الورقة السياسية لحزب التحرير ولاية سوريا
لمرحلة ما بعد سقوط حكم أسد البائد.
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ﴾
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد..
نحمد الله الذي منّ على أهل الشام بسقوط حكم الطغاة على وقع صيحات التكبير.. هذا مع أن الذي كان مخططاً له من قبل بعض الدول ذات العلاقة أن توجد معركة محدودة، تنفّس احتقان أهل الثورة وتخفف ضغطهم، وتجبر النظام على الجلوس إلى طاولة الحلّ السياسي. لكن سرعة انهيار النظام المتهالك فاجأت جميع الدول، وفوّتت عليها فرصة المسارعة إلى إنقاذه، حيث تحوّل التنفيس المضبوط إلى انفجار عظيم، تلاشت أمامه قوات النظام بعد أحد عشر يوماً.. فالفضل والمنة لله وحده، والنصر بيده سبحانه، وقد كان لتلك الدول كيدٌ ومكرٌ وتدبير، وكان لله سبحانه كيدٌ ومكرٌ وتدبير، ﴿وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾.
وبسقوط النظام أصبح أهل الشام أمام مفترق خطير وامتحان عظيم، فإما أن يكملوا أهداف ثورتهم باقتلاع نفوذ المستعمرين وإقامة دين الله وإما أن يخضعوا لمطالب الدول التي كانت تساند النظام الساقط، وعلى رأسها أمريكا، التي استنفرت وكشّرت عن أنيابها وأوضحت ما تريد من قيام دولة علمانية تابعة لها... فإن فشل أهل الشام في اجتياز هذا الظرف ولم يحققوا ما فرضه الله عليهم من إقامة حكم الله (الخلافة الراشدة ) فإنهم إذن يهدمون جهاد ثلاثة عشر عاماً، وتذهب دماؤهم هدراً وتضحياتهم سدى ويكونون لا قدر الله كما قال الله سبحانه: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا﴾.
والأصل في من يتصدر للقيادة أن يكون صاحب مشروع وأن تكون له رؤية حول شكل الدولة وأجهزتها وأنظمتها، يوضحها للناس، ولا يتركها للأحداث تتلاعب به وبها، فتكون ارتجالات واستجابات وأصداء لما يريده الأعداء. ونحن في حزب التحرير ولاية سوريا إذ نوضح رؤيتنا لما يجب أن يكون عليه مشروعنا، فإننا نقدمه إلى عموم أهلنا في الشام.. ونعرض في هذا المقام بعض الخطوات التي نرى أنها يجب أن تتخذ في سوريا في هذه المرحلة ضمن مشروع الأمة الإسلامية الشامل:
1-إعلان إلغاء الدستور العلماني للدولة إلغاءً تاماً، وعدم الاكتفاء بالنظر فيه لتعديله.. ووضع دستور جديد مكانه تنبثق جميع مواده من العقيدة الإسلامية، وتستنبط من الأدلة الشرعية، (الكتاب والسنة والإجماع والقياس)، وإعلان البدء بتطبيق الأحكام الشرعية في جميع مناحي الحياة. وقد أعدّ حزب التحرير مشروع دستور مستنبط من الأدلة الشرعية، وهو جاهز للتطبيق بإذن الله، وكفيل باستئناف الحياة الإسلامية، وتحقيق قول الرسول ﷺ: «ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ» وقوله ﷺ: « أَلَا إِنَّ عُقْرَ دَارِ الْمُؤْمِنِينَ الشَّامُ».
2-الإعلان عن أن شكل الدولة في سوريا هو الخلافة، ونظام الحكم فيها يقوم على أربع قواعد لا يكون الحكم إسلاميًا إلا بها: السيادة للشرع لا للأمة، والسلطان للأمة، ونصب خليفة واحد فرض على المسلمين، وللخليفة وحده حق تبني الأحكام الشرعية فهو الذي يسن الدستور وسائر القوانين.
