إن سقوط دولة الخلافة في الثامن والعشرين من شهر رجب سنة 1342ه؛ الموافق الثالث من آذار عام ١٩٢٤م؛ لم يكن حدثا عابرا؛ بل كان أكبر كارثة حصلت في تاريخ المسلمين؛ وأكبر مصيبة وقعت على رؤوسهم، وكانت منعطفاً خطيراً في حياة الأمة الإسلامية، ولايزال المسلمون يدفعون ثمن سكوتهم عن هذه الجريمة النكراء غالياً حتى يومنا هذا.
لقد خسر المسلمون بسقوط دولتهم الخلافة؛ العيش في ظل عدل الإسلام ورحمته وعزته وقوته؛ بعد أن دمر الغرب الكافر دولتهم ومزق بلادهم؛ وحول ديارهم كلها إلى ديار كفر، فقد أمست أنظمة الكفر الوضعية هي المطبقة؛ وأمسى الأمان بأمان الكفر بعد أن كان بأمان الإسلام.
وبسقوط الخلافة انتقضت أكبر عروة من عرى الإسلام ؛ وأصبح فصل الدين عن الحياة؛ هو الأساس للأنظمة والقوانين المنظمة لحياة المسلمين، فعادت حياة الجاهلية إلى الواجهة من جديد؛ وعاد السفور؛ وانتشر الزنا والاغتصاب؛ والربا وتعاطي الخمور والرشاوي؛ وانتشر الظلم والاستعباد؛ والقتل وارتكاب المجازر الجماعية؛ وأكل أموال الناس بالباطل، وغابت أنظمة الإسلام عن الوجود.
وبسقوط الخلافة خسر المسلمون وحدتهم السياسية والعسكرية والاقتصادية والجغرافية، فبعد أن كانوا أمة واحدة من دون الناس؛ ويعيشون في دولة واحدة تحت ظل خليفة واحد؛ أصبحوا أجزاء مقسمة؛ تفصلها حدود مصطنعة؛ رسمها لهم الغرب الكافر؛ وسلط عليهم أراذل البشر فجعلهم حكاما ظلمة، فساموهم سوء العذاب؛ وحكموهم بالحديد والنار؛ واستعبدوهم؛ وجعلوا أعزة الناس أذلة، قال تعالى: ﴿إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾.
وبسقوط الخلافة فقدَ شرع الله عز وجل سيادته على الدولة والمجتمع؛ وأصبحت السيادة للحاكم المتسلط الذي يحكم الناس بالحديد والنار تحت شعار كاذب اسمه الديمقراطية؛ وبذلك فقدَ الشرع سيادته وفقد المسلمون سلطانهم.
وبسقوط الخلافة؛ توقفت الفتوحات الإسلامية؛ وتوقف معها حمل رسالة الإسلام إلى العالم، ففقدت الأمة خيريتها؛ وفقد المسلمون مكانتهم وهيبتهم بين الأمم، فتسلط عليهم أعداؤهم يمزقون بلادهم؛ ويحاربون دينهم، مما أدى الى سيطرة المبدأ الرأسمالي الذي يكتوي العالم أجمع بشروره وفساد معالجاته وأنظمته الوضعية.
وبسقوط الخلافة خسر المسلمون حقهم بالانتفاع بثرواتهم التي هي من الملكية العامة؛ بعد أن تحولت بلادهم إلى ساحات للصراع على الثروات وتأمين المصالح، فأصبحوا كالأيتام على موائد اللئام؛ يعيشون حياة الفقر والجوع؛ ويشقون في حياتهم وعيشهم؛ في الوقت الذي يسرق المتسلطون خيراتهم وثرواتهم.
أيها المسلمون في الشام عقر دار الإسلام:
ألم تسألوا أنفسكم ماذا جنى المسلمون من عيشهم في ظل الأنظمة الوضعية؛ غير الذل والهوان؛ والقمع والاستعباد؛ والقهر والتبعية؛ والفقر وضنك العيش؛ وفي الآخرة عذاب شديد، قال تعالى: ( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ).
لقد حان الوقت لتعملوا جاهدين مع إخوانكم العاملين لإعادة الحكم بما أنزل الله؛ واستئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة؛ لتتحقق على أيديكم بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فتفوزون في الدارين، فتسودوا وتسعدوا في الحياة الدنيا؛ وتنالون في الآخرة مغفرة من الله ورضوان.
أيها المسلمون في أرض الشام المباركة:
إن الغرب الكافر جعل قضيته المصيرية منع عودة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة من جديد؛ مع علمه بأنه قد آن أوانها، فتجده يصر على إقصاء الإسلام عن الدولة والمجتمع؛ وعلى فرض الأنظمة الوضعية؛ ومحاربة العاملين من أجل صحوة الأمة وإقامة دولة الخلافة، ولكن حرصه هذا لن يمنع شمس الخلافة الراشدة على منهاج النبوة أن تشرق من جديد، فهي وعد الله عز وجل المنجز؛ وبشرى من رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم القادمة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " .. ثم تكون خلافة على منهاج النبوة.. " .
نسأل الله سبحانه وتعالى؛ أن نكون من جنودها وشهودها، وأن تعود أرض الشام عقر دار الإسلام.
أحمد عبد الوهاب
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير / ولاية سوريا
السبت، 01 / رجب / 1442هـ
2021/2/13م
رقم الإصدار: 006 / 1442هـ