سؤال:
في يومي 28 و 2014/1/29 قام رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان بزيارة إيران، وقد نقلت صحيفة الشرق الأوسط في 2014/1/30... عن مصدر مقرب من رئيس الوزراء أردوغان: "أن وزير الخزانة الأمريكية ديفيد كوهين زار أرودغان عشية مغادرته إلى طهران أول أمس (2014/1/28)... وأضاف المصدر أن "الملف السوري كان من المواضيع الأساسية في الزيارة"... وكذلك فقد أعلنت وزارة الاقتصاد التركية عن أنه "تم توقيع اتفاقية التجارة التفضيلية المبرمة بين تركيا وإيران على هامش زيارة رئيس الوزراء أردوغان لإيران. (يني شفق التركية 2014/1/31).
والسؤال هو: برز في الزيارة اتفاقية التجارة التفضيلية، وكذلك ملف سوريا... فهل القصد من الزيارة العامل التجاري أم هو الملف السوري أم كلاهما؟ وما دور أمريكا في ذلك؟ وجزاك الله خيرا.
الجواب:
1- إن الهدف الرئيس من الزيارة هو الموضوع السوري استكمالاً لما كنا ذكرناه في جواب السؤال الصادر في 2013/11/30 حيث جاء فيه ما يلي: (...بسبب هذه الأزمات التي تلتف حول عنق أمريكا فتعوق من فاعلية تأثيرها المباشر... ولأن عملاءها لم يستطيعوا طوال هذه السنوات الثلاث أن يستقر لهم قرار فاعل في سوريا، بل إن هتافات الخلافة تصعق أسماعهم وأبصارهم وقلوبهم... لكل ذلك فقد أرادت أمريكا من دول المنطقة حول سوريا أن يكونوا خطاً أمامياً لها في الوقوف في وجه نشوء أي حكم جديد يتبنى الخلافة نظاماً للدولة والحياة والمجتمع، ومن ثم فقد وقع بصر أمريكا على دولتين تكلفهما بالمهمة وهما من أتباعها: تركيا وإيران، أما تركيا فلا قيود على تحركاتها، وأما إيران فكانت العقوبات وملحقاتها تشكل قيداً عليها، فتحد من نشاطها المؤثر دولياً وإقليميا فهي في شبه عزلة، ولأنها أقوى تحركاً ضد الخلافة من تركيا حيث إن الخلافة في ثقافة حكام إيران تعد أمراً مرفوضاً عندهم ما يجعلهم ينشطون في محاربتها، في حين أن في موروثات الأتراك عهوداً طويلة للخلافة ما يجعل النظام في تركيا يلف ويدور عند حربه للخلافة... وهكذا كان المخطط الجديد يقتضي تفعيل دور هاتين الدولتين على النحو المذكور، أي للوقوف في وجه التحركات الإسلامية في سوريا لإقامة الخلافة، سواء أكان ذلك بأعمال مادية مجرمة داخل سوريا، أم كان بأعمال سياسية خيانية في جنيف وغير جنيف... وذلك ليتمكنوا من إيجاد حكم عميل لاحق لعميل سابق وإحباط العمل للخلافة... وزار وزير خارجية تركيا طهران في 2013/11/27، وكانت المحادثات مركزة على التعاون بينهما في أمر سوريا ومؤتمر جنيف وما خفي أعظم...) انتهى ما جاء في جوابنا السابق.
وأمريكا الآن وهي مشغولة بصناعة حل سياسي مع المعارضة المقطوعة الجذور مع الداخل تريد إطباق إيران وتركيا على الأصوات المخلصة الساعية للخلافة في الشام لتمهيد الطريق لإيجاد قبول لأي حل سياسي مصنوع في جنيف كخطوة أولى للتدخل الدولي لتثبيت الحل السياسي الذي تعمل له أمريكا... هذا هو الهدف الرئيس من الزيارة، وهذا ما بحثه وزير الخزانة الأمريكي مع أردوغان عشية زيارة أردوغان إلى طهران في 2014/1/28 كما جاء في صحيفة الشرق الأوسط في 2014/1/30 ... عن مصدر مقرب من رئيس الوزراء أردوغان: من أن "الملف السوري كان من المواضيع الأساسية في الزيارة"... وهذا يبين الدور الأمريكي النشط في موضوع تقارب إيران وتركيا لمنع أي توجه فعلي للناس في سوريا لتحكيم شرع الله في دولة الخلافة، وذلك بالبطش والترهيب بفعل إيران، وبالتضليل والخداع، ونفاق التأييد بطرف اللسان من تركيا.
