الخبر:
كما هو الحال كل عام تُعِدُّ مؤسساتُ الإعلام الرسمية في برنامج سنوي نظرةً رجعية للعام الموشك على الانتهاء، وتنعت كل عام بصفة ظاهرة غالبة على الأحداث فيه، وفي هذا العام كانت الصفة الظاهرة هي الكراهية، ولذلك أطلق التلفزيون الألماني الرسمي ببرنامجيه الأول والثاني وكذلك مجلة الشبيغل اسم عام الكراهية على 2016.
التعليق:
وصف مطابق للحال ولما آل إليه الشارع الألماني بشكل خاص والأوروبي بشكل عام، وكثير من المستمعين سيوافقني الرأي إن قلت إن هذا العام حقا عام الكراهية في كل أنحاء العالم. فليس هناك من بقعة تخلو من القتل والتشريد والذبح والتهجير والاستعباد والاستغلال وعلو الغني على الفقير وجبروت الحاكم على الشعب وتحكم الفاسد بالمقدرات والفاسق بالرقاب.
لقد بلغت الكراهية بين الشعوب مبلغا لم تبلغه في تاريخ البشرية، وقد امتلأت القلوب بهذه المشاعر السلبية بسبب تراكمات مبدئية متعددة على رأسها الشعوبية، والتي تنبت من الوطنية أو القومية، وما بات يعرف باسم، "نحن أولا"، سواء أكان الأردن أولا أو مصر أو أمريكا أو ألمانيا أو فرنسا أو النرويج أو غيرها... فكل دولة، بل وكل قومية باتت تهتم بشؤونها وبنفسها ولو على حساب الآخرين، وصار الآخرون عبئا، حتى وهم في بلادهم بعيدين عن المجتمع الغارق في المساوئ، فراح الألماني يدافع عن بلاده في جبال الهندوكوش، والفرنسي يدافع عن باريس في مالي، والبريطاني يقاتل في الفوكلاند دفاعا عن عرش الإمبراطورية، ناهيك عن الأمريكي الذي يشكل أخطبوطا بأذرع شرسة، تحيط بالفرائس وتقتلها بسمومها أو بخنقها، كما حصل في أفغانستان وفي العراق، والآن في سوريا.
لم يسلم أحد من الكراهية التي نشر شباكها الغربي المستعمر ليمكن لنفسه، وليطيل من عمر نظامه. فهو ينسب الخير لنفسه والشر للآخرين ويَعِدُ شعبه بالأمن في الوقت الذي ينشر فيه الرعب ليهيئ الفرص لنفسه لتنفيذ مؤامراته التي تهدف بالدرجة الأولى للوصول إلى مقدرات الشعوب ونهب خيراتها، كي يضعها بين أيدي المتحكمين بالسياسة من أصحاب رؤوس الأموال.
ومن أسباب انتشار الكراهية ازدهار النظرة الأنانية الضيقة، التي ترى في الآخرين منافسين في الرزق، وانتشار الجشع والاحتكار، مما أدى إلى ارتفاع نسب الفقر والبطالة واتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء، الأمر الذي أدى إلى انتشار الحسد وكراهية الآخرين.
ومن أسباب انتشار الكراهية أيضا بُعْدُ الناس عن مفهوم السعادة الحقيقية، وتعلقهم بالحياة والمادة، وهجرهم لكل القيم الإنسانية والدينية، فلا نرى للإنسانية أو التضحية أي مكان.
ومن أسباب انتشار الكراهية تمسك الناس بالنظرة إلى المصلحة كرابط ومحرك للعقول والقلوب، وقد سيطرت المصلحة والسعي لتحقيقها على أذهان الناس حتى أعمت بصائرهم وصار التنافس الجشع هو سيد الموقف.
كل هذا وغيره مما يلمس في المجتمعات حاليا، سواء في أوروبا أو غيرها، هو نذير سوء يجب الحذر منه واتخاذ إجراءات صارمة للوقوف في وجهه، وذلك بالعمل على تغيير هذا المبدأ العفن الذي سمح لهذه الظاهرة بالانتشار حتى بلغت أرجاء الأرض.
وبالمقارنة نرى كيف نظم الإسلام العلاقة بين الناس في كلمتين لرسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام، "أفشو السلام، وأطعموا الطعام". وفي قوله عليه السلام فيما رواه عبد الله بن عمر، وأيُّما أهْلِ عَرْصَةٍ أصْبحَ فِيهِمْ امْرؤٌ جائِعًا؛ فقدْ بَرِئَتْ مِنهُمْ ذِمَّةُ اللهِ
ما نحن فيه من انحطاط سببه بعد الناس عن شرع الله، وقد انطبق على هذا الحال وصف الرسول الكريم محمد ﷺ حين قال فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه: «سيَأتي علَى النَّاسِ سنواتٌ خدَّاعاتُ يصدَّقُ فيها الكاذِبُ ويُكَذَّبُ فيها الصَّادِقُ ويُؤتَمنُ فيها الخائنُ ويُخوَّنُ فيها الأمينُ وينطِقُ فيها الرُّوَيْبضةُ» قيلَ: وما الرُّوَيْبضةُ؟ قالَ: «الرَّجلُ التَّافِهُ في أمرِ العامَّةِ» (صححه الألباني)
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
م. يوسف سلامة - ألمانيا
المصدر: http://www.hizb-ut-tahrir.info/ar/index.php/radio-broadcast/news-comment/41370