لم يعد خافيا على أحد أن أمريكا وخلفها روسيا لم تكن تسعى إلى إسقاط عميلها طاغية الشام؛ وإنما سعت كما أوضحنا منذ بداية الثورة إلى إجهاضها وإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل بداية الثورة في 1511م، حيث كانت أمريكا هي المُنفذ الفعلي لمقولة "الأسد أو نحرق البلد"، وها هي الآن تحاول إنهاء ما بدأت به؛ ولعلّ الشمال السوري هو القلعة الأخيرة والحصن الأخير في هذه الثورة اليتيمة.
لقد استطاع طاغية الشام ومن خلفه أمريكا وأشياعها أن يسيطر على مناطق استراتيجية عدة؛ كانت تشكل تهديداً كبيراً عليه لقربها من العاصمة دمشق، ولم يكن ذلك نتيجة قوته؛ حتى مع وجود الدعم الخارجي له ووقوف المجتمع الدولي خلفه، ولم يكن ذلك نتيجة ضعف إمكانيات الفصائل لا في العدة ولا في العتاد؛ فجميعنا يعلم أن الفصائل كانت تمتلك من الإمكانيات في العدة والعتاد والمقاتلين المخلصين ما يؤهلها لإسقاط طاغية الشام في وقت محدود وفترة زمنية قصيرة، نعم لم تكن سيطرته نتيجة لذلك كله؛ وإنما اتبع في سيطرته تلك طريقة معينة اعتمدت بشكل أساس على مجموعة من الأعمال السياسية؛ ومجموعة من الأدوات التي ساعدته بشكل فعال في تنفيذ خططه والوصول إلى أهدافه، ومن أهم الأعمال التي قامت بها أمريكا هي إلزام قادة الفصائل باتفاق خفض التصعيد؛ بعد أن ربطتهم بحبل الدعم وغرف " الموك والموم" وأجهزة المخابرات ؛ حتى أصبحت الأوامر والتعليمات تصدر عنها ليعمل قادة الفصائل على تنفيذها.
فاتفاق " خفض التصعيد" من طرف الفصائل فقط هو الذي مكّن نظام الإجرام من التفرد بالمناطق الواحدة تلو الأخرى؛ ومن ثم السيطرة عليها، حيث اعتمد في السيطرة عليها على القصف الجوي المكثف؛ مع الانهيار الكامل للفصائل التي من المفترض أن تكون مستعدة لأن تدافع عن مناطقها، وهذا الانهيار مقصود لخلق فوضى عارمة يستحيل معها ضبط الأمور، فتعيش المنطقة في مستنقع تنشط فيه الضفادع التي تبدأ مهامها بتثبيط الناس والدعوة لاستسلامهم تحت مسمى حقن الدماء والمحافظة على ما تبقى ، هذه هي الطريقة التي ينفذ بها مخططه، أما الأدوات التي استخدمها وكانت فعالة في تحقيق أهدافه؛ فقد كان أخطرها على الإطلاق ما يسمى "بالضفادع" بعد أن زرعها في جسم الثورة بشكل عام وفي جسم الفصائل على وجه الخصوص، حيث تبوأت هذه "الرويبضات الضفادع " مراكز القيادة فأصبحت قادة للفصائل، وتبوأت منصب الإفتاء للدفاع عن القيادات وإيجاد المبررات لاستسلامهم بحجة حقن الدماء تارة والحفاظ على الأعراض تارة أخرى، فبدأ مسلسل الاستسلام وبدأ مسلسل سقوط المناطق الواحدة تلو الأخرى تحت مسميات عدة حتى وصل الحال لآخر قلاع الثورة.
