
يقول الله عز وجل مخاطبا عباده المؤمنين:
{ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون}. (هود:113).
فسر أئمة اللغة (الركون) بمطلق الميل والسكون إلى الشيء. وذكر القرطبي أن حقيقة الركون في اللغة الاستناد والاعتماد والسكون إلى الشيء والرضا به.
وللسلف أقوال في المقصود من هذا النهي القرآني؛ فالمنقول عن ابن عباس رضي الله عنهما قولان: أحدهما: النهي عن الركون إلى أهل الشرك. ثانيهما: النهي عن مداهنة أهل الظلم، على معنى قوله تعالى: {ودوا لو تدهن فيدهنون} (القلم:9)، والمداهنة نوع من النفاق والمصانعة، ومداهنتهم تكون بالرضا على ظلمهم وعدم الإنكار عليهم.
وروي عن أبي العالية، قوله: {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا}، يقول: لا ترضوا أعمالهم.
وقال الطبري في معنى النهي: ولا تميلوا، أيها الناس، إلى قول هؤلاء الذين كفروا بالله، فتقبلوا منهم، وترضوا أعمالهم. قال ابن كثير تعقيبا على قول الطبري: وهذا القول حسن، أي: لا تستعينوا بالظلمة، فتكونوا كأنكم قد رضيتم بصنيعهم.
وهذه الأقوال كلها متقاربة المعنى، تفيد النهي عن الرضا والقبول بما يفعله أهل الكفر والظلم.
وقد استخدم القرآن الكريم لفظ (الركون) وهو مطلق الميل، ما يفهم منه من باب أولى المنع من موالاة أهل الظلم ومناصرتهم. فالتعبير بـ (الركون) يحمل دلالة أبلغ على المراد من هذا النهي، على حد قوله تعالى: {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه} (المائدة:90). فالتعبير بـ (الاجتناب) أبلغ من التعبير بقوله: (لا تشربوا الخمر، ولا تتعاطوا الميسر...).
وعلى الجملة، فإن لفظ (الركون) دال على النهي عن الميل إلى الذين جعلوا الظلم شعارهم، وتخطوا حدودهم، وجاوزوا الحق.
وقد رتبت الآية الكريمة نتيجتين على الركون إلى أهل الكفر..
أولهما: دنيوية، وهي عدم النصر والمعونة من الله.
ثانيهما: عذاب النار في الآخرة.
وهاتان النتيجتان مستفادتان من قوله تعالى: {فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون}، فكأنه سبحانه يقول لنا: إنكم إن رضيتم بمسلك أهل الظلم، ومشيتم في ركابهم، وناصرتموهم في باطلهم، مستكم نار جهنم في الآخرة، ولم ينصركم الله في الدنيا، بل يخليكم من نصرته، ويسلط عليكم عدوكم.
قال ابن عاشور: هذه الآية أصل في سد ذرائع الفساد المحققة أو المظنونة، حسب تعبيره.
فكل ما أدى إلى تعطيل فرض شرعي فلا يجوز قربانه، وكل ما أدى إلى تحريم ما أحل الله فلا يجوز إتيانه، وكل ما أدى إلى تحليل ما حرم الله فلا يجوز تناوله.
وقال الحسن البصري :
جعل الله الدين بين لائين: {ولا تطغوا}، {ولا تركنوا}. فقد لخص الحسن الدين كله بأمرين: النهي عن الطغيان، والنهي عن الركون إلى الظالمين. وفي هذا دلالة على أهمية تجنب الركون إلى أهل الظلم؛ لما في ذلك من توهين لأمر الدين، وإضعاف لشأنه.
فيا أهل الشام ، بعد هذا البيان الشافي لحكم الركون للظالمين و بعد بيان معنى الركون، هل بقي شك أن الانضمام لحلف المشركين حرام؟
وخصوصا أن هذا الحلف يرفع شعار واضحا لا لبس فيه انه لمحاربة الإرهاب أي الإسلام، وكلنا يعلم ما هو الإرهاب في نظر أميركا وأوروبا، ففي مقابلة تلفزيونية مع شبكة CNN عام 2016، صرّح دونالد ترامب بأن "الإسلام يكرهنا"، هذا التصريح جاء ضمن سلسلة من المواقف التي اتخذها ترامب خلال حملته الانتخابية، والتي شملت دعوته إلى فرض حظر مؤقت على دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة، وهو ما اعتبره كثيرون استهدافاً مباشراً للدين الإسلامي وليس فقط للمتطرفين أو الإرهابيين،
و قال جيري فالويل في مقابلة مع برنامج "60 دقيقة" على شبكة CBS الأميركية، قال : "أعتقد أن محمد كان إرهابيًا، لقد قرأت ما يكفي عن تاريخ حياته الذي كتبه مسلمون وغير مسلمين".