2- وقد سبق زيارة أردوغان زيارتان تمهدان الطريق إلى هذا الهدف:
الأولى: زيارة وزير الخارجية التركي التي أشرنا إليها في جوابنا السابق حيث بدأ تعزيز العلاقات الإيرانية التركية بعد زيارة وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو في نهاية العام الماضي وبالتحديد في 2013/11/27 ففي هذا التاريخ أدلى المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية ليفنت جمركجي بتصريحات لصحيفة الشرق الأوسط تتعلق بهذه الزيارة قائلا: "يوجد توافق تام على تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين، ويوجد محادثات إيجابية حول سوريا، وتوافق تام على التزام التعاون بين البلدين لحل الأزمة في سوريا ووقف شلال الدم فيها". وبذلك هيأ داود أوغلو لزيارة رئيس وزرائه أردوغان لإيران لتقوية هذا التوافق بينهما على حل الأزمة السورية بناء على مقررات مؤتمر جنيف، ومن المعلوم أن مشروع مؤتمر جنيف1 و 2 هو مشروع أمريكي وخطة رسمتها أمريكا للحفاظ على نفوذها في سوريا من خلال المحافظة على النظام العلماني القائم هناك والمرتبط بها مع تبديل بعض الأشخاص ومنع إقامة نظام الإسلام وإعلان الخلافة. وقد نقل موقع المعهد في 2014/1/30 أن أردوغان أكد أثناء اجتماعه مع الرئيس الإيراني حسن روحاني على: "الاتفاق مع إيران على مواجهة الإرهاب". وهم يقصدون بالإرهاب المدلول الغربي، أي كل عمل صادق مخلص للإسلام. وكذلك فقد نقل هذا الموقع المؤيد للسياسة الإيرانية عن مصادر رسمية إيرانية أعلنت قبيل وصول الوفد التركي بأن: "إيران ستقوم بإعادة طرح رؤيتها لمشروع الحل في سوريا وستقدم شرحا وافيا". وبذلك تكون تركيا وإيران قد عملتا على تعزيز علاقتهما لتحقيق توافقهما التام حول الموضوع السوري كما ذكرنا آنفاً، وجاءت زيارة أردوغان لتستكمل ما مُهِّد له من قبل بين الطرفين خدمة للمشاريع الأمريكية.
والثانية: زيارة رئيس المخابرات التركية حقان فيدان مع وفد استخباراتي خاص. فقد ذكرت جريدة مليات في 2014/1/30 أن "مستشار المخابرات التركية حقان فيدان قام بزيارة طهران قبل وصول أردوغان على رأس وفد غير رسمي ومكث هو وأردوغان في نفس الفندق". ورئيس المخابرات التركية هذا يمسك بالملف السوري وبدأ ينسق مع رئيس المخابرات الأمريكية من الأيام الأولى لاندلاع الثورة في موضوع سوريا. فمعنى ذلك أنه سيصير هناك تنسيق استخباراتي بين تركيا وإيران للقيام بأعمال من شأنها أن تنفذ المشروع الأمريكي في سوريا مثل التجسس على حركات المخلصين في سوريا وكيفية التخلص منهم وضرب حركاتهم والعمل على احتواء آخرين لجلبهم لتأييد المشروع الأمريكي بالعمل على إشراكهم في المحادثات الجارية بين النظام والائتلاف التابعين لأمريكا. وقد سبق أن اجتمع صالح مسلم رئيس الحزب الوطني الكردي الذي يتعامل مع النظام السوري وهو امتداد للحزب الكردستاني حزب أوجلان الموالي لأمريكا، سبق له أن اجتمع مع رئيس المخابرات التركية، وبعد ذلك صرح لجريدة الشرق الأوسط في 2013/8/21 قائلا: "علينا انتظار الأيام المقبلة لنرى كيف ستترجم هذه الوعود لا سيما تلك التي قطعتها الجهتان التركية والإيرانية بهدف محاربة الإسلاميين..".
3- هذا هو الهدف الرئيس من الزيارة، أي الملف السوري، ولكن اعتباراتٍ اقتضت بأن يغلف هذا الهدف بغلاف تجاري، والغرض منه ثلاثة أمور:
الأول: تخفيف وقع العلاقة الودية مع إيران بالتركيز على الناحية التجارية والاتفاقات التجارية، وصرف النظر ظاهريا بعض الشيء عن الأزمة السورية، وذلك لأن موقف إيران عدائي للثورة السورية، فهي عنصر رئيس في القتال بجانب بشار، في الوقت الذي يتظاهر أردوغان بأنه مع الثورة السورية! فجعْل الزيارة مركزة كهدف وحيد على الأزمة السورية يحرج أردوغان ويكشفه للعيان بأن ما يزعمه من تأييد للثورة ونصرة لها ما هو إلا جعجعة دون طحن... لهذا يركز في الزيارة على الهدف التجاري، كأنه يقول إن زيارته تجارية دون أن تمس موقف أردوغان في نصرة الثورة السورية من باب التضليل والضحك على ضعاف العقول!
