الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:
أيها المسلمون:
ما أعظم مصابنا... وما أشد كربنا.... القتل والدمار وانتهاك الأعراض يتنقل في بلاد المسلمين بلداً بلداً... هذه الشام اجتمع عليها كفار الأرض فأمعنوا فيها قتلاً وتشريداً... وتلك اليمن تُحرق بنيران الأعراب... و ليبيا يستحّر فيها القتل والتدمير.
وهذه العراق يُهجّر أهلها وتُفتت أرضها... وأهل بورما يُحرقون ويهجّرون ولا مغيث... والأرض المباركة والمسجد الأقصى يُدنس من احتلالٍ يهودي غاشم... ومن قبل أفغانستان وغروزني وكوسوفا...
واليوم وأمس دكت حلب دكا دكا، على رؤوس نسائها وأطفالها وشيوخها، واستغاثاتهم أبكت الصخور القاسية من ألمها وحَرِّها.
أيها الناس:
هُدمت الخلافة وغُيّب الإسلام من حياتنا... ووسّد أمرنا إلى حكام عملاء... يحاربون الإسلام كما يحاربه اليهود والنصارى... فهل ينتظر المسلمون بعد غياب الإسلام وهدم الخلافة عيشاً كريماً أو نصراً مؤزراً على الأعداء... كلا والله...
إنّ ما أصاب حلب قد أصاب حمص وحماة من قبل... وما أصاب الشام... أصاب الروهينجا وكوسوفا وغروزني...
والمسلمون في الجزائر لأنهم أرادوا الإسلام في انتخابات عام 1992... ألغيت الانتخابات واعتقل أكثر من 30 ألفا... وأحرقت قرىً ودُمرت بلدات وقُتل ما يزيد عن 100 ألف... وعندما أبدى الرئيس الشيشاني جوهر دوداييف رغبته في تطبيق الإسلام بعد انفصاله عن الاتحاد السوفيتي... قتله الروس ودمّروا غروزني وقتلوا أهلها وشردوهم... فلم يبقَ بيت في غروزني إلا وأصابته قذيفة... وهكذا الحال في الشام... انطلقت ثورتهم لإسقاط الطاغية... وتداعوا لتطبيق الإسلام وإقامة دولة الإسلام... فتآمر عليهم القريب والبعيد... والآن يُخيّر أهل الشام بين القتل أو الخضوع لإملاءات الكافر... ولكنّ الله غالبٌ على أمره وإن كان أكثر الناس لا يعلمون.
أيها المسلمون:
غفل المسلمون عن دينهم... فأغار الصليبيون على ديارنا وانتهكوا الحرمات واغتصبوا المقدسات... ولكن العاقبة لم تكن لهم إذ انتبه المسلمون لأمر دينهم... واحتضنوا قيادتهم المخلصة لربها وانقادوا لها والتفوا حولها، فكانت حطين وتحرير بيت المقدس... وغفل المسلمون مرة أخرى عن دينهم... فجاء التتار واستباحوا الدماء والأعراض... فاستفاق المسلمون من غفلتهم وآبوا إلى ربهم... والتفوا حول قيادة مخلصة قادتهم إلى عين جالوت.
واليوم أمَا آن للمسلمين أن ينتبهوا ويستفيقوا من غفلتهم؟!... أمَا آن للمسلمين أن يحتضنوا المخلصين من أمتهم الذين يدعونهم صباح مساء لما يحييهم ويرضي ربهم؟!.. يدعونهم إلى وحدتهم وإقامة دين الله في دولة خلافة راشدة على منهاج النبوة ليعيدوا معهم سيرة الانتصارات والفتوحات.
أيها الإخوة:
إنّ ما يجري في بلاد المسلمين بعامة وفي بلاد الشام بخاصة يؤكد حقيقة عمالة الحكام وتآمرهم وإجرامهم... ويؤكد حقيقة أن الدول الغربية والشرقية معادية للإسلام وأمة الإسلام... ويؤكد حقيقة أن مبادرات الكفار وعملائهم هي لضرب الإسلام ومحاربة المخلصين. ويؤكد على مصيبة المال السياسي الذي ربطت به الفصائل فأصبحت رهن إرادة الحكام، حتى أحجمت عن نصرة إخوانها وأهلها وأعراضها بحجج واهية.
لقد أضحت الأحداث تنطق بالحقائق التي يجب أن يلتفت إليها المسلمون؛
فحكام إيران وتركيا و الأردن وقطر و السعودية وباقي الدول العربية شركاء لروسيا وأمريكا في حرب الإبادة التي تستهدف أهلنا في الشام... وهم حلفاء ليهود يعكفون على حماية كيانهم صباح مساء.
أمّا أمُّ الجرائم فهي أن تُسخر جيوش الأمة لخدمة الكافر والدفاع عن مصالحه... فهذه طائرات التحالف العربي تدك اليمن صباح مساء... ولا تلتفت لنصرة الأقصى ونصرة المستضعفين في الشام... وطائرات الجيش المصري وآلته الحربية تدك القرى في سيناء وتشرد أهلها... والأقصى وأهل غزة يستنصرون... ولا مجيب ولا مغيث... والجيش الأردني يسهر على حماية كيان يهود وحماية عرش نبت على العمالة والخيانة... في حين إنهم كلهم متخاذلون عن نصرة حلب وأهلها الأبطال!