و قال وصف روبرتسون وهو قس أميركي آخر، النبي ﷺ بأنه متعصب.
وقد وصف فرانكلين غراهام، نجل القس الشهير بيلي غراهام، الإسلام بأنه ( دين شرير).
أما إيلون ماسك (رجل أعمال ومستشار سابق لترامب) وصف بعض المنظمات الإسلامية الأميركية بأنها "منظمات إرهابية".
و أما الفرنسي جيرالد دارمانان (وزير الداخلية الفرنسي السابق وهو الآن وزيرا للعدل) صرّح بأن "الإسلام السياسي" هو أبرز خطر يتهدد فرنسا وأوروبا ، واعتبر أن "الإرهاب السني" هو التهديد الأول للأمن الأوروبي ، في تصريحات أدلى بها خلال زيارة للولايات المتحدة.
و أما الهولندي (خيرت فيلدرز ) معروف بتصريحاته العدائية تجاه الإسلام ، وقد وصفه علنًا بأنه "أيديولوجيا إرهابية" وطالب بحظر القرآن وإغلاق المساجد .
هذا بعض ما بدا من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر ،
فيا أهل الشام ، ألم ينصرنا الله سبحانه وتعالى على طاغية الشام من غير حول منا ولا قوة؟
أبعد ان أكرمنا ربنا جل جلاله بالنصر نترك كتابه وسنة نبيه ونحالف أعداءه ؟
أليس هذا الحلف هو من دعم النظام البائد من فوق الطاولة تارة ومن تحتها تارة أخرى ، ومرة كان يدعمه بستار ومرة من دون ستار ؟
هل نسيتم تصريح ديمستورا ( المبعوث الامريكي ) عام 2014 أن الأسد جزء من الحل وليس جزء من المشكلة وكان أول مسؤول (من الدول التي كانت تزعم زوا ونفاقا صداقة الشعب السوري) يعطي هذا المجرم شرعية بحجة أنه يحارب الإرهاب ؟
ثم من هم الإرهابيون في نظر أميركا وغيرها من دول النفاق قبل سقوط النظام البائد بيوم واحد ؟ ألسنا نحن المسلمين فيما كان يعرف ( بالمحرر )؟
هل تصدقون ابتسامات ترامب الذي وقف ومازال يقف مع كيان يهود في حربهم على غزة العزة ؟
لا يغرنكم قول من في قلبه مرض إننا ضعفاء وإننا لا نقوى على تحقيق باقي أهداف ثورتنا التي تتمثل بإنهاء نفوذ دول الكفر والاستعمار من بلادنا وإقامة شرع الله عز وجل ، حتى لا نقع فيما نهانا الله تعالى عنه، فقد قال تعالى:
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ ۚ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52).
ولا يغرنكم قول من أفتى بجواز الانضمام للحلف الصليبي وجاء بشبهات ما أنزل الله بها من سلطان ليلبس على المسلمين أمر دينهم ، فلا يقال أنه يجوز الاستعانة بالكافر على قتال المسلم في حال الضرورة ، لأن الواقع عكس ذلك تماما، فالحقيقة هي أن الكافر هو من يستعين بالمسلم لقتل المسلم بحجة الإرهاب ، وكلنا يعلم أن عداء أميركا وأوروبا للإسلام والمسلمين لا يقتصر على جماعة بعينها وكلنا يعلم ماذا فعلت أميركا بأفغانستان والعراق وما فعلته فرنسا في تونس والجزائر وما فعلته بريطانيا في مصر والقائمة تطول ، والله تعالى يقول :
(وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ).
والحمد لله رب العالمين.
كتبه للمكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
سامر عيد