3-الشروع على وجه السرعة ببناء جيش قوي يحمي البلاد تكون نواته من المجاهدين الصادقين، وإغلاق القواعد العسكرية الروسية والأمريكية في البلاد وطردهم منها، وجعل الحدود مفتوحة مع بلاد المسلمين وإعلان فتح باب الجهاد مع كيان يهود أمام جميع المسلمين، وتحقيق بشارة الرسول ﷺ فيهم: «تُقَاتِلُكُمْ يَهُودُ فَتُسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ».
4-بناء جهاز أمن داخلي قوي مؤسس على أساس ثقافة الإسلام الرعوية، ليس عمله التجسس على الناس، أو اضطهادهم وامتهان كرامتهم، بل حماية أمن البلاد والمجتمع من الجواسيس وعملاء الدول والمخربين والعصاة وأهل الريب، وجعل رعايا الدولة، من مسلمين وغير مسلمين، ينعمون بالأمن والأمان.
5-التوجه إلى المسلمين الأكراد خاصة وغير العرب عامة بخطاب رعوي يوضح أننا أبناء أمة واحدة صهرها الإسلام، لا تفرقها القوميات والأعراق، وسدّ الذرائع التي تستخدمها الأحزاب الانفصالية، ودعوتها إلى قطع علاقاتها بدول الغرب.
6-لقد شرط الإسلام في حامل التابعية الإسلامية الولاء للدولة والنظام، وحامل التابعية هو كل من يقيم في دار الإسلام وفي الدولة الإسلامية إقامة دائمة، سواء أكان مسلمًا أم غير مسلم، ولا يجوز أن تفرق الدولة بين الرعايا في الحكم ورعاية الشؤون... لذلك لا وجود في الإسلام لما يسميه الغرب (حماية الأقليات)، ولا يجوز الوقوع في مصيدة حقوق الأقليات فالغرب يريد من وراء الدعوة لذلك تغذية النزعات الانفصالية والصراع بين الأكثرية والأقليات، واتخاذها ذريعة للتدخل في شؤون الدولة بحجة المدافعة عن الأقليات.
7-تباشر الدولة تنفيذ الشرع الإسلامي على جميع الذين يحـمـلون التابعية الإسلامية سواء أكانوا مسلمين أم غير مسلمين كما يلي:
أ- تنفذ على المسلمين جميع أحكام الإسلام دون أي استثناء.
ب- يُترك غير المسـلـمـين وما يعتقدون وما يعبدون ضمن النظام العام.
ج- المرتدون عن الإسلام يطبق عليهم حكم المرتد إن كانوا هم المرتدين، أما إذا كانوا أولاد مرتـدين وولدوا غير مسلمين فيعاملون معاملة غير المسلمين حسب وضعهم الذي هم عليه من كونهم، مشركين أو أهل كتاب.
د- يعامل غير المسلمين في أمور المطعومات والملبوسات حسب أديانهم ضمن ما تجيزه الأحكام الشرعية.
هـ- تفـصـل أمـور الـزواج والطلاق بين غير المسلمين حسب أديانهم، وتفصل بينهم وبين المسلمين حسب أحكام الإسلام.
و- تنفذ الدولة باقي الأحكام الشرعية وسائر أمور الشريعة الإسلامية من معاملات وعقوبات وبينات ونظم حكم واقتصاد وغير ذلك على الجميع، ويكون تنفيذها على المسلمين وعلى غير المسلمين على السواء، وتنفذ كذلك على المعاهدين والمستأمنين وكل من هو تحت سلطان الإسلام كما تنفذ على أفراد الرعية.
8-محاكمة كل من أجرم بحق الإسلام والمسلمين من أركان النظام الساقط وكبار قادة جيشه وأجهزة أمنه وكبار المجرمين في عهده، محاكمةً بالحق تشفي صدور قوم مؤمنين. والعمل على منع أي تآمر قد يحدث منهم. والحذر من تسلل أزلام النظام الساقط ومفسديه إلى أجهزة الدولة ومؤسساتها وخاصة الجيش والأمن ومفاصل الحكم.
