليشيا الدعم السريع لا تمتلك السلاح والعتاد الذي يساعدها على الصمود أمام الجيش المدجج بالترسانة العسكرية القادر على سحق الميليشيا والقضاء عليها سريعا، ومع ذلك امتد الصراع لقرابة العامين مع تهاون وتوقف الجيش عن مؤازرة الكثير من المناطق التي كانت تحاصرها ميليشيا الدعم السريع وآخرها مدينة الفاشر الاستراتيجية، حتى انسحب الجيش منها انسحابا تاركا المدنيين العزل لمصيرهم المروع من المجازر والقتل وتم فعليا الانتهاء من تهييء البلاد لتقسيم جديد بين شرق وغرب حسب تموضع قوات كل فريق مع عدم السماح بحسم المعركة حاليا لأي طرف وفي ذلك تفصيلات كثيرة لمن احب أن يطالع .
وما يهمنا الآن في المشهد السوري هو عدم تكرار نفس السيناريو بإشعال فتن ترهق البلاد والعباد متى ما أرادت أميركا، فعندنا قسد لا تخفي عمالتها لأمريكا بل تفتخر بذلك، ونحن نرى ركض الإدارة الجديدة وسعيها الدؤوب لنيل رضا السيد الأمريكي والتزلف له لاعتقادها أن هذه الوصفة هي الأنجح لنيل السلام والاستقرار والازدهار المزعوم.
إن إطلاق يد الأمريكي في بلادنا بكل هذه الأريحية لن يجلب إلا الخزي والعار وضنك العيش، لن يجلب إلا التراجع والدمار، فنحن بنظرهم بقرة متى ما جف حليبها مصيرها الذبح. وإنه من المخجل أن نضطر لنذكّر دائما أن أمريكا عدو والسير في ركابها مهلك لنا ولأطفالنا من بعدنا، وإنه وإن كان الوقوف في وجهها وقطع يدها عن التدخل في الشؤون الداخلية صعب ومكلف، لكن، والله، إنه لأخف بكثير من فاتورة السير في ركابها، فهي لن تجعلنا نحصل الدنيا لنصيبها وستسعى لتفسد علينا آخرتنا، والشواهد على ذلك كثيرة في بلاد المسلمين عن إجرام حكام البيت الأبيض وفسادهم وسرقتهم لخيراتنا ولن يشعروا بحرج أو تأنيب ضمير إن سالت الدماء أنهارا أو تشرد الشعب بالبراري ما دامت مصلحتهم تقتضي ذلك.
إن الصبر على مر الدواء وصعوبة العلاج أنجع بكثير وأطول أثرا من الاكتفاء بأخذ المسكنات المؤقتة والسماح للمرض بالانتشار بكل أنحاء الجسم.
إن الحضارة الغربية في تراجع وانحدار وتفتت وهي تنتظر من يبدأ أولا بمواجهتها والوقوف في وجهها بمشروع بديل عنها ليظهر عوارها وتذهب قوتها، ونسأل الله أن نكون شهود ذلك اليوم وأن يكون لنا سهم في هدم تلك الحضارة التي أورثت البشرية الخراب والدمار.
كتبه للمكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
إياد أبو حازم
