press

حملة لا لجريمة الحل السياسي نعم لإسقاط النظام وإقامة الخلافة

banner

142020raya

 

دخلت ثورة الشام في هذه الأيام عامها العاشر وهي تعاني الأمرين على الصعيدين الداخلي والخارجي، فهي تمر بمنعطف صعب مع العلم أنه في مسيرتها كثرت المنعطفات والمطبات، وقد قطعت مسيرتها هذه طوال ما يقارب العقد من الزمان بدون أن تتخذ قيادة واعية مخلصة تلتزم ثوابت الثورة وتحمل مشروع التغيير الحقيقي المؤدي إلى نهضة حقيقية.

قد يكون هذا الواقع طبيعياً بالنسبة لحركة شعب انتفض في وجه نظام مجرم حرص طوال عهده المشؤوم على إبقاء الشعب تحت قيادته المجرمة عبر إسكات كل صوت حر وإزاحة كل من يحمل النصح والرشد والخير لهذا الشعب.

فقد أقام شبكات من الأفرع الأمنية وبنية تحتية من السجون واستولى على المنابر وخرّج أبواقاً له لإضلال الناس عن الهدى وللحيلولة دون تفلت هذا الشعب من قبضة عصابته المجرمة.

لم يُبق للشعب قائداً ولا وجيهاً ولا موجّهاً ولا مؤثراً بل قضى على كل ذلك لإدراكه التام أن الشعب لو تفلت من سيطرته ولم تكن له قيادة واعية مخلصة توجهه فإنه سيتعثر في مساره وسيلحق به ثانية ويعيد إخضاعه مجدداً لقهره.

إن أي حراك شعبي لا بد له من قيادة توجهه كي يصل إلى هدفه ويحقق طموحه، ولما كانت الثورات هي حركات شعبية سِمتها الفوضى فإنه لا يستقيم أمرها ولا تصل لغايتها بدون قيادة توجهها، فقد لاحظنا أن الثورات التي قامت في بلاد المسلمين والتي سميت "بالربيع العربي" كانت تفتقر للقيادة السياسية الواعية المخلصة، التي تمتلك مشروع التغيير والبرنامج الذي يجب أن تسير عليه، لهذا سهل على الدول الالتفاف على هذه الثورات وحرف مسيرتها.

وإننا إذ نشدد على الوعي والإخلاص وحمل المشروع والبرنامج في وصف القيادة السياسية المفترضة لأن الثورات في مسيرتها هذه أصيبت بإخفاقات كثيرة وبخيبة أمل كبيرة جراء اتباعها لمن ظنت فيهم حسن القيادة ولم يكونوا لها البتة.

فالأمة وإن وعت على حقيقة هذه الأنظمة وانتفضت عليها، لكن وعيها وعي عام يجعلها تقف عند كل منعطف، وتطلب المشورة عند كل جديد فإن لم تجد من يوجهها بصدق ووعي وإخلاص فإنها تسمع لما يقال وتتأثر بما تسمع وكما يقول المثل "الغريق يتعلق بقشة" فقد تسير في طرقات لا توصلها لغايتها وقد سارت، وقد وثقت بشخصيات وفصائل ولجان وقادة ولكن للأسف خيبوا ظنها جميعهم بعمالة بعضهم وارتباطهم بأعداء الأمة تارة وبقلة وعيهم وسذاجتهم في التفكير وعدم امتلاكهم لبرنامج العمل تارة أخرى.

ولما كانت الحركات الشعبية بحاجة ماسّة للقيادة السياسية المخلصة الواعية، فإن حاجة ثورة الشام لها لهو أكثر وأشد، كيف لا وهي تواجه إجراماً دولياً منظماً لم يسبق له مثيل في التاريخ، فقد اتفقت دول العالم وأجمعوا كيدهم ومكرهم للقضاء على هذه الثورة، وقد وُزعت الأدوار بين الدول فمنهم من تظاهر بالصداقة لهذا الشعب كذباً وتدليساً ومنهم من تظاهر بالحماية له، بينما هو أحرصهم على سحق هذه الثورة والقضاء عليها.

ولقد برزت أهمية دور القيادة السياسية الواعية المخلصة، عندما أدرك المقاتلون المخلصون خطورة المنظومة الفصائلية المرتبطة التي انسحبت من مئات القرى والمدن بأوامر الداعم الذي يدعي الحماية والوصاية، لقد تكرر ذلك المشهد مرارا في حلب والغوطة والقلمون وحوران وإدلب وحماة.

