بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة الأمير في افتتاح مؤتمر الخلافة الثاني في تونس
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد.
إلى الإخوة المجتمعين في "مؤتمر الخلافة الثاني" المنعقد في تونس الخضراء التي عاشت في ظل الخلافة نحو ثلاثة عشر قرناً...
إلى تونس الراشدين، منارة الهدى منذ دخول الإسلام إليها بغزوة العبادلة السبعة في عهد الخليفة عثمان رضي الله عنه سنة 27هـ - 647م... إلى تونس الأمويين، تونس عقبة بن نافع قائد الفتح لشمال أفريقيا، وباني القيروان وجامعها الكبير، ثم تونس الزيتونة الجامعة الإسلامية المميزة... إلى تونس العباسيين، تونس الأغالبة، تونس بيت الحكمة والعلم والفكر والأدب، ومولد ابن خلدون صاحب "العبر وديوان المبتدأ والخبر"... إلى تونس العثمانيين، تونس خير الدين قائد البحرية الذي أنقذ تونس من احتلال شارل الخامس ومجازره فيها سنة 942هـ - 1535م، فأخرجه منها، ولاحق أسطوله في البحر، فهزمه في الموقعة البحرية "بروزا - بريفيزا" غربي اليونان 945ه- 1538م... ثم تونس الأنصار الذين استقبلوا مهاجري الأندلس، وبخاصة عند اشتداد محاكم التفتيش عليهم سنة 1018هـ - 1609م... فكانت تونس وأهلها نعم الأنصار...
إلى تونس المجاهدة المرابطة في عهد الاحتلال الفرنسي البغيض من 1298هـ - 1881م وحتى 1375هـ - 1956م... ومن بعدُ، تونس الحكم الظالم الجائر حتى الثورة على الطاغية "بن علي" 12 محرم 1432هـ - 17 كانون أول 2010م ومن ثم هروب الطاغية خلسة إلى السعودية في 14/1/2011... ثم حكم تونس الحالي بعُجَرِه وبُجَرِه.
إلى تونس وأهل تونس... وإلى ضيوف تونس لحضور هذا المؤتمر... إلى العاملين لاستئناف الحياة الإسلامية بإعادة الخلافة الراشدة من جديد... إليكم أجمعين في هذا اليوم الثالث عشر من شعبان بعد أيام خلت من انقضاء شهر رجبٍ الفرد الحرام، شهرٍ جمع ذكرى سارّة عظيمة "الإسراء والمعراج"، وذكرى حزينة أليمة "هدم الخلافة الإسلامية" على أيدي الكفار المستعمرين وعلى أيدي عملائهم الذين خانوا الله ورسوله والمؤمنين... إلى كل هؤلاء: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إني أيها الأخوة استفتح بالذي هو خير ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾، لقد وعد الله سبحانه في هذه الآية الكريمة بالنصر، ليس لأنبيائه فحسب، بل كذلك للذين آمنوا... ووعد سبحانه بالنصر والفوز ليس في الآخرة يوم يقوم الأشهاد فحسب، بل كذلك في الدنيا، ليدرك المؤمنون العاملون أن معهم خالق السموات والأرض القوي العزيز، ناصرهم ومعزهم كما نصر أنبياءه من قبل في الدنيا وفي الآخرة، ومن كان هذا إدراكه أيها الأخوة، وهذا يقينه، فلن تقعده المحن ولا الصعاب، بل يجتازها بقوة وحكمة مكبراً مهللاً ولسانه يتلو ﴿وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾
أقول هذا -أيها الإخوة- لأن تونس هذه الأيام هي محلّ أطماع ملحوظة من خلال صراع كاسح بين دول مستعمرة ثلاث: فرنسا المتراجعة المتقهقرة التي لا زالت تحن لأيام استعمارها لتونس، وبريطانيا التي تريد تثبيت ركائزها السابقة واللاحقة، وأمريكا التي تمد حبالها للدخول إلى تونس... وكل ذلك بأدوات إقليمية ومحلية تعمل لصالح هذه الدول المستعمرة، وتقف في وجه تطلعات الناس الذي أزالوا ذلك الطاغية ليحلّ مكانه نظام الإسلام، فتعز به وتنعم بخيراته، ولكنها تعاني اليوم من اضطراب وقلق لأن بنية النظام الأساسية من جمهورية وعلمانية بقيت إلا من تغيير في الوجوه صاحبته مفارقات مؤلمة، كل واحدة أكبر من أختها:
أولاها أن النظام الجديد يترك دستور الله رب البشر ويضعه جانباً أو من وراء ظهره، ثم يجد ويجتهد في البحث عن دستور من وضع البشر! وثانيتها نظام الاسلام الاقتصادي في كتاب الله سبحانه وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - مُشرق مضيء يحقق العدل والرخاء، ولكن النظام يلجأ إلى الاقتصاد الرأسمالي القائم على القروض الربوية وشروط صندوق النقد الدولي التي تزيد الفقير فقراً، وحتى الغني إن بقي غنياً لا يكون آمناً على ماله لأنه نتاج نظامٍ اقتصادي ربوي يحارب الله ورسوله ﴿فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾، والحرب مع الله تورث في الدنيا قلقاً واضطرابا، وضنكاً وشقاءً، ﴿وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ﴾. وثالثتها أن الناس انتخبوا من كانوا يرفعون شعار الإسلام ظناً من الأمة أن انتخابهم هذا سيوصل الإسلام إلى الحكم، فكانت النتيجة أن وصل "الإسلاميون" إلى كراسي الحكم وتركوا الإسلام من ورائهم بعيداً عن الحكم بعيدا!
