press

حملة لا لجريمة الحل السياسي نعم لإسقاط النظام وإقامة الخلافة

banner

alraiah240216

لقد وقعت تركيا في مأزق شديد فيما يتعلق بالشأن السوري بسبب ارتباطها بأمريكا التي تتلاعب بها. فلم تحسم أمرها فتقوم وتنصر أهل سوريا حتى يسقطوا النظام، وإنما أصغت لأمريكا ونفذت لها كل ما أرادت حتى وصل الحال بها إلى ما وصل، حيث بدأت ترى خطر وجود قاعدة أخرى ينطلق منها دعاة الانفصال من الأكراد العاملين لحساب أمريكا في سوريا. فقد صرح الرئيس التركي أردوغان يوم 17/2/2016: "لن نقبل أبدا بوجود قنديل جديدة"، في إشارة إلى جبال قنديل التي ينطلق منها حزب العمال الكردستاني في العراق ضد تركيا. وذلك إثر التفجير الذي حصل في أنقرة في ذلك اليوم، وقد اتهم رئيس الوزراء داود أوغلو وحدات حماية الشعب الكردية وبدعم من حزب العمال الكردستاني بواسطة شخص سوري الجنسية.

ورد حزب الاتحاد الديمقراطي بنفي اتهامات تركيا، وقام باتهام حكامها بأنهم "يقفون خلف تلك التفجيرات لتبرير تدخلهم في سوريا". ولإبعاد التهمة عن الوحدات الكردية أعلن تنظيم "صقور حرية كردستان" مسؤوليته عن التفجير، وأعلن اسم شخص آخر تركي الجنسية قام بالتفجير، وهو يختلف عن اسم وانتماء الذي أعلنه داود أوغلو، وهذا التنظيم صنفته أمريكا عام 2008 كتنظيم إرهابي. فمعنى ذلك أنه يراد إبعاد تركيا عن التدخل في سوريا بذريعة قيام الوحدات الكردية العاملة لحساب أمريكا هناك. ويفهم من ذلك أن أمريكا لا تريد تدخل تركيا المباشر في سوريا حاليا.

ولم تقبل أمريكا اتهام تركيا لهذه الوحدات بالقيام بالتفجير، بل أعلنت دعمها لها وأنها لا تعتبرها إرهابية هي وحزب الاتحاد. والسعودية صمتت أمام ذلك ولم تدعم تركيا في هذه النقطة انصياعا لأوامر أمريكا ولم تعتبر هذه الوحدات تنظيما إرهابيا. حيث إن السعودية تابعة لأمريكا ولا يمكن أن تتصرف خارج إرادتها بغض النظر عن مصالحها هي، بينما تركيا تفكر في مصالحها وهي تدور في فلك أمريكا. مما يدل على أن أمريكا غير راضية عن التصرف التركي.

وقال المتحدث باسم خارجية أمريكا كيربي بأن "منفذ الهجوم لا يزال مجهولا"، وطالب تركيا بالكف عن الهجوم على هذه الوحدات حتى إنه قال: "نحن لا نطلب من تركيا الانسحاب من التحالف الدولي المشكل لضرب داعش، وإنما القرار في النهاية في يد أنقرة". وكأن أمريكا تقول لتركيا نحن قررنا عدم التخلي عن الوحدات، وذلك مقابل سؤال أردوغان على "أمريكا أن تختار إما نحن وإما التنظيمات الكردية الإرهابية". وهذا يدل على أن أمريكا ترجح استخدام هذه التنظيمات الكردية العميلة على التدخل التركي، فقد ولجت في سوريا بواسطتها وأقامت قاعدة استخباراتية هناك، فهي تنظيمات عميلة حتى النخاع، ويدل أيضا على أن أمريكا لا تريد لتركيا التدخل لضرب هذه التنظيمات.

