بعد أن أسقط الغرب الكافر دولة الخلافة عام 1924م، وقسم البلاد الإسلامية إلى دويلات هزيلة، سلَّط على رقاب الأمة الإسلامية حكاماً عملاء له؛ يحكمون المسلمين بالأنظمة العلمانية... أنظمة الغرب الكافر؛ ويحاربون كل من يدعو لعودة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، ويحافظون على الحدود التي رسمها أعداء الإسلام معلنين ولاءهم للوطنية وعداءهم للإسلام ، وصاروا يضللون الأمة بأساليب شتى؛ فيضعون لها الأناشيد الوطنية، ويقدسون الأعلام التي خطها لهم أسيادهم؛ فيقدمون لها التحية كل صباح، فكان علم الانتداب الفرنسي الذي وضعه هنري بونسو كعلم لسوريا عام 1930م في الدستور الذي نشر في الجريدة الرسمية في شباط من عام 1932م، والذي حدَّد في مادته الرابعة من الباب الأول شكل علم سوريا؛ وكان هذا العلم من الأعلام التي وضعت لتكريس التجزئة والحيلولة دون توحد البلاد الإسلامية من جديد.
وفي بداية الثورة على نظام المجرم بشار رفع أهل الشام علم النظام بادئ الأمر؛ وطالبوا بالتحرر من الظلم والاستبداد، ثم ما لبثوا أن استبدلوه بعلم الانتداب الفرنسي دون وعي أو إدراك لحقيقة ما يرمز إليه من التبعية حيث كانت غاية الثوار برفع علم الانتداب الفرنسي هو التمايز بينهم وبين علم النظام ولم يخطر في بالهم أنه علم انتداب، ثم لما تبلورت أهدافهم على أساس الإسلام وتحددت ثوابتهم من منطلق الكتاب والسنة؛ أضافوا إلى مطلبهم في إسقاط النظام مطالب تتناسب مع هويتهم الإسلامية؛ فطالبوا بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، ورفعوا راية نبيهم محمد صلّى الله عليه وسلّم التي ترمز إليها، حتى كاد أن ينقرض علم الانتداب الفرنسي، ولم يعد يُرى له أثر في كثير من المناطق إلا في التصوير الإعلامي الخادع لكسب دعم خارجي من هنا أو هناك.
وبعد فرض الهدنة من قبل أمريكا وروسيا، واستقدام بعض أطراف الصراع إلى طاولة المفاوضات تحت سقف دولة مدنية ديمقراطية علمانية تحكم بغير ما أنزل الله، الذي نتج عن مؤتمر فيينا، عمل المؤيدون للحل السياسي الأمريكي من العلمانيين إلى إعادة تسويق علم الانتداب الفرنسي من جديد، وساعدتهم في ذلك وسائل الإعلام التي تدعي الموضوعية والحياد، وتزامن ذلك مع محاولة إعادة الثورة بعد كل هذا القتل والتنكيل، وبعد كل التضحيات، وبعد كل الدماء التي سالت على أرض الشام المباركة إلى مربعها الأول عندما نادت بالسلمية، لينسجم ذلك كله مع الهدنة التي فرضتها أمريكا، ولينسجم مع ما نادت به من أن الحل في سوريا هو حل سياسي، وقد تغافل هؤلاء أن أهل الشام قطعوا مسافة كبيرة في ثورتهم مخلفين مشروع الدولة المدنية الديمقراطية وعلم الانتداب الفرنسي الذي يرمز لها خلف ظهورهم؛ وذلك بعد أن تبلورت أهدافهم على أساس الإسلام، والتي انعكست على مطالبهم بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، ورفع راية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم التي ترمز إليها.
وقد حاول العلمانيون وبعض المنتفعين أو الجهلة الإساءة لهذه الراية بجعلها مجرد خرقة أو قطعة قماش للتقليل من شأنها، ولتسويق علم الانتداب الفرنسي، وتجاهلوا أن الرايات هي رموز وليست مجرد خرق كما يدَّعون، وما أدل على ذلك من رفض أهل الشام رفع علم النظام مجدداً أو رفع أي علم آخر؛ لأنها كلها ترمز إلى أمور معينة وضعها أصحابها.
فحكم العلم يأخذ حكم ما يرمز إليه، فعلم الانتداب الفرنسي يرمز إلى الوطنية والتفرقة والتبعية للغرب الكافر، بينما راية رسول الله صلى الله عليه وسلم التي وصفها عبد الله بن عباس رضي الله عنه في الحديث الذي رواه الترمذي بإسناد صحيح قال: "كانت راية النبي صلى الله عليه وسلم سوداء ولواؤه أبيض"، فهي ترمز إلى وحدة المسلمين، وإلى عقيدتهم ونظام حياتهم الذي أوجبه عليهم ربهم سبحانه وتعالى وبشر به رسولهم الكريم محمد صلّى الله عليه وسلّم بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، فعبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنه يتكلم عن راية النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "كانت راية النبي صلى الله عليه وسلم" وليس عن الرايات التي كانت في زمن النبي صلّى الله عليه وسلّم والتي كانت بمجملها تنطوي تحت راية النبي صلّى الله عليه وسلّم وكانت تمثل الكتائب التي هي جزء من جيش المسلمين آنذاك.
أما من يدَّعي أن رفع راية النبي صلّى الله عليه وسلّم فتنة فنقول: إن الفتنة هي في الصد عن دين الله، وليس بالتمسك بشرع الله، فالله سبحانه وتعالى قال: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيق} وقال جل في علاه: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، وقال عز من قائل: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ}حيث جعل الشارع الفتنة هي الصد عن سبيل الله.
ونقول إنه لمن المؤسف أن يعتبر بعضهم راية رسول الله عليه الصلاة والسلام فتنة، بينما يعتبرون رفع علم الانتداب الفرنسي رمزاً للوحدة. وأما من يحاولون منع رفع راية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خشية الغرب الكافر فنقول لهم ما قاله سبحانه وتعالى: {أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}
أيها المسلمون في أرض الشام المباركة:
إن الصراع الحقيقي على أرض الشام؛ ليس صراع رايات فحسب، بل هو صراع بين الحق والباطل، صراع بين حضارة الإسلام وحضارة الغرب الكافر، صراع بين مبدأ الإسلام بعقيدة لا إله إلا الله محمد رسول الله وما انبثق عنها من أنظمة وأحكام حياة، وبين مبدأ الغرب الكافر بعقيدته فصل الدين عن الحياة والمجتمع وما انبثق عنها من أنظمة وضعية ديمقراطية. فلا يفتننَّكم عن دينكم أعداء الله، فلا سعادة إلا بشرع الله، ولا خلاص للمسلمين من التبعية والظلم إلا بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة. فاعملوا مع العاملين لإقامتها، واعلموا أن النصر من عند الله سبحانه وتعالى وليس من عند أحد غيره، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}. واعلموا أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً.
قال تعالى:{واعْتَصِمُوْا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيْعَاً وَلَا تَفَرَّقُوْا}
18/ جمادى الثاني / 1437هـ
2816م
حزب التحرير
ولاية سوريا