أيها الأخوة إننا ندرك أن هناك حرباً ضروساً يشنها الكفار المستعمرون وعملاؤهم على الإسلام وأهله، وعلى دعوته ودولته، وذلك للحيلولة بزعمهم دون عودة الخلافة في تونس وفي غير تونس، وهي حربٌ بالليل والنهار، سراً وعلانية، لأن أهل الكفر والبغي يدركون عظمة الخلافة وقوتها، حيث لم يكن يسمع لهم صوتٌ ذو بال والخلافة قائمة، فكانت الخلافة الأولى علماً ونهضة، وقوة واستقامة. لذلك ترون الهجمة الشرسة على أهل الشام، لأن ثورتهم تخللتها رايات الإسلام وشعارات الإسلام، فاجتمع كيد الكافرين عليهم: أمريكا وأحلافها، وروسيا وأتباعها، وأوروبا وأطماعها، وكلهم يدعمون طاغية الشام مادياً ومعنوياً ليزداد بطشاً وقتلاً ظناً منهم أن هذه المجازر ستجبر الناس على الخضوع لمشاريع أمريكا في استبدال عميل بعميل يحفظ مصالحهم وعلمانيتهم وأمن يهود كما كان حافظ وبشار وزبانيتهم يفعلون! إنهم يخشون مد الإسلام في الشام ومن الشام، فتراهم يحاربونه بكل ما أوتوا من قوة حتى لا تعود الخلافة من جديد، ولكنهم واهمون، فكل عميل صنعوه، وكل مركز حرب أنشأوه، وكل تآمر خططوه، لن يؤخر هزيمتهم، بل كما حلَّ بأشياعهم من قبل ﴿وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ﴾.
إن الأيام دول، وإن نصر الله لآت بإذنه سبحانه، وكما كانت في بلاد المسلمين الخلافة الراشدة، والأموية، والعباسية، والعثمانية، فإنها ستعود بإذن الله خلافة راشدة من جديد بعد عهد الملك الجبري الذي تعيشه الأمة اليوم، فيعز بالخلافة الإسلام وأهله، ويذل بها الكفر وأهله، وتعود تونس الخضراء منارة البحر المتوسط من جديد، مركزاً للخلافة أو إحدى ولاياتها، فتهز، بل تؤز عرش الظالمين أزّا، وما ذلك على الله بعزيز.
قد يقول قائل ممن لا يحبون الخلافة: غرَّ هؤلاء دينهم، وإن حزب التحرير في مسعاه لإقامة الخلافة إنما يسعى إلى خيال، وقد يقول القائل ويقول... وليس هذا بِدْعًا من القول، فقد قاله بعض الناس من قبل في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ﴿إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾. ولكننا أيها الأخوة نقول: إن القائل بعدم إقامة الخلافة هو الساعي إلى خيال، أما إقامة الخلافة فهي حقيقة واقعة بإذن الله، تؤكدها حقائق أربع:
فأولاً: وعد من الله سبحانه للذين آمنوا وعملوا الصالحات بالاستخلاف في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم. يقول سبحانه ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾.
وثانياً: بشرى من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعودة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة بعد الملك الجبري الذي نحن فيه. يقول صلوات الله وسلامه عليه وهو يذكر حالات الحكم في الأمة الإسلامية كما جاء في الحديث الصحيح الذي أخرجه أحمد من طريق حذيفة بن اليمان: «...ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ ثُمَّ سَكَتَ».
وثالثاً: أمة حية فاعلة، تُقبل على العمل لإقامة الخلافة، وعلى تأييد هذا العمل، إلى أن يتحقق وعد الله، ثم من بعدُ ترابط لحراسة الخلافة واحتضانها... حيث إن الأمة تتوجه بتسارع إلى سيرتها الأولى التي أخرجها الله لها. يقول سبحانه ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾.
ورابعاً: حزبٌ مخلص لله سبحانه، صادقٌ مع رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، يعمل مع الأمة ومن خلالها، واصلاً ليله بنهاره في عمل دءوب، متمسكاً بطريقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حمل الدعوة وإقامة الدولة، لا يخشى في الله لومة لائم، ولا ينحني أمام المحن أو ينثني أمام الصعاب، بل يزداد بها قوة على قوة بإذن الله، مهما جمع له العدو وأوعى، ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾
إن هذه أربع حقائق، وكل واحدة منها كافية لتنطق بأن العمل للخلافة ليس خيالاً، فكيف بالأربع مجتمعة؟!
أيها الأخوة الكرام إن الخلافة الراشدة ستعود بإذن الله فهي وعد الله سبحانه وبشرى رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، ولكن سنة الله سبحانه اقتضت أن لا تنزل ملائكة من السماء تقيم لنا خلافة، ونحن متكئون على الأرائك دونما حراك! بل يجب أن يعمل لها العاملون، وتتخذها الأمة قضية مصيرية لها، فتنصر الله سبحانه في عملها وفي قولها وعندها ينصرها الله سبحانه ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾، فيهلل الناس ويكبرون حمدا وشكراً لله رب العالمين ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾
وفي الختام أيها الإخوة الأحبة، فإني أفتتح مؤتمركم الطيب المبارك، مؤتمر الخلافة الثاني... واسأل الله سبحانه لكم العون والتوفيق، فباسم الله وعلى بركة الله وهو سبحانه معكم ولن يتركم أعمالكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
13 من شـعبان 1434
الموافق 2013/06/22م