مع أن الله فرض علينا إقامة الخلافة، التي هي رئاسة عامة للمسلمين جميعاً في الدنيا لإقامة أحكام الشرع الإسلامي، وحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم، ومع أن المدة التي أجاز لنا الشرع أن نبقى فيها بدون خليفة هي ثلاثة أيام لا أكثر، إلا أننا لا نزال ومنذ ما يُقارب المئة عام نُحكم في ظل العلمانية بأحكام وضعية منبثقة عن القوانين الفرنسية والإنكليزية وعقول البشر، بينما أحكام الله مبعدة تماماً عن التطبيق في واقع الحياة.
أيها المسلمون.. إن إقامةُ خليفةٍ فرضٌ على المسلمين كافة في جميع أقطار العالم، والقيام به واجب لا تخيير فيه ولا هوادة في شأنه، والتقصير فيه معصية من أكبر المعاصي، يعذب الله عليها أشد العذاب كالتقصير بفرض الصلاة والزكاة وغيرها من الفروض. وهو فرض ليس مرتبطاً بثورة الشام أو غيرها من ثورات بلاد المسلمين، بل هو فرض قبل الثورات وبعدها، وهو أعظم الفرائض، بل تاج الفروض.
والأدلة على فرضية إقامة الخـلافة متوافرة في الكتاب والسنة وإجماع الصحابة.
فأما من الكتاب، فقوله سبحانه مخاطباً رسوله ﷺ: (فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ)، وقوله تعالى: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ).
وأما من السنّة فما رواه مسلم عن طريق نافع قال: قال لي ابن عمر: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية». فالنبي ﷺ فرض على كل مسلم أن تكون في عنقه بيعة، ووصف من يموت وليس في عنقه بيعة بأنه مات ميتة جاهلية. ووجود الخليفة هو الذي يجعل في عنق كل مسلم بيعة، حيث لا تكون البيعة إلا للخليفة. وكذلك ما رواه مسلم عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: «إنما الإمام جُنّة، يُقاتَل من ورائه ويُتّقى به».
وأما إجماع الصحابة فإنهم رضوان الله عليهم أجمعوا على لزوم إقامة خليفة لرسول الله ﷺ بعد موته، وأجمعوا على إقامة خليفة لأبي بكر، ثم لعمر، ثم لعثمان بعد وفاة كل منهم. وقد ظهر تأكيد إجماع الصحابة على إقامة خليفة من تأخيرهم دفن رسول الله ﷺ عقب وفاته، واشتغالهم بنصب خليفة له، مع أن دفن الميت عقب وفاته فرض. وعظم فرض إقامة الخليفة هو الذي جعل الصحابة يتركون رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجى في فراشه ليليتين كاملتين، منشغلين بفرض إقامة خليفة له.
وقد أجمع الصحابة كلهم طوال أيام حياتهم على وجوب نصب الخليفة، ومع اختلافهم أحياناً على الشخص الذي ينتخب خليفة فإنهم لم يختلفوا مطلقاً على إقامة خليفة، لا عند وفاة رسول الله ﷺ، ولا عند وفاة أي خليفة من الخلفاء الراشدين، حتى إن عُمر رضي الله عنه وعند ظهور تحقق وفاته من الطعنة، رشّح ستة من كبار الصحابة، هم عثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص، وأوصى أنه إذا لم يتفقوا على الخليفة في ثلاثة أيام فليُقتل المخالف. ووكّل بذلك، أي بقتل المخالف، خمسين رجلاً من المسلمين على رأسهم أبو طلحة الأنصاري.
أيها المسلمون في الشام.. منذ سقوط الخلافة ونحن نعيش أصعب الأوضاع، احتلالاً مباشراً من الكافر المستعمر، ثم حكّاماً عملاء كانوا أشد على المسلمين من سادتهم المستعمرين، ثم قادة فصائل نراهم يسيرون على خطى من سبقهم.. والحق أنه لو كان لنا دولة وخلافة لما أطبقت الرأسمالية المتوحشة على حياة المسلمين والبشر عامةً طوال قرن كامل.
أيها المسلمون في الشام.. إن انتصار الثورة ونجاحها في التخلص من طاغية الشام ونظامه العلماني الحاقد لمرتبط حتماً بعودتنا إلى الله، وطلب النصر والعون والدعم منه وحده، والقيام بفرائضه والانتهاء عن محرّماته، خاصةً بعد أن رمتنا الدنيا عن قوس واحدة. فمن كان الله معه فمن عليه؟! ومن كان الله عليه فمن معه؟! وإننا في حزب التحرير كنا وسنبقى الناصحين الأمناء لأبناء أمتنا، نقول الحق لا نخشى في الله لومة لائم، ولذلك تشنّ علينا الحملات وموجات التشكيك والافتراء والبهتان كل حين، وليس آخرها هجمة العلمانيين بعد مظاهرة إدلب الأخيرة، إلا أن ذلك لا يزيدنا بفضل الله إلا قوة وصلابة وتمسكاً بما نحن عليه من الحق، مستبشرين بوعد الله بنصره وتمكينه. فهلمَّ يا أهل الشام إلى ميثاقٍ فيما بينكم تتعاهدون فيه على إقامة الخلافة على منهاج النبوة ، وميثاق مع ربكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً وأن تقيموا شرعه ولا تخشوا معه أحداً. فالله سبحانه هو مالك الملك، يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء.
(عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ).
24 / رمضان / 1439هـ
الموافق 09 / حزيران / 2018م
حزب التحرير - ولاية سوريا