درجت الأمم والشعوب والمجتمعات على اعتبار أن الثورة الحقيقية على الأنظمة القائمة إنما تعني التغيير الجذري الشامل في كل مناحي الحياة، في أنظمة الحكم والاقتصاد والاجتماع، وفي منظومة القيم والأفكار والقوانين والأخلاق، وفي طرائق التعامل والتعاطي مع الوقائع والدول والأحداث... وكنس ذلك كله، والإتيان من جميعه بالجديد. قال تعالى:﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم﴾.
ولم يعد يختلف اثنان على توصيف واقع النظام الذي ثار الناس عليه، من حيث كونه نظاماً علمانياً تابعاً للغرب الكافر، قائماً على أساسٍ واهٍ من أفكار القومية والوطنية، تحت شعارات كاذبة من المقاومة والممانعة، فارضاً قوانينه الوضعية على الناس بالحديد والنار، مشكلاً إحدى ركائز سيطرة المجتمع الدولي الجائر على هذه البقعة المباركة من بلاد المسلمين.
وبناء على ما تقدّم فإن الثورة الحقيقية على هذا النظام لا تكون فقط بالثورة على رموزه وأركانه وأجهزته القمعية من مؤسسات عسكرية وأمنية، بل تكون بالثورة الشاملة على مجموع قيمه وأخلاقه وأفكاره وقوانينه، وما انبثق هذا النظام عنه من مجتمع دولي حاقد، وما يستند إليه من شرعية دولية رأسمالية باطلة.
وهكذا كان فعلاً عندما أعلنت الثورة تدينها بخروجها من المساجد، منادية بأعلى صوتها: "هي لله هي لله"، مستنصرة بربها قائلة: "يا الله ما لنا غيرك يا الله"، محددة مصدر قيمها وأفكارها وقوانينها وأخلاقها بقولها: "قائدنا إلى الأبد سيدنا محمد". وقد بلغت الثورة نضجها عندما انتشرت الرايات الإسلامية في كل مكان، وسار الناس أرتالاً يرددون: الأمة تريد خلافة إسلامية.
ولقد كان حزب التحرير منذ البداية صادعاً بالحق، راسماً الخط المستقيم بجانب الخط الأعوج، مبيناً الطريق الذي يجب أن يسلكوه والهدف الذي يجب أن يعتنقوه، إذا أرادوا فعلاً الوصول بثورتهم إلى بر الأمان، محذراً من أخطار الطريق وما سيتعرضون له من مكائد ومؤامرات في خضم بحرٍ من الدول العدوة المتربصة بالإسلام والمسلمين.
لكن ليالي السنين السبع أثبتت أن قادة فصائل الثورة، وشراذم السياسيين الذين مثلوها في المحافل الدولية، لم يكونوا أهلاً لذاك المقام الرفيع الذي اعتلوه على حين غفلة من أهلها.. فرغم أنهم قادوا المجاهدين في قتال النظام على الجبهات، ومثلوا الثورة سياسياً أمام النظام على طاولات المفاوضات، إلا أنهم حملوا فكر النظام وقيم النظام، واغتصبوا السلطان من الناس كما كان يغتصبه النظام، والتزموا في علاقاتهم مع الدول العدوّة للثورة بما كان يلتزم به النظام؛ مما أوقع الثورة في دوامة من التيه والضياع لن يُنقذها منها سوى عودتها إلى الأصل الذي خرجت لتحقيقه، وهو رفع الظلم عن المظلومين بإسقاط النظام وإقامة حكم الإسلام.
وهنا يجب على كل ثائر أراد الحق وضحى من أجله أن يبقى ثابتاً على الحق الذي سار عليه، فما اكتسبه من وعي هو خير كبير، فقد بات الصغير قبل الكبير يُدرك حقيقة الغرب، وأتباعه من الحكام... وكذلك يُدرك حقيقة الصراع والمعركة أنها معركة بين الحق والباطل، فهم قادرون على أن يُنقذوا الثورة من أيدي العابثين، ويُعيدوا توجيهها وجهتها السليمة، نحو إسقاط النظام بجميع رموزه وأركانه وقوانينه وقيمه وأخلاقه ونظامه الدولي وشرعيته الدولية، والاستعاضة عن جميع ذلك بقيم الإسلام وقوانين الإسلام والنظام السياسي الذي ارتضاه الله للمؤمنين، نظام الخلافة، الذي يقدم مشروعه حزب التحرير، ويرى ألا خلاص لثورة الشام وأهلها إلا بتبني هذا المشروع العظيم، ﴿...وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾.
9 رمضان 1439هـ
25 أيار 2018م
حزب التحرير - ولاية سوريا