إن هذه المقابلة تأتي ضمن الجولة الخارجية التي يقوم بها زهران علوش منذ أسابيع، حيث انتقل فيها من اسطنبول إلى الرياض وقطر والأردن، والتقى خلالها بقائد حركة أحرار الشام هاشم الشيخ وعيسى الشيخ قائد صقور الشام، كما التقى بقيادات الائتلاف الوطني في اسطنبول، ومن المقرر أن يكمل جولة لقاءاته مع قيادات الجبهة الجنوبية في الأردن. والمتابع لهذه اللقاءات وما يتسرب عنها، وما ينشر عنها من مواقف يجد أن علوش يسعى ضمن توجهٍ للتهيئة لمؤتمر الرياض الذي كان من المقرر عقده قبل أسبوع قبل أن تقرر الرياض تأجيله إلى ما بعد رمضان مفسحة المجال لاستكمال التحضيرات اللازمة للإعلان عن مرحلة ما بعد الأسد، بحيث تطرح على الساحة ورقة عمل متكاملة: ذات شق سياسي (في الخارج والداخل) وذات شق عسكري (في الخارج والداخل).
ولعل ما نقلته صحيفة ماكلاتشي عن الخبير الأمريكي جوشوا لانديس بقوله "إن علوش سيخرج (من الصراع ضد الأسد) منتصرًا" يكشف عن مغزى هذه المواقف الجديدة لعلوش التي يراهن من ورائها إلى تلميع صورته أمام واشنطن. كما نقلت الصحيفة عن وزارة الخارجية الأمريكية تأكيدها لما قاله علوش عن تواصله مع مبعوث أوباما المكلف بالملف السوري دانيال روبنشتاين.
وفي تبريره لتراجعه عن تصريحاته السابقة التي رفض فيها الديمقراطية، وشرحه لتصريحه الجديد بأن الشعب السوري سيقرر شكل الدولة القادمة بعد سقوط نظام الأسد، وأن كل ما يهمه هو دولة تحمي الحقوق، أجاب علوش مراسل صحيفة ماكلاتش بأن التصريحات السابقة أتت تحت وطأة ضغط الواقع في الداخل، أي تحت القصف المتواصل من قوات النظام، أما الناطق باسم "جيش الإسلام" إسلام علوش، فشرح ما قصده "زهران"، قائلًا "إن خطابات زهران علوش في الغوطة هي للاستهلاك المحلي، لحشد المقاتلين ضد القوى الأخرى، لا سيما تنظيم "الدولة""... ونسبت "ماكلاتشي" إلى مساعد لزهران علوش، قوله إن الأخير مستعد في سبيل تحسين صورته للتخلي عن راية الجيش (السوداء الأرضية والتي دون عليها بالأبيض عبارة لا إله إلا الله محمد رسول الله)، واعتماد علم الثورة.
فهذه جملة مواقف معلنة تصب في خانة إظهار الوجه الوديع المعتدل لعلوش (بحسب التعليمات والتوجيهات التي تلقاها في بعض محطات جولته) وذلك بغية إقناع واشنطن أن هناك بديلاً مقبولاً ولو لمرحلة انتقالية لما بعد الأسد.
أما نحن فنقول لعلوش وأمثاله: إن التماس النصر من عند أعداء الإسلام والمسلمين هو ضرب من الخبل والجنون، وإلا فهو الخيانة بعينها. والحق سبحانه يقول: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا * وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا﴾ ويقول سبحانه: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ﴾.
هل وجدتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يستجدي النصر من قادة قريش؟ أم إنه، وصحبه الكرام، اعتصموا بحبل الله وعضوا عليه بالنواجذ حتى تحقق وعد الله لهم بالنصر والتمكين؟
وهل قدم أهل الشام كل هذه التضحيات العظام لينتهي بهم المطاف إلى حاكم ترضى عنه أمريكا؟ وليستبدلوا بكفر النظام البعثي العلماني نظام كفر ديمقراطياً ترضى عنه أمريكا؟ فنذكر علوش وكل من يراهن مثله على استرضاء عواصم الكفر بقوله تعالى: ﴿وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ﴾.
أما ازدواجية المواقف ما بين خطاب داخلي يلبس لبوس الإسلام، وخطاب خارجي يروج لنظام علماني كافر فهذه سمة أهل النفاق الذين وصفهم رب العزة بقوله: ﴿مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاء وَلاَ إِلَى هَؤُلاء وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً﴾.
باختصار نذكر الجميع بقول الحق سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾، وبقوله سبحانه: ﴿إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾
فندعوهم إلى الاعتصام بحبل الله والتبرؤ من حبل الناس وخصوصًا الكفار وعملاؤهم من بني جلدتنا. ﴿وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾
﴿وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عثمان بخاش
مدير المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
04 من شـعبان 1436
الموافق 2015/05/22م
المصدر: http://www.hizb-ut-tahrir.info/info/index.php/contents/entry_47482