والثاني: محاولة التخفيف من فضائح الفساد التي شملت المقربين إليه، وكان من ضمن هذه الفضائح ما أُعلن عن رشاوى تقدمها أطراف إيرانية لمسئولين أتراك لتمرير صفقات تجارية إيرانية مع تركيا، فيريد أردوغان القول بهذه الاتفاقيات التجارية التي عقدها: إن تلك ليست رشاوى، وإنما هي علاقات تجارية بين بلديهما، وما يقام به من تحويل أموال كلها مشروعة وليس فيها ما يخالف القوانين، وأن ما يُدَّعى على أنه رشوى إنما هو عبارة عن تقاضي عمولة مقابل القيام بتلك الأعمال!. وهذا في ظنه يُمهد لتبرئة الأشخاص من أبناء وزرائه الذين استقالوا على إثر تلك الفضيحة، وكذلك غيرهم من أتباعه ومؤيديه الذين يحاكمون بشأن هذه القضية...
والثالث: يريد أردوغان من وراء ذلك تعزيز الثقة بالاقتصاد التركي الذي اهتز على إثر فضيحة الفساد حيث تهاوى سعر صرف العملة التركية بشكل كبير، فأصبح الدولار في هذا اليوم يساوي 2,6 ليرة حيث كان قبل هذه الأزمة يساوي حوالي ليرتين. والجدير بالذكر أنه عندما ألغى أردوغان الأصفار وأخرج الليرة الجديدة وأعلن التداول بها ابتداء من عام 2009 كانت تساوي دولارا واحدا. وأثّرت هذه الفضيحة على البورصة التركية، حيث تقدر بعض المصادر غير الرسمية أن الخسائر فيها بلغت نحو 100 مليار دولار منذ الكشف عن فضيحة الفساد الأخيرة التي كشفت أن الاقتصاد التركي اقتصاد غير حقيقي وغير مستقر فهو يعتمد على الديون، فقد تضاعفت ديون تركيا الخارجية من 130 مليار دولار في نهاية عام 2002 عندما استلم حزب أردوغان الحكم إلى أن بلغت 374,456 مليار دولار في نهاية كانون الأول/ديسمبر 2013 (صفحة التجارة والاقتصاد 2014/2/1)، فأراد أردوغان أن يعالج هذا الوضع عن طريق عقد اتفاقيات تجارية مع إيران، وهذه قد تفيده في تحسين نسبة أصوات حزب العدالة والتنمية في الانتخابات المحلية القادمة، حيث تقدر بعض وسائل الاستطلاع أن أصوات هذا الحزب انخفضت إلى 42%، وبعض الوسائل خفضتها الى 39% بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية على إثر فضيحة الفساد التي اعتبرها أردوغان محاولة انقلاب ضد حكومته.
4- وعليه فإن الهدف الأساس من هذه الزيارة هو اتفاق على الحل السياسي في سوريا ومنع أي توجه فاعل لأهل الشام نحو الحكم بالإسلام... ثم هناك تغليف لهذا الهدف الأساس بأعمال تجارية لتخفيف الحرج على أردوغان لأنه كان يُظهر نفاقاً تأييد الثورة السورية في الوقت الذي فيه إيران تدعم بشار بوحشية، فلا يريد أردوغان أن تظهر زيارته إلى إيران مركزة على التآمر على الثورة السورية... بالإضافة إلى أنه بجانب هذا الغرض يوجِد تبريراً للعمولات المالية نتيجة الأعمال التجارية مع إيران بأنها ليست رشاوى دفعت للمقربين إليه، فيخفف من الفضيحة عليهم... ويوجِد حركة في التبادل التجاري بين إيران وتركيا لعلها تحسن ظروف حزب العدالة والتنمية في الانتخابات القادمة. ولكن أردوغان نسي أو تناسى أن الفضائح المالية والسياسية بالسير في مشاريع أمريكا هي كالشمس التي لا تُغطى بغربال! ﴿هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ﴾.
02 من ربيع الثاني 1435
الموافق 2014/02/02م
المصدر: موقع امير حزب التحرير العالم عطاء بن خليل أبو الرشتة