بالله عليكم... هل الجيش التركي الذي يحارب المسلمين في الشام بذريعة الإرهاب عاجز عن إغاثة المستضعفين فيها... وهل الجيش المصري عاجز عن تحرير مسرى رسول الله؟
أيها المخلصون:
ما أشبه ما يحصل في الشام بما يحصل في فلسطين... فلسطين الأرض المباركة يدنسها اليهود منذ عقود وتُرك أمر تحريرها للمستضعفين من الناس يقاتلون ويثورون ضد يهود بالحجارة والخفيف مما يقدرون عليه من السلاح... أما الجيوش المدججة التي بمقدورها إزالة كيان يهود خلال ساعات فتُركت في ثكناتها...
وبعدها تحولت فلسطين إلى قضية فصائل... وكل فصيل منها يتلقى الدعم من دولة كذا... ودولة كذا... وبين هذا الفصيل وذاك... ضاعت فلسطين... بل تمت شرعنة الاحتلال تحت مسمى عملية السلام... ونحن اليوم نشهد في الشام نموذجا تتكرر فيه المشاهد، وكأن القضية في الشام أصبحت قضية فصائل ومعارضة... فصائل كبيرة أحجمت عن نصرة حلب لأنها لبت نداء تركيا التي تواليها، وأخرى جمدت في مكانها تحرس أطلالا ومكتسبات لأنها تنفذ أوامر قطر والسعودية، وأخرى تشبثت بمناطق تاركة أهل حلب والشام يموتون خشية أن تتزحزح من مكانها فتضيع ممالكها!!، وأخرى باتت تشكل درعا يحمي النظام لأنها تمنع المخلصين من العبور عبر المناطق التي تسيطر عليها. وهكذا يموت الناس وتُحرق البلاد ويستقوي النظام المجرم المتهاوي بانتظار توحد الفصائل وإخلاص قادتها لله.
وإننا نحذر أهلنا في الشام من مذبحة كبرى ربما يساقون إليها، فالعدو يجمعهم في إدلب ليسهل عليه قتلهم، وما لم يتحرروا من قياداتهم السياسية المرتهنة للغرب والأنظمة العميلة، وينقادوا للقيادة المخلصة التي تدعوهم للخلافة ومشروعها الواضح فالخطر عظيم عظيم... فاللهَ اللهَ في أنفسكم أيها المجاهدون هلموا إلينا لنسير معا نحو ما أمرنا الله به، وهو سبحانه القوي القاهر فوق عباده بيده الملك بيده النصر ﴿إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾.
أيها المسلمون:
إن ثقتنا بربنا عظيمة... وثقتنا كبيرة بأمة محمد صلى الله عليه وسلم... ونحن على يقين بنصر الله تعالى... وأن ما يصيبنا هنا وهناك لن يضرنا إلا أذى... فأمة الإسلام خير أمة أخرجت للناس، قال تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ * لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ﴾.
وإنّ الإسلام هو دين الله... الذي تكفل بحفظه ورعايته وإظهاره ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾.
ونسأل الله تعالى أن يجعلنا من عباده الذين اجتباهم لإقامة دينه...
ونداؤنا إلى الجيوش والمخلصين أن أغيثوا الشام وحلب، انصروا المستضعفين والنساء والولدان، تحرروا من قبضة الحكام العملاء، وحركوا أرتالكم وجحافلكم لإسقاط الطاغية وإعلانها خلافة راشدة على منهاج النبوة، لتكملوا المشوار بعدها نحو نصرة كل المسلمين المستضعفين وتحرير بلادهم من المستعمرين وأذنابهم.
ونداؤنا إلى الفصائل والكتائب في الشام أن تحرروا من المال السياسي والولاءات الدولية، وتوحدوا على ما يرضي الله في بلدكم، على مشروع الأمة الذي خرج من أجله الأحرار، مشروع الإسلام العظيم، وحينها سيكون النصر حليفكم والجنة ثوابكم.
وفي الختام:
لا بأس على أمة الإسلام... فهي على موعد مع نصر الله خلافة راشدة على منهاج النبوة يرضى عنها ساكنو السماء والأرض... وما يصيبنا اليوم سيزيد من إصرار الأمة على تحقيق غايتها... ويزيد من التفافها حول المخلصين الذين يصلون ليلهم بنهارهم لقيادتها إلى رضوان الله والفوز في الدنيا والآخرة.
لكم الله يا أهل الشام... لكم الله يا أهل اليمن... لكم الله يا أهل الأرض المباركة... لكم الله يا أهل الكنانة... لكم الله يا أهل العراق وتركيا... لكم الله أيها المسلمون في كل بقاع الأرض... وهو نعم المولى ونعم النصير.
اللهم أعنا ولا تعن علينا وانصرنا ولا تنصر علينا... اللهم اشف صدورنا... ووحد صفوفنا... واجمع كلمتنا... وانصرنا على من بغى علينا.
اللهم إنا نسألك باسمك الأعظم وكلماتك التامات وصفاتك العلى وأسمائك الحسنى أن تجعل لنا من لدنك سلطانا نصيرا.
اللهم نصرك الذي وعدت... اللهم نصرك الذي وعدت... اللهم نصرك الذي وعدت.
﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾
وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه... والحمد لله رب العالمين.
حزب التحرير يوجه نداءً من قلب المسجد الأقصى لإغاثة حلب ونصرة أهل الشام
التاريخ الهجري :17 من ربيع الاول 1438هـ
التاريخ الميلادي : الجمعة، 16 كانون الأول/ديسمبر 2016م
حزب التحرير
الأرض المباركة فلسطين
المصدر: http://www.hizb-ut-tahrir.info/ar/index.php/leaflets/palestine/41092