الدول كلها عدوة للإسلام، لأنها تعتنق ديانات ومبادئ تناقض الإسلام، ولها وجهة نظر في الحياة تخالف بل تناقض وجهة النظر الإسلامية، والدول الكبرى بنوع خاص تزيد على ذلك بأنها تطمع في البلاد الإسلامية، ولذلك قضت على الدولة الإسلامية للقضاء على الأمة الإسلامية، ورسمت الخطط البعيدة المدى للحيلولة دون عودة الدولة الإسلامية إلى الحياة لتحول دون عودة الأمة الإسلامية أمة عظيمة بين الأمم، وبالطبع ترسم الخطط وتبذل الجهود لوأد الدولة الإسلامية في مهدها، قبل أن تتحرك الأمة الإسلامية، وستظل دؤوبة على مقاومة الأمة الإسلامية، ومقاومة وجودها، وقوتها، ما دامت الدولة الإسلامية قائمة، أو ما دامت هذه الدول العدوة قوية كدولة، أو قوية كشعب، بل كأفراد. وإذا كانت معرفة السياسة الخارجية لكل دولة في العالم، أمراً لا يستغني عنه كل سياسي مسلم، فإن إدراك كنه، وخفايا، وخطط، وأساليب، ووسائل، الدول الكبرى أمر بالغ الأهمية لكل مسلم بشكل إجمالي، ولكل سياسي بل مفكر مسلم بشكل تفصيلي واقعي، سائراً مع الأحداث اليومية المتغيرة، والمتجددة، مع بقاء التصور الكامل للأسس والقواعد التي تقوم عليها سياسة أي دولة كبرى، من أجل إدراك الأخطار، ودوام العمل لأمن البلاد، أي لأمن الدولة والأمة الإسلامية.
وإذا كان العصر الحاضر تتحكم فيه في السياسة الدولية دولتان هما أمريكا وروسيا، فإن اثنتين أُخريين من الدول الكبرى لا تنفكان ولن تنفكا عن العمل إلى الرجوع للتأثير الدولي، فوق ما لكل واحدة منهما من أطماع وتأثير في البلاد الإسلامية، ومن حقد وكيد للإسلام والمسلمين. ومن أجل ذلك لا بد من معرفة واقع السياسة الخارجية لكل من أمريكا، وروسيا، وإنجلترا، وفرنسا، إلى جانب اعتبار أن الخطر آت من كل دولة، وأن أمن البلاد يتطلب دوام اليقظة والحذر على الجميع.
خاتمة الكتاب
وكذلك لا يكفي أن تعرف القضايا المحلية على ظاهرها، بل لا بد أن تدرك ما وراءها. فمثلاً حين تجد نيكسون نجح في انتخابات الرئاسة الأمريكية للمرة الأولى وللمرة الثانية، يجب أن لا تنساق مع تيار الدعاية بأن الشعب الأمريكي مع نيكسون، بل يجب أن تستعرض الأمور السابقة لترشيح نفسه، فقد سبق أن سقط أمام كيندي حين رشح لرئاسة الجمهورية، ولم ينجح حين رشح نفسه لحاكمية إحدى الولايات الأمريكية وسقط سقوطاً ذريعاً، ثم حلف أن لا يرشح نفسه بعد ذلك مطلقاً، واشتغل محامياً عند الشركات الكبرى. وهذه الشركات هي التي رشحته وهي التي عملت على إنجاحه في المرة الأولى والثانية. فإن أمريكا لا يستطيع الشعب فيها أن ينصب الرئيس الذي يريد، بل أصحاب الأموال الضخمة والرأسماليون هم الذين ينصبون الرئيس وكيلاً عنهم من أجل تشغيل أموالهم.
ومثلاً حين يرى حزب العمال في إنجلترا يهاجم حزب المحافظين الحاكم لقبوله شروطاً مجحفة لدخوله السوق الأوروبية المشتركة، فإنه لا يصح أن يظن أن هذا صراع سياسي محلي على الحكم بين حزبين، ولا هو غيرة على مصلحة الإنجليز، وإنما هو إيجاد خط رجعة لإنجلترا فيما لو لم تستطع تحقيق أهدافها من السوق الأوروبية المشتركة.
ومثلاً حين يرى أن رومانيا تحاول أن تتصرف تصرفاً استقلالياً، وأنها تعمل للانعتاق من سيطرة روسيا، ومن التعامل مع أمريكا، فإنه لا يصح أن تظن أن هذا هو الواقع، بل يجب أن تعلم أن هذا تحريك من روسيا لرومانيا، بموافقة أمريكا، من أجل أن تلعب دوراً رئيسياً في العلاقات بين الصين وروسيا، وبين الصين وأمريكا.
وكذلك فإنه لا بد أن تميز القضايا الفرعية من القضايا الأصلية، وأن تفرق بين القضايا الاقتصادية البحتة والقضايا النقدية البحتة وبين القضايا الاقتصادية السياسية، والقضايا النقدية السياسية، سواء من حيث الدافع أو من حيث الهدف أو من حيث نفس الأعمال الاقتصادية والأعمال المادية.
وجملة القول لا بد أن تثقف الأمة تثقيفاً سياسياً، وأن تزود بالمعرفة الصحيحة بالأسس والتفاصيل، فإنها هي التي تقوم بالأعمال السياسية، سواء في عمليات التحرير أو في حمل الدعوة الإسلامية.
التعريف بالكتاب
يتحدث كتيب نظرات سياسية لحزب التحرير عن واقع السياسة الإنجليزية وواقع السياسة الأمريكية وواقع السياسة الفرنسية وواقع السياسة الروسية والمشاكل الدولية وواجب الأمة الإسلامية كيف أنه يجب عليها أن تفكر في إنقاذ العالم مع إنقاذ نفسها، وأن تضطلع بمهمة تحرير العالم لا بنفسها وحدها. فإنها جزء من هذا العالم، وهي وجدت من أجل هدى البشر، وبعد أن اعتنقت عقيدة الإسلام، صار فرضاً عليها أن تنقذ الإنسانية من الشقاء، وأن تخلص البشر من الظلم والتعاسة، ومن الإذلال والاستعباد.