press

حملة لا لجريمة الحل السياسي نعم لإسقاط النظام وإقامة الخلافة

banner

art191117

حينما فقدت الأمة الإسلامية إدراكها بأن مفاتيح التغيير بين يديها وأن حياتها هي ما تصنعه بنفسها وليس أمرا يهبط من السماء، هنا بدأت روح الانحطاط الفكري تلوح في أفق الأمة الإسلامية؛ حتى انعكس على علمائها أنفسهم فظهرت بينهم فكرة الاعتزال والركون إلى الوحدة، وتركوا الأمة وشأنها واعتزلوها ولزموا بيوتهم وصار يدور على ألسنتهم قوله عليه الصلاة والسلام عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: قلت: (يا رسول الله! ما النجاة؟ قال: أَمْسِكْ عليك لِسانَكَ، ولْيَسَعْكَ بَيْتُكَ. وابْكِ على خطيئتك)، أخرجه الترمذي.

ويفهمونه فهما خاطئا ضاربين بهذا الفهم الخاطئ عرض الحائط جميع الآيات والأحاديث التي توجب الخلطة بالناس ووجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووجوب الأخذ على يد الظالم، ومتناسين قوله عليه الصلاة والسلام: (كلاَّ والله، لتأمُرُنَّ بالمعروف، ولَتَنْهَوُنَّ عن المنكر، ولَتأخُذُنَّ على يَدِ الظَّالم، ولَتَأطِرُنَّهُ على الحق أطْرًا، أو لَتَقْصُرُنَّهُ على الحقِّ قصراً)، رواه أبو داود. ومتناسين لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المسلم الذي يُخالط الناس، ويَصْبِرُ على أَذاهم خير من الذي لا يخالط الناس، ولا يَصْبِرُ على أذاهم)، الترمذي.

كما ظهر لديهم فهم خاطئ لقوله تعالى: (يا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) [المائدة: 105]، فصار أحدهم يستدل بهذه الآية على اعتزال أمر الأمة وترك شؤونها وعدم الاهتمام بما يدور حوله وحول الأمة أو في داخلها من أحداث ومصائب. علما أن الآية فهمها خلاف ذلك قطعا؛ فقد جاء في سنن أبي داود عن قيس بن أبي حازم - رضي الله عنه - قال: قال أبو بكر، بعد أن حَمِد الله وأثنى عليه: يا أيُّها الناس، إنكم تقرؤونَ هذه الآية وتَضَعونَها على غير موضِعِها، (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفُسَكُم لا يضُرُّكم من ضلَّ إذا اهتديتم) [المائدة: الآية 105]، وإنما سمعنا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يَديه، أوشَكَ أن يَعُمَّهُم الله بعقاب). وإني سمعت رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (ما من قوم يُعْمَلُ فيهم بالمعاصي، ثُمَّ يَقْدِرُونَ على أنْ يُغَيِّرُوا ولا يغيرون، إلا يوشِكُ أن يَعُمَّهُم الله بعقاب).

كما جاء في المستدرك على الصحيحين للحاكم (4/ 358) عن أبي أمية الشعباني قال: سألت أبا ثعلبة عن هذه الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ)، فقال أبو ثعلبة: لقد سألت عنها خبيرا، أنا سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلا فقال: (يا أبا ثعلبة مروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر فإذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة ورأيت أمرا لا بد لك من طلبه فعليك نفسك ودعهم وعوامهم فإن وراءكم أيام الصبر صبر فيهن كقبض على الجمر للعامل فيهن أجر خمسين يعمل مثل عمله)، قال الذهبي: صحيح. وهذا الحديث بالذات أخذ منه المسلمون وسطه وتركوا أوله وآخره والذي هو مرتبط به لا ينفك عنه فقد أخذوا منه قوله عليه الصلاة والسلام (فإذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة ورأيت أمرا لابد لك من طلبه فعليك نفسك ودعهم وعوامهم) وتركوا قوله عليه الصلاة والسلام قبله (مروا بالمعروف و تناهوا عن المنكر) وقوله عليه الصلاة والسلام بعده (فإن وراءكم أيام الصبر)، أي عليكم أن تأمروا بالمعروف وتنهوا عن المنكر فإن لم يستجب لكم فاقبضوا على دينكم واصبروا على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فمعنى قوله دع عنك أمر العامة أي لا تصبح مثلهم في التراخي والتهاون في هذه الفريضة بل الزمها ولو لم تقم بها إلا أنت واصبر عليها.

وقد كان لهذا الفهم الخاطئ للشرع أثره السيء على حياة المسلمين، حيث أنه سقطت الخلافة ولم تتحرك الأمة لاسترداد سلطانها ولم تتحرك الأمة لإعادة الإسلام إلى الحياة، ولم تقم بأية حركة ضد ما فعله المجرم مصطفى كمال - اللهم إلا حركات فردية - ولم تتحرك الأمة بمجموعها ضد هذه الجريمة النكراء، وكأن الأمر لا يعنيها ولا يهمها، بل إن بعض أبناء الأمة كان مطية لدول الكفر وشريكا لها في هذه الجريمة النكراء، وكأن التي هُدم صرحها ليست دولتهم وكأن التي طُمست معالمها ليست خلافتهم.

 

للمكتب الإعلامي لحزب التحرير- ولاية سوريا
أ. معاوية عبد الوهاب