
عندما وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة، وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، وهو اليوم الذي نجَّى فيه الله تعالى سيدنا موسى عليه السلام من فرعون، وشق له البحر فأنجاه، وأغرق فرعون وجنوده في البحر. في هذا المشهد العظيم، يوضح لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يجب أن نتعامل مع ذكرى نصر الله لنا، ألا وهي تعظيم هذه الذكرى، وشكر الله سبحانه وتعالى على نعمه، وزيادة في طاعته، وتأكيدًا على اعترافنا بفضله وطلباً لرضاه.
وفي هذا السياق، نتأمل في قول الله تعالى: (قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون). في قوله تعالى: (عسى ربكم أن يهلك عدوكم)، يقين بأن هلاك أعدائنا أمر مؤكد، إذا آمنا بالله وتوكلنا عليه، وركنا إلى نصره، فلم يترك الله سبحانه وتعالى للمظلومين إلا أن يلتجئوا إليه ليبدل ضعفهم قوة وذلهم عزاً.
أما قوله سبحانه: (ويستخلفكم في الأرض)، فإشارة عظيمة إلى أن الله سيمنحنا مقام الخلافة بعد زوال الطغاة ليحل محلهم العدل والحق، حيث نكون خلفاء الله في الأرض، نعمل على نشر شرعه، وإقامة حدود دينه، ونسعى لإخراج الناس من عبودية البشر إلى عبودية الله، وأن نكون سادة في الإيمان، لا عبيداً للظالمين.
أما قوله تعالى: (فِيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ)، فهو تذكير عميق لنا بأننا تحت عين الله تعالى، الذي يراقب أعمالنا بعد النصر، كيف سنكون بعد أن رفعنا من الذل إلى العز، ومن الضعف إلى القوة. هل سنستغل هذه النعم في الطاعة والعبادة وتحكيم الإسلام، أم سنسرف في الاستجابة لهوى النفس وفساد الطواغيت..
واليوم، وبعد أن نصرنا الله على فرعون هذا العصر، ماذا نحن فاعلون؟
إيانا، يا أهل الشام، أن نكون مثل بني إسرائيل الذين قالوا لموسى عليه السلام بعد أن أكرمهم الله بالنصر وبعد أن مروا على قومٍ يعكفون على أصنام لهم : (يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة).
إيانا أن ننظر إلى حكومات وأنظمة الملك الجبري، فنقول: لنصنع مرجعية كما لهم مرجعية، ولنتخذ المجتمع الدولي قبلة لنا كما لهم قبلة، فنكون بذلك قد وقعنا في نفس فخ الجهل والانحراف الذي وقع فيه أولئك الذين اتبعوا ضلال الطواغيت، وحينئذٍ نصبح في فوضى وضياع. فلنتذكر أن هؤلاء قوم متبر ما هم فيه، وباطل ما كانوا يعلمون.
فلنكن كما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين صنعوا معجزة في التاريخ، إذ أقاموا صرح الإسلام العظيم، وأسسوا دولة الحق التي سادت بقيم الإسلام، وعمروا الأرض بنور الهداية. هؤلاء الأبطال الذين نشروا نور الإسلام في أصقاع الأرض، وأضاؤوها بعد ظلمات الشرك، وأحيوا الحياة بعد أن كانت خراباً.
فعلينا طاعة أمر الواحد القهار وعصيان أمر الكفار. قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ، بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ).
نسأل الله أن يعيننا على الثبات على الحق، وأن يرفعنا من الذل إلى العز، ومن الضعف إلى القوة، وأن يجعلنا من الذين ينصرون دينه ويقيمون شرعه في الأرض، إنه سميع مجيب.
كتبه للمكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
وائل مسعود