وقد لمس الجميع الحاجة الماسّة للقيادة السياسية الواعية المخلصة المدركة لما يخطط لها، كما رأينا الأثر السلبي لدور القيادات الحالية التي لا تزال تستمع وتصغي لما يقوله رجالات أمن النظام المجرم وقادات الروس المحتلين. فالقيادات الحالية التي جلس أغلبها مع الروس ومع رجال أمن النظام المجرم جرى القبول بها في وقت عصيب كانت تمر به حوران يومئذٍ. لكنها اليوم تكبل الثورة والشباب الثائر بحجة المحافظة على الأمن والعهود والمواثيق وهي تعلم يقيناً أنه لا أمن بوجود هذا النظام المجرم كما أنه لا عهد له ولا ميثاق، فالقيادات المتصدرة اليوم في درعا البلد بدل أن تطلق يد أهل الثورة في مناسبة الثورة اكتفت بجعلها مناسبة احتفالية أقامت فيها وقفة لا ترقى لمستوى رمزية مهد الثورة في الوقت الذي كان فيه النظام المجرم يقصف جلين ومساكن جلين وتسيل بالمدفعية الثقيلة والراجمات.

إن مهمة القيادة السياسية ليس محصوراً بالدلالة على مكامن الخطر والتحذير منها على أهميتها، بل يجب أن تمتلك الوسائل والوعي لكي تحافظ الثورة على مسيرتها وتصل لهدفها بأقل التكاليف، عبر ترشيد الثورة وتوجيهها الوجهة الصحيحة نحو غايتها وإعطائها المعالجات اللازمة لكل مشكلة ومعضلة مع التحذير من جميع المخاطر التي من الممكن أن تعتري هذه المسيرة، بل ويجب على هذه القيادة أن تكون صاحبة مشروع يحقق طموحات الأمة قبل وبعد إسقاط النظام، إذ إن الثورة التي لا تمتلك مشروع تغيير مع برنامج تسير عليه للوصول إلى غايتها، ستكون فريسةً سهلةً لقوى الشر التي سرعان ما تنقض عليها قاطفةً ثمرتها. والثورات التي اندلعت عبر التاريخ تشهد على هذا، إن كان في البلاد الاسلامية أو في غيرها، حديثا وقديماً، ومصر وتونس خير شاهد.

وختاماً فإن ثورة الشام قدمت التضحيات الجسام وتعرض أهلها ولا يزالون لأشد أنواع القتل والتهجير والتعذيب والقهر، أمام أعين العالم أجمع، ولكنهم لا يزالون مصرين على إكمال ثورتهم، وما رأيناه في الجنوب والشمال وشرقي الفرات من حركات شعبية ترفض وبشكل قاطع الرجوع للنظام لهو دليلٌ على توقد الثورة في نفوس الناس، فالثورة في عامها العاشر باتت عصيةً على أن يطوعها قهر الجبابرة وظلم المجرمين وما خروج الناس على طريق الـ(إم) رافضين تسيير الدوريات عليه إلا من هذا الإصرار.

لكن لا بد للوصول من التوكل على الله سبحانه، ورفع شعار نصرة الله ونصرة منهجه، والإعلان على أن الهدف الذي سنعمل على تحقيقه بعد إسقاط النظام، هو إقامة النظام الذي يرضى عنه الله عز وجل، نظام الإسلام العظيم المتمثل في نظام الخلافة على منهاج النبوة، فتحفظ التضحيات ولا تضيع سدى، ويتحقق العدل، والسعادة والكرامة لكل الناس، ذلك النظام الذي أصبح حاجةً بشريةً ملحةً، بعدما تكشفت للناس حقيقة النظام الذي يحكم العالم الآن، والذي اكتوت البشرية بناره وتلظت بسعيره، وهي تراه هذه الأيام يتهاوى ويتهاوى معه كل الكيد والخداع والدجل الذي صاحب مسيرته بأنه هو البديل عن منهج الله سبحانه وتعالى، فيا أهل الشام ندعوكم لهذا الخير العميم والفضل العظيم، ندعوكم إلى المنهج الذي يحييكم ويحيي البشرية كافة، فكونوا حملة ذلك الخير. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ [سورة الأنفال: 24]

بقلم: الدكتور محمد الحوراني

 عضو لجنة الاتصالات المركزية لحزب التحرير في ولاية سوريا

 

جريدة الراية:https://bit.ly/3dM9IkM