إن اتساع رقعة المناطق التي خرجت فيها ثورة الشام، جعلت نظام أسد المُجرم في حيص بيص، لا يعرف كيف يدافع عن نفسه أو يمنع سقوطه المُحتّم، فالثورة قد خرجت من المساجد في المدن الرئيسة، وكذلك القرى في الأرياف، خرجت تُطالب بإسقاط النظام، الذي سرعان ما اختار السلاح لمواجهتها، مما اضطرها للدفاع عن نفسها، وما إن مرّت سنة على انطلاقة الثورة حتى باتت سيطرة النظام المُجرم محدودة لا تتجاوز ربع مساحة الشام.
حدث هذا عندما لم يكن يعرف أهل الشام فصائل متناحرة، ولا قادات مرتبطة، ولا دولارات مسمومة، ولا هدن ولا مفاوضات، يوم أن انشقّ عناصر وضباط من جيش النظام، رافضين الذل والهوان، وطاعة من يأمرهم بقتل أبنائهم وأهلهم، فكانت الثورة قوية بربها صلبة باستقلالها عن الداعمين، نقية من فتاوى الشرعيين، لا تعرف خطوطاً حمراء ولا غيرها، تسير بخطى ثابتة وواثقة بربها نحو إسقاط النظام.
ولعل تآمر الأعداء على أهل الشام لم يعد خافياً على أحد، سواء كان ذلك من الدول التي ادّعت صداقتها، أو التي صرّحت بعداوتها، ولكن المُدقق يجد نوعاً آخر من الأعداء، ممّن قدموا خدمات للنظام المُجرم، ومن خلفه أمريكا، والمجتمع الدولي، قدّموها سواء عن حسن نية أو سوء طويّة؛ علموا ذلك أم جهلوا، أولئك الذين تسيدوا الثورة سياسياً أو عسكرياً فأوردوها المهالك واعطوا للعدو فوق ما كان يتمناه. فرغم كل ما تلقّاه النظام من دعمٍ بالرجال والسلاح، إلا أنه لم يكن ليلتقط أنفاسه مرّة بعد مرة لولا الاقتتال بين فصائل الثورة على مدى السنوات السبع الفائتة، والذي كان مُحركه الأساس دول داعمة وخلاف القادة على سلطة أو نفوذ أو مال أو غيره والذي طالما حذر منه حزب التحرير ومن نتائجه الكارثية، ولم يكن النظام كذلك قادراً على الاستفراد وتهجير حمص ثم داريا والزبداني ومضايا وحلب والغوطة وغيرها، لولا قبول قادة الفصائل بالهدن والمشاركة في مؤتمرات ترعاها دول تساند النظام وتغض الطرف عن إجرامه؛ لينبثق عن هذه المؤتمرات قرارات خفض التصعيد من طرف واحد فقط، والتي أيضا حذر منها حزب التحرير- الرائد الذي لا يكذب أهله- إلا أن تحذيره كان يقابل بالاستهزاء والسخرية تارة وتارة بالطعن والتشكيك.
نعم، لقد قدّم قادة الفصائل خدمات عظيمة لنظام أسد المُجرم، لم يكن ليحلم بها لولا غياب الوعي السياسي الذي بات واضحا عليهم، مما جعلهم يقبلون بالمال السياسي القذر الذي أجبرهم على أن يبقوا متفرقين، بل ومتقاتلين بين الفينة والأخرى، ليس هذا فحسب، بل جعلهم هذا المال أدوات بأيدي داعميهم وبيادق يحركونها حيث تكون مصالحهم، ومرة أخرى يقابل تحذير حزب التحرير من هذا المال المسموم بالسخرية والاستهزاء.
أيها المسلمون في الشام عقر دار الإسلام:
لقد استطاع النظام المجرم أن يأخذ حمص بداية ليفصل الشمال عن الجنوب، ومن ثم أخذ حلب، وبعدها أبعد الخطر عن محيط دمشق بتهجير مدن الريف كوادي بردى وداريا وبرزة، وأخيراً الغوطة الشرقية، وكل ذلك كان بتآمر واضح من المُجتمع الدولي بدوله ومنظماته، ويُضاف لهم قادة الفصائل الذين خذلوا أهلهم وثورتهم وفرّطوا بثوابتها، فحقّ لطاغية الشام أن يرفع قبعته إجلالاً وتقديراً لقادة الفصائل ومشرعني أعمالها على هذا الجميل الذي قدّموه له؛ وعلى هذا القبيح الذي قدموه لأهل الشام وثورتهم، وحقّ لأهل الشام أن يلفظوهم لفظ النواة، وأن يوسّدوا أمر هذه الثورة اليتيمة لمن يخشى الله، ويحمل الإسلام مشروعاً لتطبيقه، فيعطوا القيادة السياسية لحزب التحرير على مشروع الخلافة الراشدة, فيعيدوا لثورتهم ألقها، فتعود من جديد هي لله فتنقض على نظام أسد فتُسقطه وتُقيم حكم الإسلام على أنقاضه خلافة راشدة على منهاج النبوة. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ).
التاريخ الهجري: 29 رجب 1439هـ
التاريخ الميلادي 15 نيسان 2018م
رقم الإصدار: 00539هـ
أحمد عبد الوهاب
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير - ولاية سوريا