شهدت معظم المناطق المحررة مظاهرات حاشدة، بعد صلاة الجمعة 7/9/2018م، لتؤكد على أنّ جذوة الثورة لم تنطفئ في نفوس أهل الشام الصابرين، وأنها لازالت شعلة متقدة، ولا زالت ثابتة ثبوت الجبال الراسيات.
ولا شك أن الحراك الشعبي له أهميته الكبرى في توجيه الرأي العام، وله دور كبير حتى في دعم الأنظمة أو إسقاطها؛ فالثورة بدأت بحراك شعبي مبارك ضد نظام العمالة والإجرام في دمشق؛ فأسقطت شرعيته، وزلزلت أركانه، مما دفع المجتمع الدولي للعمل على دعم نظام العمالة في دمشق، ومحاولة إعادة الشرعية إليه، وبذلت الدول الكبرى والمتآمرة على ثورة الشام لسنوات عديدة جهودا كبيرة لاحتوائها وحرفها عن مسارها.
ولم يعد يخفى على أحد أن الانتكاسات التي وقعت لثورة الشام بشقيها العسكري والشعبي، إنما كانت نتيجة ربط قرارها بالمجتمع الدولي، والدول الداعمة، التي صادرت قرار الثورة، وحرفت بوصلتها وألزمتها بالخطوط الحمراء والتوجيهات، التي أنهكت الثوار، وحافظت على نظام الإجرام.
فكان لابد من الحذر كل الحذر أثناء أي حراك شعبي جديد من الوقوع في الأخطاء القاتلة نفسها التي تم الوقوع فيها سابقاً، والحذر كل الحذر من أن يُتَّخذ أي قرار رهناً لمصالح الدول الفاعلة على الساحة السورية، أو أن تكون أية مطالب وأهداف أو شعارات تحت السقف الذي تسمح به هذه الدول، ووفق ما ترتضيه من سياسات، بذريعة عدم إغضابها في محاولة للحصول على سراب دعمها.
فكان لا بد للحراك الشعبي الجديد أن يحصِّن نفسه من الانحراف، حتى لا تضيع التضحيات العظيمة التي قدمها أهل الشام سدى.
ومن أهم الأمور التي تحصن أي حراك شعبي:
1- وجود مشروع واضح يلتف حوله الناس بحيث يكون نابعا من عقيدتهم، فوجود هذا المشروع هو الذي يجمع شتاتهم ويوحد كلمتهم ويبلور أهدافهم؛ وتكون المحاسبة على أساسه فلا يستطيع أحد أن يحرف الحراك عن مساره.
2- ولا بد أيضاً للحراك من قيادة سياسية واعية ومخلصة؛ توجهه نحو الأعمال التي من شأنها أن توصله إلى أهدافه في أن يكون مشروعه مطبقا بشكل عملي ضمن دولة.
3- ولا بد من التمسك بثوابت الثورة التي تبلورت عبر مسيرتها الطويلة، والمتمثلة بإسقاط النظام بكافة أركانه ورموزه، وقطع العلاقات مع الدول الداعمة التي تسمى بأنصار الثورة، زوراً وبهتاناً، وأن يكون الهدف من كل ذلك هو إقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
بهذا نطمئن إلى أن الحراك الشعبي أصبح محصنا، ولن يستطيع أحد أن يستغله، أو يحرفه عن مساره، لأنَّه يسير بشكل ثابت متصاعد، وفق ثوابته من أجل تحقيق أهدافه.
وبغير ذلك فالحراك معرض للانحراف، وما شاهدناه من التسويق لاسم "خيارنا المقاومة"؛ وما يُرفع من شعارات تخالف قناعات الناس ومتطلباتهم؛ هو من أجل تغييب أهداف الثورة الحقيقية...
إن مكر الدول الكافرة بأهل الشام الصابرين وثورتهم مكرٌ كبيرٌ، علينا أن نحذر الوقوع فيه بتحصين أنفسنا، والاعتصام بحبل ربنا، والتوكل عليه، والركون إلى ركنه المتين، ففي ذلك نجاتنا وخلاصنا ونصرنا.
قال تعالى:
((وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ))
أحمد عبد الوهاب
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير / ولاية سوريا