أيها المسلمون الصادقون على أرض الشام:
إن أمريكا تعمل جاهدة على إعادة كل المناطق لحضن عميلها طاغية الشام؛ ليحكم سيطرته عليها، ولا يهم بعد ذلك طريقة السيطرة سواء أكانت عن طريق الحل العسكري أم عن طريق الحل السياسي فالنتيجة واحدة؛ ذُلٌ وهوانٌ وقتلٌ وانتهاكُ أعراض. ولا يغرنكم النظام التركي بوعوده وأمانيه؛ فهو أداة من الأدوات المستخدمة التي لها دور مختلف عن باقي الأدوات، وقد تبين لكل ذي عينين دوره الذي يعتمد على الاحتواء والتخدير ريثما يحين دور المنطقة للذبح، وإلا ما تفسير وجود جدار الفصل العنصري على امتداد مئات الكيلومترات بين تركيا وسورية؟، وماذا ستفعلون عندما يتخلى عن وعوده التي طالما تخلى عنها؛ فهو القائل لن نسمح بحماة ثانية فتحولت سوريا كلها إلى حماة ثانية، وهو القائل حلب خط أحمر فتم تسليمها لطاغية الشام، ماذا ستفعلون عندما يقول لكم كما قالت سيدته أمريكا لأهلنا في درعا افعلوا ما شئتم فلم يعد هناك ضمانات لعدم الاجتياح؟ ليتبين لأهلنا في درعا أن الضمانات كانت مجرد تخدير ريثما يحين دورها للذبح، وقد حان فهل من مدكر؟
أيها المسلمون في أرض الشام عقر دار الإسلام:
إن ما حصل للثورة من انتكاسات وانحرافات له أسبابه التي إن لم يتم تلافيها فستغرق السفينة؛ ويعود عصر الذل والهوان بأبشع صوره، وإن من أهم أسباب الانحراف على الإطلاق؛ هو عدم تبني المشروع السياسي الذي يجب أن يتصف بالوضوح؛ وأن يكون مستمداً من عقيدة الأمة عقيدة الإسلام؛ حتى نستحق بذلك نصر الله عز وجل قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ }،
وحتى نضمن مكر الله سبحانه وتعالى لنا في مواجهة مكر العالم علينا حيث قال تعالى:{ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}.
وعندما يُتبنى المشروع السياسي الواضح والمستمد من عقيدة الإسلام ويكون الولاء له باعتباره أحكاما شرعية مستنبطة من كتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ؛ وليس للفصيل أو الحزب، عندها يصعب بل يستحيل اختراق الثورة أو حرفها عن مسارها، لأن أي شخص مهما علت مرتبته في الثورة سيحاسب حساباً عسيراً عندما يفكر أن يخرج خارج إطار هذا المشروع المتفق عليه أو ينحرف عنه، فيصبح المشروع السياسي هو الحصن الحصين الذي يحمي الثورة من الانحراف أو التفرق و الضياع.
ومن أسباب الانحراف أيضاً والذي لا يقل أهمية عن عدم تبني المشروع السياسي؛ هو عدم اتخاذ الفصائل للقيادة السياسية الواعية والمخلصة قيادة لها، فهذه القيادة تحمل المشروع الذي ذكرناه حملاً مبدئياً، وهي تعمل على إيجاده كنظام بديل عن نظام طاغية الشام، وباتخاذ القيادة السياسية الواعية الواحدة تتوحد القرارات؛ فتتوحد الأعمال وتتوحد المواقف، ويُرفع الخلاف وينتهي التنازع المفضي للاقتتال، وبالغفلة عن المشروع الإسلامي والقيادة السياسية – كما هو حاصل الآن - يصبح لكل فصيل مشروعه المناطقي الخاص، ولكل فصيل قيادته الخاصة، ويصبح الولاء للفصيل، ومع وجود الاختراق وزرع الضفادع بأنواعها؛ تصبح القيادة السياسية للفصائل هي أجهزة المخابرات التابعة لأمريكا وعملائها؛ ويصبح المخلصون من هذه الفصائل يقدمون التضحيات ويبذلون الدماء ليجني ثمرتها أصحاب المشروع الغربي المتمثل في دولة مدنية ديمقراطية تفصل الإسلام عن الدولة والمجتمع.
وبذلك أيها المسلمون يتضح أننا أمام مشروعين لا ثالث لهما، مشروع الإسلام المتمثل بالخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي بشر بعودتها رسول الله صلى الله علييه وسلم، ومشروع أمريكا المتمثل بالدولة المدنية الديمقراطية التي يسعى لفرضها أعداؤنا... هذان هما المشروعان، والواجب على كل مسلم مخلص أن يبذل الوسع في نصرة المشروع الأول (الخلافة الراشدة)، وأن يدوس بأقدامه المشروع الثاني (مشروع أمريكا العلماني).
وإننا إخوانكم في حزب التحرير/ ولاية سوريا الرائد الذي لا يكذب أهله؛ والذي صدقكم في كل المواقف التي مرت بها الثورة، ندعوكم أن تتداركوا أمركم وأن لا تنخدعوا بالوعود المخدرة التي يطلقها من يزعمون صداقتنا وحمايتنا، فليس لنا إلا الاعتصام بحبل ربنا وتبني مشروع الإسلام العظيم ففيه عز الدنيا والآخرة؛ وأن تعملوا معنا لإيجاده في معترك الحياة وفق طريقة واضحة ومحددة خطها رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي ذلك النصر المبين بإذن الله قال تعالى:
{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}.
3 ذو العقدة 1439هـ
16\تموز18م
حزب التحرير
ولاية سوريا