منذ انطلاقة ثورة الشام المباركة ضد نظام العمالة والإجرام لم يتوقف كيد الدول المتآمرة بها، ومحاولاتهم القضاء عليها وعلى الصادقين من أبنائها، وما ذلك إلا لأنهم أدركوا أنها تهدد أكبر نظام عميل مجرم، يخدم مصالحهم وينفذ مخططاتهم.
وقد تقدمت خطوات على غيرها من ثورات البلاد العربية عندما رفعت شعار: (قائدنا للأبد سيدنا محمد)، وبدأ أبناؤها يتطلعون إلى العيش في ظل عدل الإسلام، مقدمين في سبيل ذلك أعظم التضحيات، فكان أهم ثوابتهم فيها: (إسقاط نظام الإجرام، وإقامة حكم الإسلام).
لقد كانت أهم مكائد الغرب الكافر وأدواته التي تقاسمت فيما بينها الأدوار؛ إسقاط الثورة في فخ المال السياسي القذر، ومن ثم سلب قرارها، واصطناع قيادات سياسية وعسكرية لها، تتسلط على حاضنتها منفذة كل ما يُطلب منها، فضاعت وضيّعت، وكانت الأداة الداخلية لتنفيذ المخططات الخارجية... فانحرفت البوصلة، وغابت الثوابت، وتلاشت الأهداف، فلم نعد نسمع بمن يتحدث عن إسقاط النظام، ولا عن وجوب الحكم بالإسلام، وبدأ الحديث عن مرحلة انتقالية، ولجنة دستورية، تنفيذاً لخطوات الحل السياسي الأمريكي، الذي يهدف إلى إخماد جذوة الثورة التي لا تزال متَّقدة في نفوس الصادقين من أبنائها رغم شدة الكيد، ورغم قسوة المعاناة.
إن الدول المتآمرة، وعلى رأسها أمريكا، تعتبر أن الصراع بينها وبين الصادقين من أبناء ثورة الشام صراع وجود، يهدف إلى الإبقاء على الإسلام بعيداً عن الحكم، والقضاء حتى على مجرد التفكير بعودته إليه، لأن عقيدتها هي العلمانية، أي "فصل الدين عن الدولة، وفصل الدين عن الحياة".
لذلك كان الإصرار الشديد على علمانية الدولة، وعلى وجوب أن يكون الدستور وضعياً.. فاختارت لذلك أمريكا بنفسها أعضاء اللجنة الدستورية، الذين شكلوا مزيجاً متجانساً من ممثلي نظام الإجرام وممثلي المعارضة العلمانية بأطيافها المتنوعة.. فكانت لجنة دستورية فقط لـتعديل الدستور الوضعي الذي كان يحكمنا به سفاح دمشق.. وكأننا قدمنا كل هذه التضحيات، وتجرّعنا كل هذه المرارات، فقط من أجل تعديلات دستورية يحكمنا بها سفاح جديد، إذا تكرّمت أمريكا علينا بتغيير السفاح القديم!!
أيها المؤمنون الصادقون في ثورة الشام:
إننا لم نخرج في ثورتنا من أجل تعديلات دستورية ننتقل بها من حكم بغير ما أنزل الله، إلى حكم جديد بغير ما أنزل الله، ومن تسلط طاغية إلى تسلط جديد لطاغية، بل خرجنا في ثورتنا ضد نظام الكفر والطغيان، فراراً من ضيق الظلم إلى رحابة العدل، ولنُحكم بشرع ربنا الحكيم الخبير، الذي فيه وحده الفوز والنجاة في الدنيا والآخرة.
وإننا - إخوانكم في حزب التحرير/ ولاية سوريا - نضع بين أيديكم مشروع دستور إسلامي منبثق من عقيدتنا الإسلامية، ومواده كلّها مستنبطة من الأدلة الشرعية باجتهاد شرعي صحيح، ليكون عهداً لنا جميعاً بيننا وبين ربنا، وبيننا وبين أمتنا وأهلينا، نعاهد الله عز وجل فيه على العمل لتطبيقه، وندعو جميعاً كلٌّ من موقعه، وكلٌّ حسب إمكانياته، ندعو الصادقين من أبنائنا وإخواننا لتحمل مسؤولياتهم أمام ربهم، وأمام أمتهم، فيعملوا معنا من أجل تحكيم شرع ربنا، ورفض كل الدساتير الوضعية التي تكرّس عبودية العباد للعباد، ملقية بتشريع رب العباد وراءها ظهريّاً..
أيها المؤمنون في أرض الشام:
إن الفرق بين الذين يرفعون الإسلام شعارات وأفكاراً عامة، وبين الذين يحملونه دستوراً ومنهجاً للحياة، هو امتلاك الأخيرين مشروعاً واضحا ومفصّلاً، وطريقة شرعية مستقيمة واجبة الاتباع لإقامة هذا المشروع الواضح والمفصّل. وبهذا المشروع وحده نستطيع التمييز بين أصحاب الطروحات العامة والشعارات البراقة التي ما يلبثون أن ينقلبوا عليها ويعملوا بما يناقضها، وبين أصحاب المبدأ الحق القابضين عليه بيدٍ من حديد، الذين لا يتخلّون عنه مهما قست الظروف أو عظُمت المغريات.
وعلى أساس الثوابت الشرعية والمشروع الواضح والمفصل نستطيع حينها أن نحاسب على بصيرة كل من ضلّ فتاهت به الدروب، ونردّه ردّاً إلى جادّة الصواب. أما في حال فقدهما فلن يكون الارتباط إلا شخصياً، ولن تكون الطاعة إلا عمياء، ولن يكون السير إلا خبط عشواء، كما هو حالنا مع قادة ثورتنا منذ عشر سنين.
أيها المؤمنون في أرض الشام:
نضع بين أيديكم اليوم مشروع دستور دولة الخلافة، لتكون هذه الدولة متصورة في الأذهان، بأجهزتها وأنظمتها وقواعد حكمها، حيث السيادة فيها للشرع، والسلطان للأمة.
إنها دولة العدل والرعاية بأحكام الإسلام، لا دولة البطش والظلم والاستبداد، في ظل أحكام وضعية أو نزوات استبدادية تسلطية.
أيها المؤمنون في أرض الشام:
إن مسؤولية العمل لتحكيم شرع الله جلّ وعلا هي مسؤوليتنا جميعاً، ولن يكون ذلك إلا إذا رفضنا ما يخططه لنا أعداؤنا، وعلى رأسه الدستور الوضعي الذي يريدون فرضه علينا.. فلنذكر أن خلاصنا وعزنا لن يكون إلا بتطبيق شرع ربنا، وإقامة حكم ديننا، في ظل خلافة راشدة على منهاج النبوة.. وإنها لقائمة بوعد ربنا سبحانه وبشرى نبينا صلوات الله وسلامه عليه.. فاستجيبوا لربكم وكونوا معنا من العاملين لها.
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُون﴾.
التاريخ الهجري :11 من ربيع الثاني 1443هـ
التاريخ الميلادي : الثلاثاء, 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2021م