9-إعلان تجريم اتصال الأفراد والجماعات بمسؤولي مخابرات الدول الاستعمارية وأجهزتها، وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا، والأنظمة الإقليمية التي تسير مع الدول الاستعمارية، وقطع يدها، ومنع تدخّلها، والقضاء على نفوذها في البلد، وعدم السماح للدول الاستعمارية بفتح سفارات دائمة تكون أوكاراً للتجسس وتجنيد العملاء، وجعل الاتصال بهذه الدول خيانة عظمى.
10-الخروج من الأمم المتحدة وإبراز أنها أداة بيد الدول الاستعمارية، تتدخل بواسطتها في شؤون الأمم والشعوب المستعمرة، والتأكيد على عدم شرعية ما يسمى بالقانون الدولي، مع الأخذ بعين الاعتبار التمييز بينه وبين الأعراف الدولية.
11-مباشرة الدولة بنفسها إدارة الملكيات العامة وعلى رأسها النفط، وعدم السماح للشركات ورؤوس الأموال الأجنبية باستغلالها بادعاء الاستثمار، والعمل على جذب رؤوس الأموال الإسلامية وخرطها في عملية البناء الاقتصادي، وتمكين الناس من الاستفادة الفعلية من ريع هذه الثروات لتنشيط الحالة الاقتصادية، وعدم الركون إلى مساعدات الدول الأجنبية.
12-وضع خطة اقتصادية عاجلة بهدف تحقيق الأمن الغذائي، وتوجيه الزراعة لمواجهة أي حصار اقتصادي من الممكن أن يؤثر على القرار السيادي للدولة، والبدء بدعم الصناعة المحلية وإقامتها على أساس الصناعة الحربية والصناعات الإلكترونية والرقمية، وجذب العقول المهاجرة بمنحها الميزات المطلوبة.
13-العمل الفوري على تغيير مناهج التعليم وسياسته، وبناؤها على أساس الثقافة الإسلامية، لتخريج العلماء والمفكرين والأطباء والمهندسين والفنيين والخبراء في مختلف المجالات الذين يضطلعون بعملية البناء.
14-توجيه أجهزة الإعلام والسياسة الإعلامية بما يخدم فكرة الدولة وأهدافها في الحكم بالإسلام والدعوة إليه، وإبراز أعمال الدولة في خدمة الناس وإدارة شؤونهم بناء على أحكام الإسلام.
15-الشروع في تنظيم القضاء والمحاكم على الأساس الإسلامي، من حيث تقسيمها إلى القضاء العادي وقضاء الحسبة وقضاء المظالم، والحكم في جميعها بأحكام الشرع الحنيف.
هذه بعض الخطوات المهمة التي نرى أنه لا مناص من السير فيها لقطع حبائل الغرب وأعوانه وأتباعه، ولتخليص الأمة من سيطرته وظلمه وطغيانه، ولضمان تطبيق شرع الله وإقامة حكم الله بإيجاد الخلافة الراشدة على منهاج النبوة. وهذه الخطوات هي الفيصل في الحكم على أي نظام في بلاد المسلمين من حيث صحته أو بطلانه، واستقامته أو اعوجاجه، والوقوف معه أو الوقوف في وجهه..
وفي الختام ننوه مرة أخرى إلى أننا في حزب التحرير قد قدمنا إلى الأمة مشروع دستور لدولة خلافة تحكّم الشريعة في مناحي الحياة كافة، منبثقة مواده من العقيدة الإسلامية، ومستنبطة جميعها من الأدلة الشرعية، ونحن ندعو أهل الثورة الصادقين ونخص أهل القوة والمنعة فيهم إلى النظر فيه وتبنيه، وإعطاء حزب التحرير النصرة ليقوم بتطبيقه لاستئناف الحياة الإسلامية وإقامة الخلافة الراشدة، وتحرير سائر بلاد المسلمين من نير الاستعمار، ولتحرير بيت المقدس وسائر بلاد المسلمين المغتصبة، ولحمل دعوة الإسلام إلى العالم لإنقاذه من الكفر والظلم والطغيان، والله ولي ذلك كله والقادر عليه..
﴿إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ﴾.
-------------
حزب التحرير ولاية سوريا
التاسع من رجب 1446هـ
2025/1/9م