وثار أردوغان غاضبا يوم 19/2/2016 ورد على كيربي قائلا: "لا أخاطب كيربي وسأبحث الموضوع مباشرة مع أوباما الذي أبلغته قبل شهور أن نصف عتاد عسكري أرسلته الولايات المتحدة انتهى إلى وحدات الشعب الكردية.. وليس لدي شك في وقوف وحدات حماية الشعب الجناح المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي وراء الهجوم بسيارة مفخخة أسفر عن مقتل 28 شخصا". وقال إنه "سيحذر الرئيس الأمريكي أوباما في اتصال لاحق بشأن الدعم الذي تقدمه أمريكا للمقاتلين الأكراد في سوريا"، وقال إنه "من المحزن عدم إعلان الغرب حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات الشعب منظمة إرهابية على الرغم من وجود كافة الأدلة على ذلك". واتهم روسيا ونظام بشار والوحدات بهدف "تكوين منطقة للأكراد في جنوب تركيا". وقال وزير خارجية تركيا جاووش أوغلو يوم 20/2/2016 "إن اللجوء إلى جماعات إرهابية مثل وحدات حماية الشعب في محاربة تنظيم الدولة في سوريا هو قبل كل شيء دلالة على الضعف، وطالب بوقف هذا الخطأ، خاصة حليفتنا الولايات المتحدة يجب أن توقف هذا الخطأ فورا". وجرى اتصال هاتفي بين الرئيسين الأمريكي والتركي مساء 19/2/2016 استمر 80 دقيقة. وذكرت الأنباء بأن "أردوغان هدد بإغلاق قاعدة إنجرليك، وحذر أمريكا من أي دعم جديد لحزب الاتحاد الديمقراطي الجناح السياسي لوحدات الشعب".

وقال المتحدث باسم البيت الأبيض جوش إرنست إن الرئيسين تناولا خلال الاتصال الهاتفي "المسألة السورية وستقدم معلومات مفصلة عن اللقاء في وقت لاحق، وتناولا الوضع الراهن للتعاون الأمريكي التركي ومستقبله وذلك في قضايا الحرب ضد الإرهاب والتطورات الأخيرة في سوريا، وأكدا على دعمهما للاتفاق الذي تم التوصل إليه في ميونخ المتعلق بوقف المواجهات في سوريا، موضحين أن أهدافهم مشتركة فيما يخص الحرب ضد داعش". وأفاد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية تونر عندما سئل عن اتهام أردوغان لأمريكا، فادعى أن "أمريكا لم تقدم أية أسلحة لوحدات الشعب الكردية".

واعترف النظام السوري بتعاون هذه الوحدات معه؛ فقد قالت بثينة شعبان مستشارة بشار أسد يوم 19/2/2016 "إن أعضاء حزب الاتحاد الديمقراطي وذراعه العسكرية وحدات الشعب سوريون يعملون على تحرير أراضي سوريا بالتعاون مع الجيش السوري والطيران الروسي قوات الدفاع الشعبي". مما يؤكد تبعية النظام السوري لأمريكا التي تدعمه بكل هذه القوى وأن هناك تنسيقاً بين هذه الأطراف.

وكان بشار أسد قد تعهد "باستمرار القتال ضد الجماعات الإرهابية حتى استعادة الأراضي السورية كاملة" مما أغضب روسيا فرد عليه مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة، "فيتالي تشوركين" يوم 19/2/2016 "إذا واصلوا (النظام ومن معه) على أساس أن لا حاجة إلى أي وقف لإطلاق النار وأنهم بحاجة للقتال من أجل انتصار نهائي، سيستمر هذا النزاع فترة طويلة جدا ومن المروع أن نتخيل ذلك"، وقال: "روسيا انخرطت بجدية كبرى في هذه الأزمة سياسيا ودبلوماسيا والآن عسكريا، وبالتالي نريد أن يأخذ بشار أسد هذا بالاعتبار، وإن موقف الرئيس السوري لا يتوافق مع الجهود الدبلوماسية التي تبذلها روسيا، وإنه في حال سارت سوريا خلف قيادة روسيا في حل الأزمة فستكون هناك فرصة للخروج منها بكرامة، لكن إن ابتعدت بطريقة ما عن هذا السبيل.. فقد ينجم وضع صعب جدا وضمنا بالنسبة إليهم". وعلق على اتفاق ميونخ "آمل أن تدرك دمشق أن هذه فرصة فريدة لسوريا بعد خمس سنوات من الدمار المتواصل". أي أن روسيا لا تريد أن تسير إلى ما لا نهاية في الانخراط في سوريا حيث سيكلفها كثيرا وستكون له تداعيات عليها على المدى البعيد، وهي سائرة مع أمريكا في الحل السياسي حتى تقف الثورة ويثبت النظام العلماني ويحول دون عودة الإسلام إلى الحكم، ويريد من بشار أسد أن يسير في هذا الحل، ولا يظن أن مواصلته للقتال مفيدة وأن روسيا ستستمر في دعمه. وعلى إثر ذلك أعلن بشار أسد يوم 20/2/2016 أنه "مستعد لوقف إطلاق النار، بشرط منع الإرهابيين من استغلاله ومنع البلدان الأخرى وخصوصا تركيا من إرسال المزيد من الدعم والأسلحة للإرهابيين"، وقال "إن القوات السورية الآن على وشك السيطرة بالكامل على مدينة حلب بشمال سوريا وتتقدم صوب الرقة معقل داعش".

