إن ما حدث في حلب من مجازر جماعية وإعدامات ميدانية وهدم للبيوت فوق رؤوس ساكنيها ليس جديداً على الأمة الإسلامية، وليس جديداً على أمريكا والغرب؛ ولا على روسيا، وما حصل في فلسطين وأفغانستان والعراق ليس عنا ببعيد؛ فقد اعتاد الغرب تدمير بلاد المسلمين البلد تلو البلد لأنه ضمن أن جيوش المسلمين مكبلة بحكامها ولن تستطيع التحرك.
يُقتل أهلنا في حلب على مرأى من العالم أجمع: من يدعي صداقة الشعب السوري ومن يعاديه، ولم نر من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي أي تحرك جاد، وهذا يفضح حضارتهم القائمة على جماجم البشر وزيف ادعائهم بضمان حقوق الإنسان وضمان حرياته... يُقتل أهلنا في حلب على مرأى حكام المسلمين الذين لم يحركوا ساكناً ولم تحرك صرخات الحرائر وأشلاء الأطفال ضمائرهم الميتة... يُقتل أهلنا في حلب على مرأى قيادات الفصائل التي لم نر منها أي عمل جاد لإنقاذهم... تتعالى صرخات المستغيثات في حلب ولكنها لم تحرك نخوة من يزعمون زورا أنهم أقاموا خلافة لم يعرفوا منها إلا الاسم؛ بل وقف الجميع مكتوفي الأيدي وهم يرون أهل حلب يذبحون، فاجتمع أعداء الشعب السوري ومن يدعي صداقته والائتلاف وقيادات الفصائل المرتبطة، اجتمعوا جميعاً في خندق واحد ضد أهل الشام، فضاعت حلب بين تفاهمات أمريكا وروسيا وبيعت بثمن بخس في سوق تركيا وقبضت أثمانها قيادات الفصائل فأسلموها لأعدائها يعيثون فيها فسادا؛ وإلا كيف نفسر صمود داريا ما يقارب الأربع سنوات بينما سقطت حلب في عدة أيام؟!!!.
لم نخسر حلب اليوم، وإنما خسرناها منذ سلكت قيادات الفصائل طريق الهدن والمفاوضات... خسرنا حلب عندما قبلنا الدعم المشروط ورهنّا قرارنا لإرادة الداعمين وجعلنا خطوطهم الحمراء تكبلنا وها هي تلتف حول أعناقنا... خسرنا حلب عندما رفضنا الاعتصام بحبل الله المتين وسيطرت علينا المناطقية والفصائلية والتمسك بالامتيازات والمناصب على حساب دماء الشهداء ومعاناة المهجرين من أهلنا...
حلب لم تسقط ولكنها أسقطت كل مدع ومتاجر ومتخاذل وزاعم... مزقت أقنعتهم وكشفت تآمرهم وأيقظت في نفوس المخلصين واجب المحاسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لننقذ ثورتنا ونقود سفينتنا إلى بر الأمان.
إن تدمير حلب هو جزء من المخطط الأمريكي وما روسيا إلا عصا غليظة تستخدمها أمريكا لتركيع المناطق واخضاعها للحل السياسي؛ لكن تدميرها ليس نهاية الثورة بل هي بداية ثورة جديدة لتصحيح المسار فأهل الشام لن يقبلوا بأن تنطفيء شعلة ثورتهم، بل ستضيء من جديد ولكن في خط مستقيم بإذن الله العزيز الجبار، فتؤز الكفار المستعمرين والمنافقين والخونة المارقين تؤزهم أزاً شديدا، وما ذلك على الله بعزيز.
أيها المسلمون الصابرون في أرض الشام عقر دار الإسلام: نسأل الله أن يكون هذا الحدث بداية جديدة تصحح المسار وتضع الأمور في نصابها وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين)، فقد خبرتم الأثر المدمر للمال السياسي؛ وخبرتم ما فعل الداعمون بثورتكم؛ وخبرتم أن الإخلاص بلا وعي يهدر التضحيات ويضيع الثمرات؛ بل يقدمها هدية لأعداء الإسلام، فثورتكم بحاجة إلى خلع كل القيادات المرتبطة، وتوحد الفصائل كافة تحت قيادة واحدة واعية ومخلصة تحدد هدفها الذي يرضي ربها وتبصر الطريق للوصول اليه فلا تتصرف بردات الأفعال التي يفرضها عليها أعداؤها، بل تمضى في طريقها على بصيرة تعتصم بحبل الله وحده وتقطع حبائل المتآمرين علينا التي رأينا كيف أوردتنا المهالك وإلى أي وضع أوصلتنا... فهل نرضى أن نبقى سائرين على غير هدى نتوكل على غير الله ونطلب النصر من أعدائنا ونقيد أنفسنا بدعمهم وقراراتهم قال تعالى: (أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَىٰ وَجْهِهِ أَهْدَىٰ أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)، فهل نرضى؟ أم أن خسارة حلب ستكون صوت النذير الذي يجدد إيماننا ويجعلنا نفرُّ من كيد أعدائنا إلى ربنا نعتصم بحبله وحده ونتوكل عليه وحده وننصره حق نصره حتى ينجز لنا وعده جل وعلا:
(إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)
التاريخ الهجري 16 ربيع الأول 1438هـ
التاريخ الميلادي 1516م
رقم الإصدار: 00738هـ
المكتب الإعلامي لحزب التحرير / ولاية سوريا