أثبتت لنا الوقائع التاريخية أن من يطالب بالهدنة هو الطرف الأضعف الذي استشعر بدنوّ هلاكه ويريد أن يأخذ قسطا من الراحة في محاولة منه لإعادة ترتيب أموره غير آبهٍ بالطرف المقابل له، ولقد رأيناه حديثا مطلبا ليهود حين وقعت في أزمة حربها في جنوب لبنان عام 2006 وكذلك في عدوانها على غزة عام 2009 و 2014، وها نحن اليوم نراه يحصل في الثورة المباركة في الشام عقر دار الإسلام.
فأمام وعي أهل الشام على الثورة وثوابتها، وعلى مكر وخبث أمريكا وحلفائها، وأمام ما يتمتع به الثوار و المجاهدون من الروح العسكرية والجهادية وما يتبعه من تحقيق الانتصارات على الأرض رغم قلة العتاد والعدد - مستعينين بالله تعالى وحده طالبين توفيقه - رغم الفرق الشاسع بين ما يملكون من الوسائل الحربية والمساحة القتالية مقابل ما يستخدمه النظام السوري و إيران وحزبها وروسيا فمساحتهم القتالية تشمل الفضاء الجوي أيضا.
لم يكن أمام أمريكا التي لم تستطع كسب المعركة لصالحها وشعرت بدنو انتهاء النظام العميل لها في سوريا لصالح المشروع الإسلامي العظيم دولة الخلافة الإسلامية على منهاج النبوة، لم يكن أمامها إلا أن تنصب الفخاخ لأهل الشام عن طريق عملائها في المنطقة وعلى رأسهم السعودية فتلوث أموال بعض الفصائل بالمال السياسي القذر لتسير بهم في منزلق المؤتمرات في فينا و الرياض و جنيف ثم الهدن الكاذبة ومن جانب واحد ليلحقها بيع لدماء المسلمين بمفاوضات مع القاتل الذي ثار أهل سوريا على ظلمه، ليكون لها متسع من الوقت لإيجاد البديل ضمن النظام نفسه.
فبعد أن فشل الائتلاف بفرض نفسه على أهل سوريا وهو بالخارج، الآن تحاول أمريكا أن يحمل لواءها أناس من الداخل ممن قاتلوا ضد بشار وحملوا لواء الإسلام وفقدوا العديد من رجالهم في معارك الثورة - يعني هم ثوار خنادق لا ثوار فنادق، يعني احتمالية قبول تحركاتهم عند أهل سوريا واردة -، وما درت أمريكا أن أهل سوريا ينفرون ممن غيّروا وبدّلوا ولم يبقوا على ثوابت الثورة وصار التفاوض مع النظام عندهم مطلبا بعد أن كان مرفوضا رفضا تاما، رضوا بأن يوضع الطوق حول رقابهم، وأن لا تكون قراراتهم بأيديهم، وأن ينحازوا عن صف الأمة الإسلامية.
فيا أيتها الفصائل "المعتدلة":
لا يمكن أن يجتمع عمل في سبيل الله وفي سبيل أمريكا ومصالحها في الوقت نفسه، فإما أن يكون في سبيل الله وفي النهاية الفوز، وإما في سبيل الطاغوت أمريكا ومن سار على دربها ودعا بدعوتها وعمل على تحقيق مصالحها فيكون مصيره كمصيرها والعياذ بالله.
كيف بمن يحمل عقيدة لا إله إلا الله أن يستجدي العون والمساعدة من غير الله؟! كيف تقبلون بهدنة هزيلة تُستغل لقتل إخوانكم المجاهدين من الفصائل التي صنفت إرهابية لثباتها في ثورتها ومشروعها الإسلامي وفي الوقت نفسه يقتل بالمعية أهلكم وإخوانكم من المدنيين العزل إلا من عقيدتهم ووعيهم وتوجههم نحو نيل رضوان الله والفوز في الدنيا والآخرة؟!
ألم تأخذوا العبر من الهدن السابقة وما جلبته من انتهاكات في حق أهلها، وهل يؤتمن الذئب والخائن؟! وهل يجرب المجرب؟!
فإذا وصل الحال ببشار لأن يعدم ضباطا موالين له لعدم انصياعهم لأمر أمرهم به وأن يمارس الإجبار على الخدمة العسكرية على الموظفين الحكوميين والطلاب الجامعيين ممن يوالونه في مناطق نفوذه فلا يكون أمامهم إلا خيار القبول أو الفصل من الوظيفة مع التلميح غير المباشر بالاعتقال... فكيف تأمنون على أنفسكم من غدره وقد حفر في ذاكرته أنكم قد خرجتم ثائرين ضد ظلمه ونظامه!! فمثله لا يؤتمن ولا يعطى مهلا ولا هدناً.
يا أهلنا في الشام عقر دار الإسلام:
يا أشباه الصحابة، لقد اجتمعت وتحزبت عليكم دول الكفر والطغيان وعملاؤهم من أبناء المسلمين، فكنتم كما الصحابة في غزوة الأحزاب الذين ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وبلغت القلوب الحناجر ويظنون بالله الظنونا فكان النصر من عند الله بأمور لم تتوقعها الأحزاب ولا المسلمون، فكونوا على ثقة بأن وعد الله حاصل لا محالة ومن حيث لا تدرون، وما هذه الخمس سنوات من عمر الثورة إلا امتحان وغربلة ليميز الله الخبيث من الطيب وليبلوكم أيكم أحسن عملا.
يا أهلنا في الشام، إن المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، فشدوا صرح بناء مشروعكم الإسلامي بإيمانكم وتوحدكم وتراصكم مع إخوانكم المؤمنين فكل منكم محتاج للآخر، اصبروا واثبتوا فالمؤامرة عليكم كبيرة جدا كِبَر وعيكم وإخلاصكم، وابقوا على طريقكم الواضح المستقيم ولا تنحرفوا عنه ولا تلتفتوا إلى من رأى في الاعوجاج طريقا إلى بعض المكاسب الآنية والتي لن تكون إلا إطالة في السير، فأقرب طريق للوصول هو البقاء على الخط المستقيم فكيف إذا كان هذا الخط قد رسمه الخالق سبحانه الذي بيده مفاتيح كل شيء وبيده الأمر كله، القادر على إفشال كل مخططات الغرب الحاقد وبلمحة بصر، ولكن ليبلوكم أيكم أحسن عملا، فأروا الله من أنفسكم خيرا.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أختكم: راضية عبد الله
18 جمادى الأولى 1437هـ
2716م
المصدر: http://www.hizb-ut-tahrir.info/ar/index.php/sporadic-sections/articles/political/35734