ومن هنا تأتي تصريحات عادل الجبير وزير خارجية السعودية التي نشرتها دير شبيغل الألمانية يوم 20/2/2016 بأن "بلاده تؤيد إرسال صواريخ أرض- جو لمجموعات معارضة معتدلة في سوريا لتمكينها من ردع مروحيات النظام السوري..، وإن التدخل الروسي لن ينقذ بشار أسد على المدى الطويل ويتعين عليه التنحي حتى يمكن تحقيق عملية سياسية في سوريا". وكذلك "سماح تركيا لمئات المقاتلين من الدخول إليها من إدلب ومن ثم نقلتهم إلى حلب من معبر باب السلامة للقتال في أعزاز". فالسعودية وتركيا لا تريدان أن تسقط حلب وأن يسيطر بشار أسد، فمعنى ذلك أن الأزمة ستستمر، لأن الناس لن يرضوا ولن يسكتوا، وأمريكا وروسيا تدركان ذلك. ولذلك تنسقان لوقف القتال، فأعلن المتحدث الأمريكي كيربي يوم 21/2/2016 أن "وزير خارجية أمريكا كيري ونظيره الروسي لافروف لم يتوصلا إلى آليات لوقف العمليات القتالية في سوريا حتى الآن". وأنه "يأمل في إمكانية تحقيق وقف إطلاق تام للأعمال القتالية في أقصر وقت ممكن".. وأعلنت الهيئة السورية العليا للمفاوضات أنها ستتخذ قرارا يوم 22/2/2016 بالموافقة على هدنة مؤقتة بشرط ضمانات بأن يوقف النظام السوري وحلفاؤه بما فيهم روسيا إطلاق النار. (الشرق الأوسط 21/2/2016) وذلك بعد الرسالة التي تسلمها من فيتالي تشوركين يوم 19/2/2016، وقال مصدر مقرب لرويترز "وافقت على هدنة تستمر أسبوعين وثلاثة أسابيع وستكون قابلة للتجديد وبالتوقف عن استهداف جبهة النصرة باستثناء داعش.

والخلاصة أن أمريكا تريد وقف القتال لتنفيذ الحل السياسي وكذلك روسيا وهي تسير وتنسق معها، ومن مقتضياته خروج بشار أسد في النهاية وبقاء النظام العلماني وإلا فالأزمة ستستمر. وهذه فرصة كبيرة لأمريكا باستمالتها بعض فصائل الثورة للتفاوض والقبول بحلها. والسعودية وتركيا موافقتان على ذلك حتى تتخلصا من تداعيات الثورة السورية، ولكن تركيا أردوغان تتخوف من المستقبل الذي ستكون عليه سوريا إذا ما منحت أمريكا شكل حكم للأكراد، ولكن في النهاية عندما تنفذ أمريكا ذلك فإنها ستنصاع كما حدث في كل مرة، وكما انصاعت عندما أقامت أمريكا إقليما كرديا في شمال العراق بعد الاحتلال. ومع كل هذا التآمر فإننا نتطلع إلى ثبات أهل سوريا وعدم خضوعهم، وأن يستمروا بالتصدي لأي حل يخالف شرع دينهم ويحقق هدفهم بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.


كتبه لجريدة الراية: أسعد منصور، بتاريخ الأربعاء 24 شباط\فبراير 2016م
المصدر: http://bit.ly/1oAtipb